خطرت لي فكرة التحقيق حول عمال المعامل الكيميائية في جامعة صنعاء، بعد أن أخبرتني صديقتي عن تعرض إحدى قريباتها لإصابات خطيرة بسبب تعاملها مع مواد كيميائية خطرة في إحدى معامل كلية التربية بالجامعة..
قررت بعدها التقصي والبحث عن هذا الموضوع ووجدت بأن هناك عشرات الحالات تتعرض للإصابات والأمراض الخطيرة نتيجة تعاملها مع المعامل الكيميائية مقابل تقاعس وإهمال من إدارة الجامعة والجهات المعنية.
شعرت بأهمية تسليط الضوء على هذه القضية والبحث في تفاصيها، خصوصاً وأن معظم التقارير المنشورة حول هذه القضية ينقصها العديد من التقصي والبحث الدقيق.. بدأت بإعداد الفرضية ودراسة جميع جوانب المشكلة ومن ثم قمت بجمع المعلومات وبعد نقاشات عديدة حول الموضوع مع الأخوة في شبكة أريج، خرجنا بهذه الفرضية: “جامعة صنعاء لا تطبق تعليمات حماية الطلاب والاساتذة والمشرفين في مختبراتها الكيميائية ما يهدد سلامتهم الشخصية ويعرضهم للإصابة بحروق وأمراض تنفسية وجلدية”.
بدأت بعدها بالنزول الميداني اولا لحصر جميع الحالات المصابة ومتابعة الحالات والتأكد من الاصابات بعد اخضاعها للفحوصات والتأكد من سبب المرض وبعد ذلك التعرف على المواد الكيميائية الخطيرة والامراض المسببة لها وطرق الوقاية منها بالمقارنة مع معامل لدول اخرى.
عند زيارتي للمعامل، كنت أصاب باختناقات خفيفة بسبب رائحة المواد القوية.. حيث أصريت على البقاء في المعامل وإجراء اللقاءات هناك لمعرفة طبيعة المواد وطريقة عمل العمال في تلك الغرف الضيقة التي تم تحويلها إلى معامل بصورة تخالف المعايير المطلوبة، حتى يتسنى لي معرفة معاناة هؤلاء العمال بصورة أكثر وضوحاً.
رحلة البحث عن المتضررين المتقاعدين كانت صعبة هي الأخرى.. فحتى العمال أنفسهم ونقابة العمال لا تمتلك معلومات دقيقة عن زملائهم الذين تركوا عملهم بسبب ما تعرضوا له نتيجة تعاملهم مع هذه المواد..
استطعت وبعد متابعات واتصالات عديدة لقاء أحمد فضائل الذي أصيب بسرطان في البلعوم بسبب مادة الكبريت، وقمت بمرافقته لإجراء الفحوصات المطلوبة، وقبل نشر التحقيق بأسابيع، وصلني خبر وفاته بسبب مضاعفات السرطان؛ وهو ما جعلني أشعر بأهمية التحقيق والإسراع في إكماله ونشره.
تواصلت مع رئيس جامعة صنعاء وعمداء الكليات ومسؤولي وزارة التعليم العالي لتلقي رأيهم حول دورهم في هذا الموضوع، ومع اعتذاراتهم المستمرة قررت الذهاب لمكاتبهم دون إذن مسبق وحاولت الدخول بصعوبة إلى مكاتبهم المزدحمة ومواجهتهم بما لدي من معلومات، وكان كل طرف حكومي يلقي باللائمة على الآخر.
زياراتي المتكررة للمعامل واتصالاتي الدائمة للعمال والمسؤولين في الجامعة كانت مثار استغراب هؤلاء العمال الذين كانوا يتساءلون عن سر الاهتمام الشديد والمتابعة الحثيثة لهذا الموضوع، حيث كنت أتلقى الملاحظات من الأساتذة المشرفين في شبكة أريج والتي تتطلب المزيد من المعلومات والإيضاحات.