علياء ابو شهبة - الترياق القاتل..متعايشون مع "الإيدز" يواجهون انهيار المناعة والوفاة

2014/08/12
التاريخ : 12/08/2014

كانت البداية من خلال دورة تدريبية مع مؤسسة طومسون رويترز حول أخلاقيات ومعايير الكتابة في القضايا المتعلقة بفيروس الإيدز، التي إلتحقت بها نظراً لإهتمامي الشخصي في عملي الصحافي بالكتابة عن معاناة الفئات المهمشة بوجه عام بشكل محترف، وهو من أهم أسباب إختياري العمل في مهنة الصحافة، وسأواصل البحث عن مشكلات أخرى لم تتناولها الصحافة بعمق.

خلال الدورة التدريبية، إلتقيت متعايشة مع الفيروس وتحدثت عن مشاكلهم، لفت إنتباهي حديثها عن قضية صرف الدواء الذي يحصل عليه أصحاب المناعة المنخفضة نسبيا للحفاظ على مستوى مناعتهم ومن ثم التعايش مع الفيروس.

كانت الخطوة التالية هي القراءة حول كل ما يخص فيروس الإيدز وطبيعة هذا الدواء، لم تكن مجرد قراءة عادية، لكن كان بحث تفصيلي لأدق تفاصيل الموضوع شمل؛ كل ما تناولته الصحافة المصرية عن حاملي فيروس نقص المناعة البشرية، معلومات تفصيلية من خلال المواقع الالكترونية لمنظمة الصحة العالمية و منظمة الأمم المتحدة للإيدز، وكذلك الأفلام التي تناولت قضايا المتعايشين مع الفيروس مثل فلمي “منى” و “أسماء”، قرأت أيضا كل الاحصائيات التي تخص حاملي الفيروس في مصر منذ بداية ظهور المرض، وكذلك الكتيبات الإرشادية التي توزعها وزارة الصحة، وطبيعة الأعراض وطرق إنتقال الفيروس.

من خلال البحث المبدئي عرفت أن بعض حاملى الفيروس يحصلون على علاج شهري يشترط فيه أن يكون منتظما للحفاظ على مستوى مناعتهم بشكل طبيعي، وهذا الدواء غير متوفر تجاريا، وثمنه مرتفع جداً يصل إلى 400 دولار أمريكي، لذلك توفره وزارة الصحة المصرية بالمجان من خلال البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، ويصرف عبر صيدليات مستشفيات الحميات في 9 محافظات.

لفت إنتباهي أيضا، أن المشكلة ترجع إلى ما يزيد عن 10 سنوات، ولم يتحدث عنها أصحاب المشكلة خوفا من الوصمة الاجتماعية، كما أن الموضوعات الصحافية المتعلقة بحاملي الفيروس اقتصرت على ما يتعلق بالوصمة وقصص إصابتهم بالفيروس بدون عرض لمشاكلهم المتعددة، وهو ما دفعني للكتابة عن المشكلة بعمق.

التعامل مع المتعايشين مع الفيروس وكسب ثقتهم تطلب وقتا وجهدأً، إذ قضيت ساعات طويلة وأنا أستمع إليهم، وأكرر الإتصال بهم و اسأل عن نفس التفاصيل أكثر من مرة، واجهتني مشكلة أن بعض الحالات كانت ترفض الرد على اتصالي أو تطلب عدم النشر، وهو ما تفهمته لأن طبيعة الفيروس يصاحبها ايضأ الإصابة بالإكتئاب، لذلك كنت أنتظر مدة كافية وأعود للأتصال أو أنتظر إتصال المريض بعد أن يهدأ، وفي المقابل حرصت على إحترام خصوصيتهم والتركيز على الحقائق، وتجنب ذكر أي معلومة تزعجهم.

قبل التعاون مع “أريج” حاولت العمل على التحقيق، إلا أننى أعدت إجراء العمل بشكل كامل لأنني تناولت القصص الإنسانية للمتعايشين مع الفيروس دون التركيز على مشكلة التحقيق الرئيسية، كما أنني لم أتناول طرح الفكرة بنفس الشمولية التي جاءت في التحقيق فيما بعد، لذلك سعيت إلى التعاون مع أريج، وذلك لعرض الفكرة بشكل أشمل.

حقيقة، تفاجأت بموافقة أريج على تمويل التحقيق لأنه يخص فئة لا تحظى بالإنتشار العددي لأن العدد المعلن لحاملى الفيروس في مصر حوالي 3 ألاف متعايش منهم 1260 يحصلون على الدواء فيما تقدرهم UNAIDS بحوالي 11 ألف متعايش، لذلك سعدت بدعم أريج للتحقيق.

شمل العمل مع أريج تناول تفاصيل مهمة ودقيقة تمثلت في تعقب خطوات شراء الدواء بداية من الحصول على الدعم، وشراء الدواء ثم دخوله إلى مصر وتوزيعه، كما توصلت لمعرفة البدائل التي لجأ إليها المرضى، وجهاز التحليل الذي يلزم توفيره للتغلب على حالة المناعة الدوائية التي أصابت بعض حاملى الفيروس نتيجة صرف بدائل للدواء، وكلها نتائج توصلت إليها من خلال البحث والتقصى بأسلوب العمل الذي تعلمته ولم يقتصر الأمر فقط على ذكر معاناة حاملى الفيروس وأن الدواء يتأخر صرفه مثلما كانت الفرضية في البداية.

ساعدني كثيرا إعداد جدول عمل أكتب فيه تفاصيل كل ما أقوم به من خطوات مهما كانت بساطتها، وذلك لتذكر هذه التفاصيل أثناء كتابة التحقيق، وتعلمت أيضا الحوار المتعمق الذي يشمل كافة التفاصيل المتعلقة بحاملى الفيروس، وهو ما يساعد على عرض أوجه معاناتهم بصورة واضحة.

كانت الكتابة هي المرحلة الأصعب في التحقيق نظرا لأن التحقيق له طابع علمي وبه الكثير من المعلومات الطبية الصعبة والهامة، كما أنني جمعت قدراً كبير جدا من المعلومات، لذلك كانت الكتابة عبر عدة مراحل، ساعدنى الاستعانة بالأنفوجراف، والإطار، على عرض المعلومات ببساطة، وتعلمت كيفية تكثيف المعلومات بمعنى وضع المعلومة في جمل قصيرة كاملة المعنى.

في بداية إعداد التحقيق تصورت أن التواصل مع حاملى الفيروس هو أصعب خطوة، لكن في حقيقة الأمر التواصل مع المسؤولين كان أكثر صعوبة، لأن عدم وجود تشريع يقضى بحرية تداول المعلومات، ويجبر المسؤول الرد على تساؤلات الصحافي أثر كثيراً على سرعة إنجاز التحقيق، وأذكر أنني استغرقت شهورا في متاهة بين الجمارك ووزارة الصحة لرفض المسؤولين مقابلتي و إعطائي المعلومات البسيطة، وهو ما تطلب الإلحاح و تكرار التردد على مكاتب المسؤولين والإتصال بهم عشرات المرات، مع استمرار تجاهل المكتب الإعلامي لوزارة الصحة لطلبات الحوار مع مسؤولي الوزارة، إضافة إلى استمرار كل طرف في إلقاء اللائمة على الطرف الأخر وهو ما حدث بين مسؤولي الجمارك ووزارة الصحة في الجزء الخاص بمراحل استيراد الدواء.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *