عمّار الصالح - مخلفات اليوارنيوم تتسبب بانتشار السرطان في جنوب العراق

2012/03/6
التاريخ : 06/03/2012

لم تكن فكرة كتابة تحقيق حول ارتفاع معدلات الاصابة بالسرطان في جنوب العراق بسبب مخلفات اليورانيوم بعد حرب الخليج الثانية (1991) وحرب غزو العراق (2003) بالحديثة، اذ تم تناول هذا الموضوع سابقا لكن بمواضيع لم تتجاوز الاخبار والتقارير المختصرة في معلوماتها، ونتيجة للارتفاع المتزايد في معدلات الاصابة بالامراض السرطانية الذي اصبح اشبه بالوباء في مدينة البصرة وبشكل غريب بعد ان اخذ هذا المرض يصيب عدة افراد في الاسرة الواحدة، وزيادة معدلات التشوهات بين حديثي الولادة وتصريحات المسؤوليين المحليين في عدم وجود تأثيرات صحية ناجمة عن مواقع اليورانيوم المشع، فضلا عن تأكيداتهم على معالجة هذه المشكلة وهو امر متناقض مع ما هو موجود على ارض الواقع، وحصولي على معلومات تفيد بوجود عمليات سرقة منظمة للآليات الملوثة باليورانيوم ليعاد استخدامها في صناعات محلية، وتعثر الجهات الصحية في توفير العلاجات للمصابين.

توجهت لكتابة تحقيق استقصائي حول هذا الموضوع بدأته بجمع المعلومات من مختلف المصادر وتحليلها بمساعدة المشرف على التحقيق, والقيام بزيارات ميدانية الى المناطق السكنية التي تتواجد بها اليات تعرضت لاطلاقات اليورانيوم المشع مع اجراء استبيان لمعرفة نسبة الاصابات السرطانية بين سكان تلك المناطق عن غيرها من مناطق البصرة كما عملت على توفير وثائق وخرائط من جهات مختلفة حول هذا الموضوع والاستعانة بالجهات الصحية والمنظمات المدنية لمعرفة نسبة الاصابات السرطانية ومقارنتها بالفترات السابقة.

بعد توفر جميع المعلومات المطلوبة بادرت بكتابة التحقيق وإنضاجه بتوجيهات المشرفين في اريج لينشر في عشر مؤسسات صحفية محلية بعد ايام من نشره في صحيفة الغد العراقية، حيث كشف التحقيق في طياته حقائق غابت عنها وسائل الاعلام الاخرى، في مقدمتها وجود توجهات امريكية لطمس معالم هذه الجريمة بإصدار قوانين في هذا الاتجاه خلال فترة الحاكم المدني للعراق بول بريمير (2003-2004).

كما بين التحقيق وجود ارتباط مباشر بين هذه المواقع وزيادة معدلات الاصابات السرطانية باعتماد تحليلات علمية من الخبراء المختصين مع اجراء استبيان ميداني في المناطق السكنية القريبة من تلك المواقع وعدم وجود اهتمام حكومي حقيقي لمعالجة هذه المشكلة التي تتطلب جهود دولية، فضلا عما كشفه التحقيق في عدم شمول معظم مناطق محافظة البصرة ومؤسساتها الحكومية بعمليات المسح البيئي الخاصة بالكشف عن وجود تلوث بمادة اليورانيوم حيث اقتصرت تلك المسوحات على نسبة (20% ) لمناطق المحافظة و(50%) للدوائر والمؤسسات الحكومية.

رغم ان هذه المعلومات لم تكن سهلة المنال, اذ رافقت كتابة التحقيق عدة صعوبات من اهمها كيفية اثبات علاقة بين مواقع اليورانيوم المشع والاصابات السرطانية والتشوهات الخلقية, اضافة الى صعوبة الحصول على المعلومات من الجهات الحكومية, وعدم وجود مراكز بحثية للتمكن من معرفة ارتفاع الاصابات وفق جدول زمني دقيق, فضلا عن ذلك كانت كتابة التحقيق تتطلب زيارات ميدانية لمواقع اليورانيوم المشع للإطلاع عليها وتصويرها وتم ذلك دون ان تتوفر معي أي مواد واقية من تأثيراتها الصحية, باستثناء بعض المستلزمات البسيطة, فتركت هذه المسألة مخاوف نفسية تلاشت مع التركيز والانشغال بكتابة التحقيق الذي علمت بعد نشرة في مطلع شهر اذار على ايصاله لشخصيات حكومية وبرلمانية ومنظمات المجتمع المدني التي بدورها ترجمته الى اللغة الانكليزية وأرسلته الى منظمات دولية فنال اهتمام منظمة (اي كي في باكس كريستي) الهولندية المعنية بجهود السلام في مناطق الصراع لحماية أمن الإنسان, التي بادرت الى زيارة مدينة البصرة بعد شهرين من نشر التحقيق لجمع المعلومات حول هذا الموضوع, واللقاء بكاتب التحقيق لتزويدهم بوثائق ودراسات حول الموضوع, وخلال زيارتهم الثانية في مطلع ايلول الماضي تم اكمال تقريرها الذي اعدته بناءا على المعلومات التي كشفها التحقيق, وتضمن التقرير المؤلف من (40) صفحة “قدرة العراق الحالية في معالجة هذا الملف والاحتياجات التي يجب توفيرها من المجتمع الدولي للحكومة العراقية وما هي الخبره الاضافية التي نحتاجها من المنظمات الوطنية والدولية لمنع تعرض المزيد من المدنيين لمخاطر المواقع اليورانيوم المشع”, وقدمته في الرابع عشر من شهر تشرين الاول الماضي الى الامم المتحدة ليكون ضمن ” الاهتمامات الدولية وجزء من برنامج أوسع لمعالجة المشاكل البيئية التي يواجهها العراق لاسيما التعرض للمواد الخطرة من مخلفات الحروب في نهج متعدد ألأوجه”.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *