غادة عناب - المياه المتخلفة عن عمليات عصر الزيتون تتضمن مواد خطرة على الحياة "الزيبار" يفسد البيئة .. ويلوث المياه الجوفية والرقابة غائبة

2010/06/16
التاريخ : 16/06/2010

يسعدني أن اتحدث عن تجربتي مع شبكة أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية والتي أجزم أنها انتهت بالنجاح .. من خلال التحقيق الذي قمت به ، والمتعلق ” بالزيبار ” وهي المياه العادمة السوداء التي تنتج من عملية عصر الزيتون ، والذي نشر في صحيفة الرأي في 15 نيسان / 2007 على صفحة ملونة كاملة ، تحت عنوان رئيسي” الزيبار” يفسد البيئة .. والرقابة غائبة “، اذ تلوث مياه “الزيبار” التربة ومياه الينابيع الجوفية خصوصا في محافظات الشمال، اربد وجرش وعجلون . بدأت تجربتي مع أريج ، عندما بادرت الزميلة رنا الصباغ، المديرة التنفيذية لشبكة أريج بالاجتماع مع عدد من الصحفيين في قسم المحليات في صحيفة الرأي، حيث جرى نقاش وعصف ذهني بخصوص جملة من العناوين التي من الممكن العمل عليها كتحقيق استقصائي مستوفيا للمعايير العالمية في الصحافة الاستقصائية . وكان الدافع لاختيار موضوع تحقيقي، اهتمامي الكبير بقضايا البيئة وخصوصا فيما يتعلق بالمياه ، باعتبار الأردن من الدول العشر الأفقر عالميا بالمياه . لذلك كتبت عدة تقاريرتبحث في مجال البيئة في الأردن وسبل المحافظة عليها ، كانت اهمها ــ من وجهة نظري ــ المتعلقة بإعادة تدوير النفايات . وبالفعل .. كانت ورشة العمل حول أسس الصحافة الاستقصائية(والتي نظمتها الشبكة في الجامعة الأمريكية في بيروت) التي شاركت فيها بعد قبول فكرة تحقيقي فرصة كبيرة لي .. للتزود والاطلاع على التجارب العالمية في مجال التحقيق الأستقصائي ، اضافة الى التدرب على الأسلوب العلمي والمنهجي في طريقة جمع المعلومة وكيفية تحليلها وتوثيقها ، علاوة على كيفية اعداد قائمة الحقائق وقائمة الاسئلة المفتوحة والتي من المفترض الاجابة عليها ضمن استراتيجية منهجية وواضحة. وبعد أن قمت بالاستطلاع عن الموضوع من خلال زياراتي الميدانية لبعض المعاصر، وبعض الجهات المشرفة على هذا القطاع كوازرتي البيئة والزراعة ، وذلك في منتصف شهرايلول من عام 2006 قدرت ان التحقيق سيستغرق مدة لا تزيد عن شهرين ، حيث كان موسم قطاف وعصر الزيتون لم يبدأ بعد ، ولكن وبعد أن بدأ العمل فعليا استغرق التحقيق حوالي ستة اشهر. ان الاستراتيجية التي استخدمتها في جمع الحقائق والاجابة على جميع الاسئلة المفتوحة ، كانت ميدانية بشكل كلي ، لانه لم يكن هناك معلومات عن التأثير السلبي لمياه “الزيبار” على البيئة ، ومجددا كانت ورشة بيروت عونا لي في كيفية تنظيم الاولويات والاسئلة التي احتاج لسؤالها لكل شخص أقابله، إضافة إلى المواظبة اليومية على توثيق المعلومات اولا بأول وبشكل يومي. حيث أن أساس الصحافة الاستقصائية تبقى في جمع وتوثيق المعلومات والادلة. من الطبيعي ان تواجهني عدة مشاكل في هكذا تحقيق ” مترامي الاطراف ” كانت اهمها تنطوي على غياب المعلومة شبه الكامل عن مياه ” الزيبار” ومدى التأثير السلبي لهذه المياه العادمةعلى صحة الانسان والحيوانات والاشجار ، وضررها البالغ على البيئة ، من تربة ومياه وهواء ، اذ يمكن القول اننا حققنا سبقا صحفيا إذا جاز التعبير ، حيث لم اجد اية مادة صحفية أو