مياة راكدة، داكنة اللون، تراكمت وتمددت فى حفريات عميقة تكونت بسبب نزع أحجار البازالت “أحد خامات الثروة المعدنية” من باطن التربة بإستخدام المتفجيرات منذ السيتينات وحتى منتصف التسعينات من القرن الماضى. هذه خلاصة ما رواه بعض أهالى عزبة المناجم التابعة لمدنية أبوزعبل بمحافظة القليوبية كرد على استفسارى عن مصدر هذه المياة أثناء زيارتى للمنطقة لتعظية حادث أخر.
شكوى أخرى فى نفس الزيارة لأحد قاطنى قرية عرب العلقيات الواقعة فى زمام المنطقة الحدودية لأقاليم القاهرة الكبرى، يتحدث فيها عن الأضرار التى تعانى منها قريته بسبب المدفن العشوائى للمخلفات الملاصق للمياة الجوفية التى تسربت إلى حفريات المناجم.
رواية أهالى عزبة المناجم وشكوى قاطنى قرية عرب العلقيات، بلورت لدى الفكرة المبدائية للتحقيق وكانت الفرضية الأولى”تلوث مخزون المياة الجوفية بمنطقة أبوزعبل بسبب مدفن المخلفات وتجاهل المسؤولين لتراكم المياة التى كونت ما يعرف ببحيرة العلقيات.
وبدأ البحث الأولى بهدف الحصول على معلومات تؤكد وتوثق الفرضية الأولية للتحقيق، وأثناء هذه الفترة إلتحقت بورشة تقصى التحقيقات البيئية المتقدمة التى نظمتها “أريج” بالأردن، قام بالتدريب فيها الصحفي الاستقصائي الأمريكي مارك شابيرو المتخصص في تقصي القضايا البيئية وكانت أحد المحاور التى تم مناقشتها بالورشة، الأضرار البيئية الناتجة عن مشاريع استخراج النفط والثروة التعدينية، وتناولنا خلالها التحدث بصورة أكثر عمقا عن هذا النوع من المشاريع، هو ما خلق لدى رؤية جديدة لتفكير فى معالجة الفرضية من زواية مختلفة، ومن خلال التنسيق مع مشرف التحقيق الأستاذ عماد عمر تم صياغة الفرضية فى شكلها النهائى “شركات تعدين تترك مناجم ومحاجر بدون إعادة تأهيل أو معالجة للتربة، ما يؤدى لتحويلها إلى مقالب عشوائية للمخلفات ومصدر لثلوث المياة الجوفية الأمر الذى يضر بالسكان والبيئية فى ظل ضعف الشرط الجزائى فى العقود المبرمة بين هيئة الثروة المعدنية والشركات”.
العمل الميدانى كان الخطورة التالية، حيث تم إختيار ثلاثة مناطق تعدنية على مستوى الجمهورية “صحراء مدنية القصير بمحافظة البحر الأحمر، منطقة المناجم بأبو زعبل بمحافظة القليوبية، محاجر الروبيكى بالمنطقة الشرقية لمحافظة القاهرة، الزيارات المتكررة لهذه المناطق، تمكنت خلال من التوثيق بالفيديو والصور الأثار الناتجة عن عدم معالجة التربة وإعادة تأهيلها، وتم تدعيم هذه الوثائق بشهادات لبعض قاطنى هذه المناطق.
الصعوبة الوحيدة كانت فى رفض وزارة البيئة ومحافظة القليوبية إطلاعنا على نسخة من نتائج الأبحاث العلمية التى تم إجراءها بمنطقة أبو زعبل وتحديد الخاصة بتلوث مياة الشرب”الجوفية والمرشحة”، هو ما دفعنا إلى إجراءات تحليل لعينات من المياة الجوفية وترعة الإسماعيلية لمعرفة وتحديد نسبة التلوث الناتجة عن المخلفات بالمدفن الصحى.
مواجهة المسؤولين بما إنتهى إليه التحقيق وخطورته على التربة والمياة الجوفية، كشف عن نظرتهم لهذا النوع من المخاطر بإعتباره ترف ورفاهية فى ظل الظروف الإقتصادية المتردية.