صبا ابو فرحة - قصور إجراءات التقاضي والبعد العشائري وراء استمرار مسلسل الاعتداءات على الاطباء

2010/10/3
التاريخ : 03/10/2010

صبا أبو فرحة لا ينكر اثنان أن عملية تغطية موضوع استقصائي، في العالم العربي بشكل عام والأردن بشكل خاص، يشوبه بعض التحديات التي قد تثني المرء عن متابعة ما بدأ به. ولا أنكر للحظة أنني شعرت بذلك الشعور والإحباط. ربما لأنها تجربتي الأولى! عندما تقدمت لمؤسسة أريج لخوض هذه التجربة، اقترحت علي الصحافية رنا الصباغ موضوع الاعتداء على الأطباء، إذ أن “موضة” الاعتداء كانت بأوجها عندما بدأت التقرير، فلم يمض يوم إلا وتنشر الصحافة المحلية خبر إعتداء على طبيب هنا أو هنالك في المستشفيات الحكومية، ويمضي الأمر كأن لا شأن لأحد. لذلك بمساعدة من الصحافي (المشرف) سعد حتر وضعت فرضيتي التي تقول “إرتفاع حالات الإعتداء على الأطباء في المستشفيات الحكومية سببه غياب التشريعات القانونية الرادعة”. وبدأت موضوعي في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأنا أشعر أن هذا الموضوع “سهل” وسأنهيه بسرعة، لأنني معتادة على الصحافة السياسية إن جاز التعبير، أي تغطية الأحداث السياسية، بشكل أساسي، والظواهر الاجتماعية لم تكن لها بعد في أجندتي، لذلك اعتقدت “مخطئة” أن هذا الموضوع بسيط وسأتجاوزه بسهولة كبيرة. ولكني صدمت بالواقع عند محاولة الحصول على المعلومات، وكان مصدر معلوماتي الأول هم الأطباء أنفسهم. الغريب أنني لم أعان من الحصول على المعلومات الرسمية من وزارة الصحة من دائرة المراقبة والتفتيش بل كانوا متعاونين جداً معي. ولكن الحصول على ثقة الأطباء وسماحهم لي بذكر قصصهم ومشاكلهم، بالإضافة إلى آراء المراجعين كان غاية في الصعوبة. ربما قابلت أكثر من مائة طبيب ومراجع لم يسمح لي إلا عدد قليل منهم ذكر قصصهم هذا مع حصولهم على وعد بعدم ذكر أسمائهم كاملة بسبب شعور بحالة “من العار”! وأيضاً لم يسمحوا لي بتصويرهم أو تسجيل الحديث على مسجلتي (صديقة الصحافي الدائمة)، ولأني كنت أرغب بالذكر القصة حاولت جاهدة ألا أزعجهم والمضي قدماً بأي أسلوب يجدونه مناسباً. قابلت الشخصيات من عمان وبعض محافظات الشمال، ولم استطع الذهاب إلى مستشفيات الجنوب إلا لمأدبا لبعد المسافة، وربما هذا خطأ مني قمت باقترافه دون قصد! وكان المشرف وهو الصحافي سعد حتر ومن وقت لآخر الصحافية رنا الصباغ يتابعان معي التقرير. فقد كنت في الأسبوع الواحد أقابل سعد ربما ما لا يقل عن ثلاث مرات، وإن لم يستطع نتابع الحديث عبر الهاتف الخلوي أو الإيميل أي كانت هنالك متابعة حثيثة وجدية للموضوع. ومن الصعوبات التي واجهتها شح المعلومات، سواء من الأطباء كما قلت سابقاً وربما الأسوء إحصائيات عن عدد الحالات التي وصلت إلى القضاء، إذ لم يتسن لي الحصول إحصائيات تخص الأطباء رغم السعي الحثيث لسعد ورنا بالإتصال بوزير العدل نفسه للحصول على المعلومات. ولكنني حصلت على معلومات تفيد الإعتداء على الموظف العام بشكل عام وليس الطبيب. ما يدل بشكل قطعي أن هنالك شح بالمعلومات المتخصصة في الأردن، وهو أمر أتمنى مستقبلاً أن يتم البحث فيه، أي لا يوجد تخصيص لكل حالة، ولعل الأمر الأغرب عدم وجود نص قانون يوضح العقوبات على من يعتدي على طبيب بالنص الحرفي كما كانت تحاول سنه نقابة الأطباء بل باء هذا المشروع بالفشل دون أن يوضح أحد الأسباب الموجبة لمثل هذا المنع. فقانون العقوبات الأردني تنص نصوصه على عقوبات تخص الموظف العام، دون تخصيص لكل حالة على حدة! وفي الأشهر الستة لمتابعتي التقرير نص تعديل في قانون العقوبات بتغليظ العقوبة على كل من يتعدى على موظف عام من ضمنه الطبيب، وهنالك محاولات من النقابة بالضغط على الحكومة لحماية أطبائها، وهو تحرك بدأ في الأشهر الأخيرة (مارس، إبريل)، ولكن لا يوجد تغيير حقيقي إلى الآن. وجد في الآونة الأخيرة أن الصحف والمواقع الإلكترونية الأردنية “خففت” من سرد قصص اعتداء على أطباء، دون توضيح هل السبب تغير الوضع أم ماذا! وما لفت نظري في رحلتي مع التقرير أن الأطباء أنفسهم يعانون من مشكلة؛ بمعنى عندما يعتدى على طبيب في مستشفى عام، وتقوم الوزارة أو النقابة أو كلاهما بتعين محام له لرفع قضية في القضاء، يقوم بإسقاط حقه قبل الوصول إلى القضاء أو سحب القضية قبل البت فيها، في إشارة واضحة إلى حالة الإحراج العشائري التي يقع فيها الأطباء. فكثير منهم أقر بأنهم تحت ضغط “بوسة اللحى (الإحراج العشائري)” كما يرغب الصحافي سعد حتر بتسميتها يتنازل مكرهاً عن حقه الشخصي، وبالتالي يسقط الحق العام لأن في مثل هذه القضايا الحق العام هو الحق الشخصي، وهو خطأ آخر وجد أي لا يوجد حق عام! لذلك عدد القضايا نادر في حال وصولها إلى المحكمة، ولم يبت في أي قضية إلى وقتنا الحاضر لقيام الطبيب باسقاط حقه، وما وجدته أن معظم القضايا يتم التغاضي عنها في أورقة المستشفى، أي بعد أن يعتدى على الطبيب، “ولاد الحلال بحلوها بسرعة”! وبالنسبة للوثائق لم يقم أي طبيب بإعطائي أي وثيقة إلا طبيب واحد، ولكنيً حصلت على الوثائق من وزارة الصحة، التي كما أسلفت كانت متعاونة جداً معي. إذاً ما استطيع إجماله هو أن هنالك ضعف واضح بالمعلومات وكيفية الحصول عليها، وأيضاً الإعتداء على الأطباء يشير إلى أن هنالك حالة عنف متجذرة في المجتمع، تحتاج من علماء الاجتماع النظر إليها وتحليلها، وربما وضع حلول عملية لها.


تليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *