- المكان : الشمال السوري وهو ريف مدينة ادلب وريف مدينة حلب الممتدان من الحدود التركية السورية الى قرابة مدينة اللاذقية التي تسيطر عليها قوات النظام السوري بشكل كامل، بينما تخضع المناطق الريفية لسيطرة جهات عدة ومن بينها المدن المنسية التي تقع على جبل الزاوية ولابد لأي سالك للطريق الرئيسي بين حلب واللاذقية او حلب ودمشق الإ ان تلتقي عيناه بتلك المناطق.
اثناء ممارسة عملنا الصحفي في تغطية تطورات الاحداث في سوريا في مناطق الشمال وعلى امتداد سنوات النزاع السوري وتحديداً منطقة جبل الزاوية التي تنتشر فيها مجموعة من القرى والمدن المنسية وخلال السنوات الماضية ومع المرور المتكرر بجانب تلك المدن لا يمكن لأي صحفي او عابر لطريق حلب دمشق او لطريق حلب اللاذقية الإ ان تلتقي عيناه بهذه المدن، في كل مرور كانت هذه المدن تتغير امام اعيننا، وتتحول الى مدن صالحة للسكان حيث تتحول القصور الى بيوت والمدافن الى محال تجارية، واحياناً اخرى تتحول الى مناطق عسكرية او مناطق للمعارك بين الجهات المنتنازعة، شكل ذلك محرضاً لنا للآقتراب من ذلك المشهد ورصده عن قرب على عدة مستويات
الآول: الشغف التاريخي في البحث خلف القيمة والاهمية التاريخية لتلك المناطق على مستوى التراث العالمي
الثاني: طبيعة التغييرات التي تتم على هذه المناطق وتوثيق تلك التغييرات ومحاولة التواصل مع الجهات المسؤولة وفهم دورها في حماية هذه المناطق وحقيقة قيامها بمهامها والبحث عن الجهات المسؤولة عن حمايتها وحقيقة تواجدها
الثالث: المحرض الإنساني للبحث خلف الاسباب التي جعلت هؤلاء القاطنين يلجؤون الى هذه المدن دون سواها؟
اثناء عمليات البحث وتحري الحقائق حول الانتهاكات والاسباب، بدأت تتكشف امامنا الحقائق التاريخية والميدانية والانسانية، منها تلك التي ترتبط بالقيمة التاريخية الكبيرة لهذه المناطق والخطر الذي يتهددها وخصوصاً اننا استطعنا الوصول الى تقرير صادر عن اليونيسكو يقول ان هذه المناطق مهددة بالزوال هذا الامر دفعنا للبحث عن دور المسؤول في هذه اللحظة ومالذي يمكن ان نفعله؟، تحول الدافع الى احساس بخطر يمسنا شخصياً يمس ذاكرتنا المرتبطة بماضينا الانساني وتطوره.
بحثنا عن دور اليونيسكو والجهات المسؤولة عن حماية هذه المناطق، لاحقنا تلك الخطوط واجرينا عدد لابأس به من المقابلات الشفهية اضافة لتلك المقابلات المصورة، تنوعت تلك المقابلات مع القاطنين في تلك المناطق, وتواصلنا مع جهات محلية تعتبر مسؤولة عن تلك المناطق، لم يكن الامر بهذه السهولة فمجرد طرح اسئلة متكررة حول موضوع واحد ومقابلة القاطنين الفارين من مناطقهم التي دُمرت بشكل كامل بسبب الحرب، هذا اضافة لمسألة رفع الكاميرا وتصوير تفاصيل الانتهاكات حيث كان علينا الدخول الى تلك الاماكن التي تحولت الى منازل، ومحال تجارية وهذا تطلب منا معايشة القاطنين لفترة وجيزة من الزمن وتوضيح موضوع التحقيق بانه سيكون مساهماً في ايجاد حل لمأساتهم، تحديات كبيرة تقابلها مخاطر كثيرة هذا اضافة الى انك تعمل ضمن منطقة توصف كأكثر المناطق خطورة في العالم لعمل الصحفيين كل تلك كانت تحديات بالنسبة لنا استطعنا التغلب عليها بسبب دافعك وشغفك الصحفي اضافة للوضوح بالجانب العملي ألا وهو التركيز على خطة واضحة نستطيع من خلالها انجاز التحقيق باقل الاضرار والاخطار .
تتواجد هذه المناطق بالقرب من خطوط النزاع بين عدة اطراف هذا الامر شكل عائقا كبير في تسجيل الاثباتات وتحري الحقائق والتآكد من صحة المعلومات التي بين يدينا ومحاولة الوصول للمسؤولين خصوصاً انك تتحدث عن مناطق خارجة عن سيطرة اغلب الاطراف واسمياً يمكن ان يقال عنها انها تحت سيطرة جهات مختلفة المرجعية يطلق عليها المعارضة المسلحة، اضافة لوجود هذه الاماكن والمدن بمحيط خطوط النزاع وتحيط بها مناطق تخضع لسيطرة جهات مختلفة، وفي ظل كل تلك الامور حاولنا التواصل مع اغلب الجهات المحلية التي يُفترض انها مسؤولة عن حماية هذه المناطق لم نستطع الوصول للجهات الحكومية التابعة للنظام السوري بعد الكثير من المحاولات، واعتمدنا على تصوير محاولتنا وتوثيقها لتضمينها كجزء من التحقيق لتكون شاهداً على تملص الحكومة السورية من المسؤولية، على الطرف الأخر استطعنا مقابلة جهات تابعة للمعارضة السورية وجهات اخرى مسلحة تزعم انها مسؤولة عن حماية المناطق، اضافة لمراجعتنا بنود اتفاقية جنيف واعلان القاهرة للوصول للمسؤول الحقيقي عن حماية هذه المناطق في حالات النزاع وقمنا بتوثيق هذه العملية لتضمينها كجزء من التحقيق، بعد عملية تسجيل وتوثيق الكثير من المقابلات اضطرنا الى حذف الكثير منها بعد ان تواصل معنا بعض القاطنين بسبب تخوفهم من التعرض للخطر وحرصا منا على عدم وضعهم في خطر، قمنا بحذف الكثير من المقابلات وحاولنا الاعتماد على من استطعنا تأمين موافقته على عرض المقابلة والإدلاء بشهادته، كان هذا احد اهم الخطوط التي وضعناها في ميثاق عملنا الخاص لإنجاز هذا التحقيق ألا وهو عدم تعريض حياة المدنين والشهود والمصادر للخطر، حتى لو اضطرنا ذلك لإيقاف العمل على التحقيق وخسارة الجهد الكبير الذي بذلناه.
المنهجية التي اتبعناها:
رسمنا خارطة لحركتنا ضمن هذه المناطق، تتضمن المكان والزمان والاجراءات التي سنقوم بها،
وضعنا ميثاق خاص بهذا التحقيق وظروف صناعته تساعدنا على الالتزامات وقضايا الحماية الشخصية.
قمنا باجراء عملية مسح شاملة للمناطق الاثرية المتواجدة في جبل الزواية وركزنا ببحثنا على عدة مناطق استهدفناها بالتحقيق،
بدأنا برصد ومقارنة المناطق التي يستهدفها تحقيقنا، حصلنا على صور وفيديوهات سابقة لهذه المناطق وقارناها مع الصور المعاصرة لهذه المناطق، حيث ظهرت خلال المقارنة حجم التغيير في طبيعتها التاريخية واماكن تموضعها وشكلها المعماري.
راجعنا متخصص في الاثار وعرضنا عليه الصور والمقارانات التي قمنا بها، وسجلنا شهادته حول التغييرات في تلك المناطق واهميتها التاريخية وخطورة زوالها بالنسبة للتراث السوري والتراث العالمي.
قسمنا العمل الى ثلاث مراحل
مرحلة ماقبل الانتاج: وتضمنت البحث والاعداد وجمع المعلومات
وتضمنت عملية الرصد والمقارنة لهذه المناطق حاولنا الحصول على صور سابقة لهذه المناطق وكيف كانت وما التغيرات التي حصلت عليها، اضافة لعملية التوثيق لكل التغيرات التي حصلت بهذه المناطق واجراء لقاءات ميدانية مع الاهالي القاطنيين والمعنيين والتواصل مع المنظمات المحلية والعالمية لمعرفة دورهم في حماية هذه المناطق.
مرحلة الانتاج: جمع المواد التي استطعنا تصويرها في مرحلة البحث وماقبل الانتاج
قمنا باتباع المخطط الذي وضعناه في مرحلة ماقبل الانتاج وقمنا بالتصوير مرة اخرى، وتسجيل كافة المعلومات..
مرحلة مابعد الانتاج:
قمنا بتفريغ المواد المصورة، ووضع خطة للمونتاج التي تضمنت بالبداية تفريغ المقابلات، واختيار الصور ومن ثم تدقيق المعلومات بخط القصة التي اشتغلنا عليها..
اخترنا الموسيقى وقمنا بتسجيل الاصوات حتى وصلنا للشكل الاول من التحقيق ومن ثم قمنا بصياغة الشكل النهائي او النسخة النهائية..
عرضناها على مجموعة متنوعة من الزملاء العاملين في حقل الصحافة والفنون السمع بصرية وسجلنا الملاحظات التي تلقياناها..
وقمنا بالعمل على الملاحظات التي رأينا انها تضيف للموضوع..
وهكذا حصلنا على النسخة النهائية.
اترك تعليقاً