اخرى موثقة في الأردن تتحدث عن هذه التأثيرات السلبية ، وغياب كامل لتحليلات كيميائية او سجلات متعلقة بهذا الموضوع . اضف الى بعض العراقيل من قبل بعض الجهات الحكومية ــ التي يفترض انها تراقب وترعى قطاع المعاصرــ اذ كانت تلك الجهات تتضايق احيانا من اسئلتي ومن اصراري على البحث بكل التفاصيل ، واحيانا كنت اواجه بأستغراب من جدوى البحث في هذا الموضوع .. وفي احسن الاحوال اقرأ علامات التعجب على الوجوه بسبب تناولي هذه القضية بالذات. والاهم أن العمل استمر في غياب قانون حق الحصول على المعلومات والذي يعتبر عصب التحقيقات الاستقصائية. وبدون استعراض.. في عديد من المرات كنت اصل الى نقطة ــ الحائط السد ــ منها على سبيل المثال فيما يتعلق بالجهة التي كان من المفترض ان تجري لنا التحليلات الكيميائية للتربة والمياه ، حيث اشترطت إحدى الجهات العلمية بتقديم تعهد خطي نتعهد بموجبه بعدم نشرنتائج الفحوصات الإ في صحيفة الرأي ، كشرط اساسي لاجراء التحليلات اللازمة للتحقيق ، الامر الذي يتنافى مع سياسية “اريج” بأمكانية نشر التحقيق الصحفي في عدة صحف او مواقع صحفية وبحثية ، اضافة الى نشره بأريج ، بهدف تعميم الفائدة الى ابعد ما يمكن . نحمد الله .. كوننا وجدنا البديل في مختبرات الجامعة الاردنية ، وان كانت سير الامور هناك بطيئا جدا ، لكن بالنهاية حصلنا على نتائح طيبة ودقيقة . واذا سمحتم لي ان ابين كيف جمعت عينات التحقيق ، اذ كان علي ان اجلبها بنفسي .. من الصعب التخيل العناء الذي واجهته في هذا الامر ، اذ كان من المحتم ان اصل الى مياه العيون التي تكون عادة في اسفل الوادي ، عين الخرشان تبعد عن الشارع الرئيس مسافة اكثر من ثلاثة كيلومترات وتحيط بها المزارع ، ولا يوجد شارع معبد يصل اليها ، فنزلت في اراضي المزارع الموحلة سيرا على الاقدام ، ولأن الموسم كان شتاءا .. فلا يمكن لاحد ان يتخيل كمية الطين التي علقت بقدماي ، والاعياء الذي عانيته في ذلك اليوم .. ومع ذلك كانت تجربة صحفية مميزة بحق ، ولاحقا .. اسفت بحق ان تكون هذه المياه ملوثة بفعل “الزيبار” السام . وبعد العناء فهناك ما يثلج الصدر.. ردود الافعال الطيبة بعد نشر التحقيق ، فجمعيات البيئة ونقابة المعاصروالسكان قرب المعاصر وفريق محمية دبين ، كانوا مرتاحين لنشرمعاناتهم ، لكن الاطراف الحكومية عاتبتني على ما اسمته “القسوة” عليها في التحقيق .. الإ ان وزارة البيئة افادت ان التحقيق اعتبر كوثيقة علمية ، تشير بوضوح الى المشاكل المتفاقمة بهذا الصدد ، واقتراحها الحلول ، كما ان البيئة اوضحت الى ان الوزارة تنظر بجدية في انشاء وحدات لمعالجة مياه “الزيبار”، وبدأت فعلا بالبحث عن التمويل لدى الممولين الاوروبيين . واشارت الزراعة الى ضرورة تحسين التشريعات المتعلقة بقطاع المعاصر ، خصوصا وان انتاج المملكة من زيت الزيتون قد تضاعف عدة مرات في السنوات القليلة الماضية ، وان الانتاج سيتضاعف مجددا خلال الاربعة اعوام القادمة . اشكركل من ساهم في هذا العمل الذي ينفع الناس ، واشكر طاقم شبكة اريج لهذه اللفتة التي تساعد الصحفيين بوضع يدهم على المشاكل التي تعاني منها منطقتنا .. وا عتقد انها تجربة غنية ، اسعى لتكرارها انشاء الله قريبا. غادة عناب


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *