انطلقت فكرة تحقيق “زواج القاصرات في لبنان: بين حكم الطوائف وعجز الدولة”، من جدل كبير أثاره خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يشجع فيه على الزواج المبكر. وجدت حينها أنّ هناك العديد من التساؤلات التي تحتاج لإجابات واضحة، كان أبرزها: هل تزوّج الطفلات اللبنانيات مبكراً أم الأمر يقتصر على اللاجئات السوريات والفلسطينيات؟، لماذا في مجتمع منفتح كلبنان لا يزال يسمح بتزويج القاصر؟ وما الذي يعرقل سن قانون يحدد سن الزواج بـ18 عاماً؟ هل القضية سياسية أم دينية بحتة أم الإثنين معاً؟.
ولم يكن من السهل طرح قضية دينية إشكالية في بلد كلبنان، تتعدد فيه الطوائف وتكثر فيه صراعاتهم. وفي الوقت الذي يظهر فيه موضوع “زواج القاصرات” على أنّه موضوع استقصائي سهل، إلا أن تناوله في بلد فيه 18 طائفة لكل منها سن أدنى للزواج مختلف عن الآخر، وفي بلد تكثر فيه الأحزاب السياسية التي لكل منها موقف مغاير في القضية بحسب الطائفة التي تتبع لها، يجعله تحقيقاً صعباً فيه الكثير من العراقيل.
الصعوبة الأولى كانت في إيجاد حالات فتيات لبنانيات تزوجن بعمر صغير، وبالرغم من الوصول إلى الكثير من الحالات إلا أن أغلبهن رفضن الحديث خوفاً من عائلتهن أو أزواجهن. لذا كانت الخطوة التي اتخذتها هي اللجوء إلى كل الجمعيات المعنية بالموضوع لإيصالي بفتيات قاصرات متزوجات.
الصعوبة الثانية كانت في محاولة الموزانة بالتواصل مع كل الطوائف والأحزاب المعنية بالموضوع، بدون إغفال أي جهة، خاصةً أنّ الصحفي في لبنان سريعاً ما يتهم بالإنحياز لجهة معينة وطرف معيّن.
الصعوبة الثالثة التي عرقلت مسار التحقيق وأطالت إنجازه، تمثلت في رفض العديد من النواب مقابلتي، تحت ذريعة أن “الجهات الدينية” هي المعنية بالموضوع، بالرغم من وجود قانونين يعنيان بالقضية في أروقة مجلس النواب لم يبتّ فيهما حتى الآن، ويعجز مجلس النواب عن إقرار إحداهما بسبب عرقلة الطوائف التي تتحكم بقوانين الأحوال الشخصية.
وأخيراً، الصعوبة التي دفعتني على الصعيد الشخصي للتشبث بالعمل على التحقيق هي تعليقات العديد من الناس على ذلك بالقول بأنّ “طائفتي ستتبرى مني في حال أنجزت التحقيق ونشرته”.
وفيما يتعلق بردود الفعل بعد نشر التحقيق، فقد أحدث جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الإجتماعي بين معترض ومؤيد، واتهمت من البعض بالمسّ بقضية دينية مقدسة.
ورد الفعل الأهم على التحقيق، كان إحالة رئيس مجلس النواب نبيه بري، مسودة قانون تحديد السن الأدنى للزواج بـ18 عاماً، إلى لجنة “الإدارة والعدل” لمناقشته، بعد أن بقي لأكثر من سنة في أدراج المجلس.