فادي الحسني - غزة.. عمال في مهب الإستغلال

التاريخ : 23/10/2014

اختيرت الفكرة بناء على شكوى من شخص مقرب أصيب في منشأة صناعية لا توفر فيها مستلزمات السلامة المهنية ‏في قطاع غزة- فلسطين، فبدأت بالبحث كدراسة استكشافية عن أسباب غياب هذه المستلزمات عبر زيارة منشآت ‏حتى تبين أن هناك مشكلة اعقد تتمثل أيضا في عوامل الوقاية من الحريق.‏
هذا كله أظهر لي أن المنشآت عموما في غزة تفتقد إلى هذين شرطين (السلامة المهنية، الوقاية من الحريق) كأساس ‏لإقامتها، وأن السبب الرئيس وراء هذا الأمر هو عدم وجود تراخيص حقيقية تلزم رب المنشأة بضرورة توفير المستلزمات التي من ‏شأنها الحفاظ على صحة وحياة العمال الذين تتراوح اعدادهم بين 35 – 40 ألف عامل في قطاع غزة، وفق احصاءات رسمية. وأن ‏الترخيص تصدرها البلديات وهي ليست مخولة قانونا بمنحها.‏
عملت خطوة بخطوة مع المشرفين في (أريج)، وكان الاتجاه نحو البحث في أسباب منح البلديات التراخيص والتساهل مع اصحاب ‏المنشآت المخالفة.‏
وقمت بجمع مواد القانون ووضعتها على طاولة البحث والمقارنة، فوجدت أن الجهات الرئيسية المخولة بمنح تراخيص للمنشآت ‏الصناعية تبدأ بوزارة الحكم المحلي، مرورا بالاقتصاد الوطني، ثم الدفاع المدني، بينما لا دور لوزارة العمل في هذه الحلقة، علما أنها ‏جهة رئيسية ودورها مهم في حماية العمال.‏
هنا اكتشفت أن هناك تداخل في الصلاحيات، وعدم وجود قانون يشكل نافذة موحدة لإصدار التراخيص لهذه المنشآت. حاولت ‏البحث أكثر في اسباب قفز البلديات عن دور المؤسسات الرسمية الأخرى ذات العلاقة بإصدار التراخيص، وأخذ مسؤولية متابعة ‏المصانع على عاتقها، فوجدت أن البلديات متنفذة وتحصل على مقابل مادي عال نسبيا، وهو ما يدفع بها لأن تحل بديلا عن ‏المؤسسات الرسمية الاخرى.‏
تطلب ذلك مني الدخول الى مختلف المواقع والمكاتب الرسمية، وانتظار المخاطبات والرد عليها بالشكل الروتيني المعهود في ‏المؤسسات، وما يستغرقه من وقت كبير.‏
اهم الصعوبات التي واجهتني تمثلت بزيارة أكثر من عشرين منشأة صناعية في غزة، حتى أضع يدي على قانونية وجودها ومدى ‏ملائمة أجواء العمل للعمال والتزامها بمعايير السلامة والمهنية والتي تقتضي لبس القفزات وارتداء الحذاء الواقي ووضع الخوذة ‏والكمامات حسب الحاجة. وهي بالمجمل بدت خالية من كل هذا.‏
من بين العراقيل التي واجهتني ايضاً، رفض البلديات اعطاء رقم دقيق حول عدد المنشآت المرخصة لديها، وذلك دفعني للجوء إلى ‏استخراج مخاطبة رسمية من جهة وزارة الحكم المحلي ومخاطبة البلديات بضرورة التعامل مع الصحافي وتزويده بالأرقام المطلوبة، ‏فتعذر ذلك ايضا.‏
فضلا عن ذلك فإن الكثير من اصحاب المنشآت الصناعية رفضوا الافصاح عن عدد الاصابات لديهم وهم من الأصل لم يوثقوها، إلى ‏جانب أن كثير من العمال رفضوا اعطاء إفادتهم فيما يخص طبيعة الاصابة التي تعرضوا لها، وحجم التعويض الذي تلقوه من صاحب ‏المنشأة بعيداً عن الدوائر الرسمية وفي ذلك تجاوز خطير للقانون لأن رب العمل يقوم بإجراء (تسوية ودية) مع العامل المصاب ‏تشمل مكافأة تعويضية قليلة جدا مقارنة بحجم التعويض الذي ينص عليه القانون، ويرجع العاملون سبب عدم الافصاح، لدواعي ‏الحفاظ على مصدر رزقهم، وخشية تسلط ارباب العمل أو الزج بهم في الشارع.‏
إضافة إلى ذلك، كان لابد من تحليل الأرقام وتسهيلها للقارئ، خصوصا أن التحقيق كان يتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات والبيانات.‏
مدير عام وزارة العمل سحب مني ورقة بزعم انه لم يعطي موافقته على نشرها، مدون فيها الاحصاءات النهائية المتعلقة بأعداد ‏الاصابات وحجم التعاطي معها من قبل الوزارة بالإضافة الى الشكاوى التي يتلقونها، هذه الاحصائية زودتني بها موظفة قسم ‏اصابات العمل، ولكني كنت قد التقطت مسبقا صورة عبر هاتف الموبايل للورقة وهذا ما ساعدني في تقديم هذه الأرقام.‏
‏ من بين ردود الفعل على التحقيق، اخذ اتحاد نقابات عمال فلسطيني على عاتقه، مسؤولية بحث الأمر مع الجهات المسؤولة ‏والقيام بممارسة دور الرقابة على المنشآت الصناعية حفاظا على ارواح العمال وذلك بالتعاون مع المؤسسة الرسمية.‏
الدفاع المدني بعد أن اشاد بمهنية التحقيق- رغم أنه احتوى اشارة إلى (الدفاع المدني) بأن لديه جزء من التقصير في الرقابة ‏على هذه المنشآت- قرر أن يخاطب المجلس التشريعي بضرورة سن قانون ينظم استصدار التراخيص.‏
خلال التحقيقاستعنت بنصوص القانون في مواجهة المسؤولين عن منح التراخيص وطرق التفتيش ومهام مفتشي العمل. كما ‏استعنت بمخاطبات رسمية تطالب البلديات بتصويب أوضاع منشآت صناعية غير قانونية وتجاهل البلدية للأمر.‏
استعنت أيضاً بمحاضر ضبط مخالفات سجلها الدفاع المدني بحق أرباب منشآت صناعية مخالفة، وكذلك انذارات خطية.كما أن ‏مكتب مدير عام العمل في وزارة العمل، زودوني بكشف خاص يتعلق بالأرقام والاحصاءات المتعلقة بإصابات العمل وحجم الشكاوى ‏ودور الوزارة في الحد من حجم الاصابات التي يتعرض لها عمال المنشآت الصناعية
‏ كما عملت على تصوير آلات قطع وقص داخل مناجر يعمل عليها عمال بدون أدنى أدوات السلامة والمهنية، وتصوير ورش الحدادة ‏تظهر عدم قانونية هذه المنشأة التي تفتقد لإجراءات الوقاية من الحريق.‏
كما التقطت صورا لمخبز يعمل فيه العمال تحت وطأة الحرارة العالية وهو يفتقد إلى التهوية، فضلا عن أن اسلاك الماكنات كانت ‏معراة وقريبة جداً من أطراف العاملين، بالاضافة الى تصويري لمحاجر يعمل فيها اشخاص يفتقدون الى مستلزمات السلامة ‏المهنية كالخوذة الواقية والكمامات التي تحمي الجهاز التنفسي، فضلا عن عدم وجود احذية واقية وهي ما خلفت اصابات كبيرة ‏في صفوف العمال وعرضت اطرافهم للمخاطر.‏


تليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.