عمر وهبه - قوارب الموت تحصد أرواح شباب فلسطينيين في لبنان

2011/11/11
التاريخ : 11/11/2011

عشت همّ الهجرة مجبراً من خلال أصحاب وأقارب لي، فمن من الشباب لم يفكر يوماً بالهجرة؟
قبل أن أبدأ بالتحقيق، سمعت الكثير من القصص وعايشت العديد من الحالات لشبان هاجروا ومن ثم عادوا، فرأيت في مسألة الهجرة أمراً مشوقاً للكتابة عنه، حتى أنني فكرت في أصنع فيلماً يحكي قصة المهاجرين، لكنني رأيتها مكلفة وقد لا أجد وسيلة إعلامية تضمن لي عرضه. إلى أن قررت جدياً في الكتابة عن موضوع الهجرة غير الشرعية والتطرق الى السماسرة الذين يتولون مهمة توصيل الشباب.
وعندما كتبت لبيسان الشيخ عن الفكرة كنت متردد كثيراً من دون أفصح عن ذلك، لأن التحقيق سيتطرق إلى سماسرة لهم باع طويل في التهريب والأعمال غير القانونية وبعضهم مطلوب للدولة والبعض الآخر يعمل لحساب أشخاص في الدولة كمخبرين. فكان عندي خشية من تبعات هكذا تحقيق قد يدفع بعضهم الى الانتقام إذا ما ذكرته بسوء.
لكن شيئاً فشيئاً تبددت المخاوف بعد مناقشتي للموضوع مع بيسان، ووضعنا خطة بعد موافقة الشبكة على الاقتراح، وبدأنا بتجميع شهادات لعدد من شبان حاولوا الهجرة وتسجيلها إضافة الى شهادات أهالي ممن علقوا أو فقدوا ابناً لهم.
واجهنا صدّاً في أول شهادة، حيث رفض ذوو الشابين المفقودين الإدلاء باي شيء باستثناء والدة احدهما التي قابلنها في البداية من دون موعد، وعلمنا لاحقاً أن السمسار الذي أخذ على عاتقه توصيل ولديهما يهددهم. والسمسار تاجر لبناني ومقرب من أحد الاحزاب ويتعامل مع مهربين ما سمح له الإفلات من القضاء.
اتفقنا أنا وبيسان على مجموعة من الاسئلة تشمل تفاصيل تجربة الهجرة من أسبابها حتى تبعاتها، متوجهين إلى الشباب وإلى بعض المقربين منهم والسماسرة متى أمكن لإيجاد أكبر قد ممكن من المعلومات المتقاطعة، مع ذكر حالتهم النفسية ووضعيتهم خلال الحديث لتحري المصداقية واستبعاد كل ما يثير الشك.
تابعت ميدانياً تجميع الشهادات وبدأت تتبادر إلى ذهني قضايا مهمة ومتعلقة بالشباب من خلال ما كنت أسمعه رأيت من الضروري تسليط الضوء عليها مثل مشكلة العمل، الهجرة ومصير حق العودة، مصير الشباب المغتربين وأوضاعهم، والمطلوبون للدولة الموجودون في المخيمات، .. الخ. لكن تواصلي الدوري مع بيسان منع تشتت التحقيق، إذ كانت بمثابة ضابط إيقاع حافظ على مسار التحقيق حين كانت تذكرني دائماً بالـ «الفرضية» التي بني عليها العمل.
كذلك اللقاءات الدورية مع المشرفة كانت مهمة، فتارة يحصل جوجلة للأفكار وانضاجها ووضع آلية لاستكمال ما تبقى، وتارة استوحي من همتها الثقة والمثابرة من جديد بعد التململ الذي كان يراودني.
بدأت بمقابلة الشباب الذين علمت أنهم جربوا السفر ومن توصلت إلى عدد كبير من الشباب خاضوا التجربة فسعيت لاختيار الذين تعرضوا لعملية احتيال أو مخاطرة، أي أنهم ضحايا. حتى إن أحدهم أرهقني البحث عن منزله بعد تغير عناوين كثير من الناس بعد أزمة مخيم نهر البارد ونزوح أهله مخيم البداوي والمناطق المجاورة. وعندما وصلت الى بيت أهله بعد سؤالي عنه، قالوا لي أنه مسافر معتقدين أني قادم من ألمانيا وأحمل لهم أمانات من قبله.
وخلال المقابلات كنت اضطر إلى أن استطرد بالشرح عن أهمية أخبارهم لي عن تجاربهم ليتسنى نشرها وتوعية الشباب كي لا يقعوا في نفس الفخ، فغالبيتهم كانوا متعاونين واسترسلوا في الحديث باستثناء اثنين لم يخفوا خشيتهم من تسجيل المقابلة فأجبرت على كتابة المعلومات خطاياً أثناء حديثهما، رغم تأكيدي لهم أن التسجيل لن تنشر.. هو مجرد وسيلة لتفادي نسيان أي معلومة.
ولتلخيص شهادات الشبان، قمنا بوضع جدول يجمع أبرز نقاط الحديث والمعلومات التي أدلوا بها مصنفة بحسب الأسئلة التي وجهت لهم، ما سهّل علينا الرجوع إلى النقاط الأساسية مثل: طريقة السفر، السمسار، الخسارة، السمسار في تركيا، المخاطر، وجهة السفر..، وفي جدول منفصل وضعنا اسماء السماسرة مع مقابلة أحدهم.
لا أخفي أنني فشلت في مقابلة أحد السماسرة الأساسيين، ففي الفترة الأخيرة من إجرائي للتحقيق الذي استغرق ستة أشهر من العمل، حاولت مراراً مقابلته، وانتظرته طويلاً لكي يخرج من السجن على خلفية تهريبه للأشخاص، فكان السمسار قد اخذ كل احتياطاته كي لا يقابل أي أحد لا يعرفه (كان تحت فترة المراقبة)، وذهبت الى منزله عدة مرات بعد عملية بحث ساعدني فيها صديق، كانت ابنته تقول لي أنه ليس هنا وانا متأكد أنه داخل البيت.
وأخيراً واجهت صعوبة بالكتابة ولم أكن أعرف من أين أبدأ لكثرة المعلومات، وكانت أول مرة أجري فيها تحقيق بهذا الحجم، (يعني كنت عم بتعلم)، فخبرتي البدائية اضطرتني إلى إعادة الكتابة ثلاث مرات، وكان لصبر بيسان وحرصها على أن يكون التحقيق مهنياً، دور في تحسين المادة وخروجه بهذه الصورة.
ولتسهيل الكتابة قسمنا المواضيع بحسب حالات الضحايا: الموت، العودة، والعالقين، وجعلنا التقرير الرئيسي عن حالتي الموت والعائدون الذين نالوا نصيب كبيراً من الخسارة، وفصلنا موضوع العالقين في كادر خارج الموضوع لحصر معلومات كثيرة كانت بحوزتنا، وخصصنا إطاراً آخر يحكي مشكلة السفر والعمل للشباب الفلسطينيين في لبنان. وخلال الكتابة اخترنا أن نبدأ بالحالة الأكثر تأثيراً أي الموت، وانطلقنا تدريجياً بأسلوب قصصي يسرد أهم محطات الهجرة.
إنجاز التحقيق الأول مع دورة التحقيقات الاستقصائية لـشبكة “أريج” فتح شهيتي لإجراء مزيد من التحقيقات.
فإلى اللقاء مع تحقيق آخر


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *