معلمات بعقود إذعان - أنصار أبو فارة

2016/04/3
التاريخ : 03/04/2016

عمّان- أن تنجز تحقيقاً استقصائياً عن معلمات يعشن تحت خيمة الصمت، يعني أن تتحلى بصبر أيوب، حتى تجد معلمات يمتلكن قليلاً من الجرأة فيكشفن عن معاناتهن وأشكال استغلالهن من قبل أصحاب المدارس الخاصة.
اهتديت إلى فكرة التحقيق عقب تجربة حقيقة عايشتها خلال عملي “كمسؤولة العلاقات العامة والتواصل” في إحدى المدارس الخاصة، فكنت أراقب عن “قرب” كل ما يدور في غرفة الإدارة ويفضي بالنهاية إلى استبداد وتجبر بالمعلمة التي تتجرع المر وتسكت حفاظاً على مصدر رزقها.
عقبات التنفيذ
بعد عشرات المحاولات مع المعلمات لمعرفة التحايلات والضغوطات التي يتعرضن لها أوشكت على اليأس، فغالباً ما كُنّ يتهربن بابتسامة باهتة تنبئ بحجم القهر المختزن بداخلهنّ، بيد رغبتهن الكبيرة في التغيير، إلا أن خوفهن يتغلب على رغبتهن دائماً، فكانت العقبة الأكبر توثيق التجاوزات، ودفع المعلمات للبوح حتى وإن كان ماسيكشفن عنه من باب الشكوى.
وتابعت البحث، كما زاد التقصي الميداني من إصراري على كشف حجم الظلم الواقع على المعلمات لإثبات فرضية التحقيق القائمة على أن “مدارس خاصة تنتهك حق المعلمات في الضمان الاجتماعي بإيقاف اشتراكهن بشكل متكرر، عدم الشمول، أوالشمول على أجر غير حقيقي، وتحميل المعلمة كامل كلفة الاشتراك”.
قصدت حوالي 10 مدارس وقدمت طلبات للعمل متقمصة دور “معلمة”، وفي كل مرة كنت أحاول الذهاب خلف المشاهد المعلنة للكشف عن تجاوزات المدارس، فتمكنت بنجاح من توثيق أساليب التحايل المتبعة من قبل المالكين، إذ أفضى حوار بيني وبين مديرة مدرسة إلى أن الراتب عند التوظيف سيكون 100 دينار، بينما سيرفع صاحب المدرسة كشف الضمان بناء على الحد الأدنى للأجور (190د)، كون الراتب الحقيقي مخالف .
وفي مدرسة أخرى، فوجئت بالمديرة تنبئني أنهم يتفقون مع المعلمة الجديدة على أن يخصم الضمان كاملاً من راتبها في الشهور الثلاثة الأولى من العمل.
ولم يكن بالإمكان الاستمرار إلى المراحل اللاحقة كون التعيين يتطلب تقديم شهادة جامعية بتخصص تعليمي، واحتراماً لحرمة الصفوف والعملية التعليمية رغم سمو المقصد.
وبتجميع كل تلك التفاصيل التي حصلت عليها، كونت الصورة الكاملة لتحقيقي، من خلال التقصي وإجراء المقابلات مع معلمات متضررات، بالإضافة إلى اجراء استبيان قادتني نتائجه للحصول على مؤشرات وتحليلات كلها دعمت فرضية التحقيق، ثم شرعت بمواجهة الجهات المسؤولة والمتسبب بالوثائق والكشوفات التي بحوزتي لوضع اليد على الخلل وأماكن القصور.
فعلياً، لم تكن تجربة إنتاج تحقيق استقصائي بالأمر السهل إطلاقاً، فتقديم الحقائق والمعلومات والأرقام للجمهور يتطلب عملاً مضاعفاً، حتى يقود إلى شيء من الفعل، ويدفع القارئ لاتخاذ موقف من خلال ماوضع بين يديه من حقائق، وعدم تركه في حالة من الحيرة بسرد معلومات تلقي به إلى “اللامعنى”.