بالرغم من الفترة القصيرة التي بدأت بها في العمل كصحفية والتي لا تتجاوز السبع أشهر إلا أنني أعتبر أن المرحلة المهمة لي في الصحافة هي فترة تدريبي في شبكة (أريج) التي ساعدتني على رؤية الأمور من منظار آخر ألا وهو أن الصحافة ليست مجرد خبر يكتب وينشر في الصحيفة…وأن التحقيق ليس موضوعاً بسيطاً ينجز خلال يومين وينشر، بل أن الخبر هو قصة تنشر كتمهيد للمحقق لمساعدته في تكوين فرضيته التي تحتاج إلى إثبات ضمن معايير معينة هي المصداقية والدقة في نقل المعلومة.
بدأت معرفتي بالشبكة خلال فترة تدريبي في صحيفة العرب اليوم عندما اجتمعت السيدة رنا الصباغ بعدد من الصحفيين في الصحيفة لتعريفهم بالصحافة الاستقصائية وكيفية وضع الفرضية التي تعتبر نقطة البداية في كتابة أي تحقيق استقصائي مبني على المصداقية والدقة في نقل المعلومة الموثقة بأسلوب علمي.
فكان ذلك الاجتماع حافزاً لي لأن أبدأ بالتفكير ملياً بالتدريب في الشبكة وإجراء تحقيق حول الأدوية المهربة والمزورة بعد أن قمت بعدة زيارات للشبكة والاجتماع بالسيدة رنا.
جاءت فكرة الأدوية المهربة والمزورة بناءً على عدد من الأخبار التي نشرت في الفترة الأخيرة عن ضبط دائرة الجمارك العامة لعدد من الأدوية المهربة والمزورة إلى جانب التصريحات التي صدرت عن المؤسسة العامة للغذاء والدواء حول إغلاق عدد من الصيدليات ومناشدة نقيب الصيادلة بتفعيل عقوبات صارمة بحق هؤلاء الصيادلة.
فبدأت بجمع المعلومات لتحديد حجم هذه الظاهرة التي تهدد حياة العديد من الناس دون أن تفرق بين كبير وصغير لكتابة الفرضية، فكان للمؤسسة العامة للغذاء والدواء دوراً كبيراً في تسهيل مهمتي من خلال ما قدمه لي المسؤولين في المؤسسة وعلى رأسهم المدير العام الدكتور محمد الرواشدة من معلومات ساعدتني في وضع الفرضية التي تحتاج إلى إثبات.
أضف إلى ذلك التسهيلات التي قدمها لي مدير عام الجمارك الفريق متعب الزبن ورئيس المجلس القضائي محمد صامد الرقاد بالإيعاز للموظفين والقضاة لتسهيل مهمتي وتقديم ما يلزم من معلومات ووثائق.
وعلى هذا الأساس تم الاجتماع بعدد من المسؤولين والصيادلة منهم نقيب الصيادلة الدكتور طاهر الشخشير الذين أكدوا أن القضية تكمن في قصور التشريعات التي لا تفرض عقوبات صارمة بحق المهربين والمزورين والتي تقتصر على غرامة مالية لا تتجاوز مبلغ زهيد مقابل الأرباح التي يجنيها هؤلاء التجار تشكل لهم حافزاً للاستمرار ببيعها ومطالبين في نفس الوقت بتشديد العقوبة لتصل الى الشروع في القتل.
وبناءً على ما تم جمعه من معلومات وضعت الفرضية التي عملت جاهدة لإثباتها من خلال تحديدي فترة زمنية لا تتجاوز الشهران لإنجاز التحقيق وكتابة القصة…إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً حيث أنها احتاجت للإثبات خمسة شهور…ويعود السبب في ذلك للمعلومات الكثيرة التي قمت بجمعها والتي جعلتني أقع في فخ الضياع…فلم استطع أن أجد طريق البداية للقصة التي أسعى لإثباتها.
وكان لورشة العمل التي رشحت لحضورها من قبل الشبكة والتي أقيمت في عمّان الأردن الدور الكبير في المساعدة في تثبيت أقدامي من خلال تقسيم القصة إلى ثلاثة قصص منفصلة، والتي سأتكلم عنها كل على حدا.
الجزء الأول:
تم التركيز في هذا الجزء على خمسة أدوية مثار التزوير تستعمل من قبل مرضى يعانون من أمراض مزمنة ـ أمراض القلب والسكري والضغط والكولسترول والالتهابات ـ يوقعهم في تناول أدوية مهربة ومزورة.
فبدأت بجمع المعلومات الخاصة بهذا الجزء من خلال:
الدراسات التي قمت بجمعها والتي تناولت موضوع الأمراض المزمنة. ورشة العمل التي نظمتها المؤسسة العامة للغذاء والدواء حول الأدوية المهربة والمزورة. الزيارات الميدانية التي قمت بها لعدد من المرضى الذين استخدموا هذه الأدوية. المحاولات المتكررة لشراء دواء مهرب ومزور من عدد من الصيدليات. تدريبي من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء على تمييز الدواء المهرب والمزور عن الدواء الأصيل. وكأي تحقيق استقصائي لا بد أن يمر تحقيقي ببعض العراقيل ألا وهي قصة المصنع الذي ضبط مؤخراً لتصنيع أدوية مزورة في الأردن، والذي علمت عنه صدفة خلال جمعي للمعلومات، فبدأت بالسؤال عنه إلا أن الجميع أكدوا لي عدم صحة القصة.
غير أن ورشة العمل التي عقدت وقمت بحضورها أثبتت لي أن المصنع ليس قصة خرافية بل أنه حقيقة، وذلك من خلال الكلمة التي ألقاها أحد موظفي دائرة مكافحة الفساد وتأكيده ضبط وإغلاق المصنع في الصيف الماضي…فعدت للبحث عن خيط يرشدني للوصول للقصة كاملة فكانت نقطة البداية دائرة مكافحة الفساد التي رفضت تزويدي بأي معلومة عن هذا المصنع.
ومن خلال العلاقات المهنية القائمة على الاحترام المتبادل التي استطعت أن ابنيها خلال الخمسة شهور الماضية علمت من أحد الأشخاص بأن قضية المصنع مرفوعة أمام محكمة صلح عمان…وعند استفساري عن الموضوع تمكنت من الوصول للقضية وحضور إحدى جلساتها والحصول على كافة المعلومات التي قد تساعدني في إتمام قصتي.
ولا يفوتني في هذا الجزء أن أستذكر المساعدة التي قدمت لي من مشرفة التحقيق السيدة رنا الصباغ لإتمامه وإثبات فرضيته وذلك من خلال متابعتها الحثيثة لما أقوم به من جمع للمعلومات، إلى جانب زياراتها الميدانية معي لعدد من الأطباء والصيادلة للتعرف على آرائهم بتفشي ظاهرة الأدوية المهربة والمزورة وأسباب انتشارها وبيعها للمرضى.
أضف إلى ذلك الزيارة التي قمنا بها لإحدى وكلاء الأدوية التي يتم تهريب وتزوير أدويته للوقوف على دور هؤلاء الوكلاء بحماية علاماتهم التجارية والحفاظ عليها.
Leave a Reply