خالد موسى - في محيط مكبّ نفايات الغزلانية أناسٌ يعانون ويموتون بصمت! تراشق الاتهامات بين متعهد المكبّ والحكومة، فيما الهباب الأسود يخيم على المنطقة

2009/10/20
التاريخ : 20/10/2009

ها أنا ذا مرة ثانية مع أريج هل نعلم أين ينتهي المطاف بـ “زبالتنا” نحن البني آدمين سكان الحضر؟ إنها تتكدس فوق رؤوس بني آدمين مثلنا، أرغمهم فسادنا وجهلنا ولا مسؤوليتنا على اجترار مخلفاتنا من الزبالة استنشاقا أو نبشا أو أكلا، ما أفضى بكثير منهم إلى المرض وربما الموت، وبصمت!. إنكم ربما تقرأون الآن كلمات التحقيق الاستقصائي المرفق وأنتم جالسون خلف شاشات حواسيبكم تحت أجهزة التكييف وبجو معطَّر وتنظرون من نوافذكم إلى شجيرات خضراء.. . لكن في هذه اللحظات هناك أناس آخرين لا ينعمون بشيء من هذا، إنهم ينبشون الزبالة في مكب نفايات الغزلانية، أو يقطنون بجواره ولا يجرأون على فتح النافذة كي لا يدخل الموت منها. تعود معرفتي بـ “مكب نفايات الغزلانية” لورشة عمل أجريتها مع المعهد الدنمركي بدمشق حول قضايا البيئة والمناخ، كنت أعمل حينها في تلفزيون الدنيا، وفي نهاية الورشة أنجزت تقريرا تلفزيونيا مدته دقيقتين عن المكب. لكن كيف يمكن للضوء أن يسلط على كارثة صحية بيئية اجتماعية بحجم مكب نفايات الغزلانية خلال دقيقتين فقط؟ في نهاية الورشة سافرت إلى الدنمارك، هناك رأيتهم كيف يصنَّفون القمامة إلى 45 نوعا، وكيف يعلِّمون الأطفال ببساطة أن لا يكسروا الزجاجة قبل رميها في الحاوية المخصصة للزجاج، وأن لا يرموا البطاريات الجافة في الحاويات المخصصة للورق.. . عدت إلى بلدي، قررت أن أنجز تحقيقا استقصائيا مكتوبا حول “مكب نفايات الغزلانية”. وفكرت: من سيدعم فكرة إنجاز تحقيق عميق كهذا بالإرشادات المهنية والمادية كما تفعل شبكة أريج؟ من سيترجمه؟ من سيحقق له الانتشار والفاعلية كما تفعل أريج؟ من سيؤمِّن لي مشرف يوجه بوصلتي؟ من سيضمن لي كصحفي الاحتكاك مع أهم الصحفيين الاستقصائيين في العالم كما تفعل أريج؟ تفاصيل العمل على التحقيق كثيرة، لكني استفدت من تجربتي السابقة مع أريج في أن تكون الفرضية مركَّزة أكثر، والمعلومات والبيانات والوثائق والمستندات والصور والتسجيلات مُكيرة –نسبة إلى برنامج CAR- بطريقة أفضل، والنبش والحفر أكثر عمودية وعمقا، ولا أود الاستفاضة هنا، كي لا أكرر التفاصيل الإجرائية والمهنية التي كتبها بشغف المشرف الأستاذ ابراهيم ياخور ويمكن الرجوع إليها. أود أن أشير إلى أن الاستفادة من توجيهات وإرشادات المشرف الأستاذ ياخور كانت ممزوجة بالمتعة الكبيرة. إنه شخص استمزج الخبرة بالدماثة، الأسى بالدعابة. يغوص بتفاصيل التحقيق التي ستؤلف الصورة كاملة، ويبتعد عن الصورة كي يراها ككل وليس كمجوعة تفاصيل. لقد تهيبت منه للوهلة الأولى لكبر عمره، وضخامته –بالنسبة لي على الأقل-، وبعد دقائق عديدة من تعارفنا أصبحت أنا “أبو الخل”، وهو “أبو البير”. أود أن أشير أيضا إلى أن التحقيق بين أيديكم هو نتاج معايشة كارثة مكب نفايات الغزلانية والبني آدمين فيه وحوله لمدة نحو ستة أشهر، كنا بعد كل زيارة نعود لنستحم في منازلنا، فيما هم لا زالوا غارقين بين تلال القمامة، حيث يعملون، ويأكلون، وينجبون أطفالا، ويموتون!.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *