حنان زبيس - رياض الأطفال القرآنية في تونس: مختبر لتكوين نخبة وهابية

2013/10/9
التاريخ : 09/10/2013

بدات بعد الثوة في تونس ظاهرة جديدة تتمثل في ظهور و انتشار رياض أطفال قرآنية تونس تحت اشراف ‏جمعيات دينية، تقوم بغسيل دماغ لأطفال تتراوح اعمارهم بين 3 و 5 سنوات تحت غطاء تعليمهم القرآن. هذه ‏الرياض تنشط بحرية كاملة و خارج اطار القانون. اثارت الظاهرة حفيظة الراي العام في تونس و لكن لم يوجد ‏اي تقرير صحفي تمكن من دراستها بعمق وخاصة من الداخل لانه ببساطة لم يتمكن اي صحفي من الولوج الى ‏هذه الفضاءات و معرفة ما يحصل حقيقة داخلها. استهواني الموضوع منذ البداية لانه جديد في المجتمع التونسي ‏وكنت اتابعه عن قرب محاولة ان اجد طريقة للدخول الى هذا العالم الغامض. في البداية خطر لي ان العب دور الام ‏التي تريد ان تسجل ابنها في احدى هذه الرياض و هو ما فعلته و لكنني تفطنت بسرعة ان ذلك غير كاف, لانه ‏حتى الاولياء ممنوع عليهم ان يدخلوا الى قاعات الدرس و يعرفوا ماذا يحصل لابنائهم. ثم انتهيت الى انني يجب ‏ان اتنكر في زي مربية اطفال حتى استطيع العمل هناك. و لكن لم يكن الامر بتلك السهولة اذا ان رياض الاطفال ‏القرآنية لا تقبل اي نوع من المروضات, فوجب اذن ان اقوم بدورة تكوينية خاصة. بحثت في المواقع الاسلامية ‏عن اعلانات حول الدورات ووجدت واحدة في مدينة خارج العاصمة. اشتركت في احداها و لبست اللباس ‏الشرعي حتى لا اثير انتباه المنظمين. شيئا فشيئا تمكنت من كسب صداقة و ثقة المدرسة و المتدربات و هو ما ‏ساعدني على التمكن من القيام بتربصات في روضات قرآنية عديدة و معرفة ما يحصل فيها, وقد وثقت كل ما ‏شاهدته بالصوت و الصورة لانني كنت احمل كاميرا خفية كل الوقت تقريبا. ‏
واجهتني مشكلة غياب كلي للوثائق و البيانات حول الظاهرة لانها جديدة في المجتمع التونسي و بما ان رياض ‏الاطفال القرانية غير قانونية كان من الصعب معرفة عددها و مدى تفاقم الظاهرة. حتى وزارة المرأة و الاسرة ‏المسؤلة عن قطاع الطفولة في تونس لم تكن تملك احصائيات دقيقة حول عدد هذه الفضاءات و لم تكن هناك أي ‏جهة اخري تملك هذه المعلومات. كان يجب علي ان اعتمد على نفسي في كل شيء.‏
القانون موجود منذ سنة 2011 ولكن لم يقع تفعيله الا في مايو 2013 و مازلت الادارات التونسية لم تتاقلم مع هذا ‏التغيير كما ان تفاعلها مع طلبات الوصول الى المعلومات ليس بالشكل المطلوب. بالنسبة لي لم احتج للتعامل معها ‏لان كل معلوماتي حول موضوع تحقيقي كان يجب ان اجدها بنفسي. ‏
لان الظاهرة جديدة، بدات بجمع كل المقالات الصحفية التي صدرت حولها ثم اعتمدت كثيرا على الانترنات عبر ‏زيارة المواقع الاسلامية و صفحات الجمعيات الدينية في مواقع التواصل الاجتماعي. عندما بدات تجربة الدخول ‏الى رياض الاطفال القرآنية كان عندي دفتر يوميات اسجل فيه ملاحظاتي عن كل ما رايته و عشته كل يوم. ‏بالاضافة الى ذلك كنت انظم كل ما صورته او سجلته في ملفات الكترونية مع وضع التوقيت و اليوم لكل مادة ‏مسجلة او مصورة. ‏
يجب اولا قراءة و رصد كل ما يكتب عن الظاهرة موضوع التحقيق لتكوين فكرة اولية عن الموضوع و متابعة ‏تطوره باستمرار. يجب ايضا في مرحلة اولية الاستعانة بالمصادر المفتوحة كالشبكة العنكبوتية و مواقع التواصل ‏الاجتماعي التي قد توجد فيها معلومات مهمة لا توجد في مكان اخر. بعد ذلك يجب وضع استراتيجية عمل و ‏قائمة بالمصادر البشرية و الوثائق التي سنحتاجها بالاضافة الى السعي دائما الى الحصول على ارقام و ‏احصائيات تدل على حجم الظاهرة و تطورها.‏
إن اصعب شيء تعرضت إليه خلال قيامي بالتحقيق كان وجوب التنكر في زي المتدربة ثم مربية رياض أطفال و ‏الدخول الى هذا العالم المغلق الذي يتحكم فيه المتشددون دينيا. فلو تفطن احد الى انني صحفية كان يمكن ان تتعرض ‏حياتي للخطر خاصة وانني كنت اصور بكاميرا خفية. في نفس الوقت كان يجب ان اتكتم تماما عن مهمتي خوفا ‏على سلامتي. اتذكر انني خلال تلك الفترة كنت انام بصعوبة وتنتابني الكوابيس كل ليلة. كان لي صديق واحد يعلم ‏بذهابي كل يوم الى تلك الرياض و كان يتابع تحركاتي بحيث لو حصل لي مكروه يمكنه التدخل و اعلام الشرطة. ‏و لكن الحمد لله مر كل شيء بسلام.‏
اكبر ضربة حظ كانت قبولي بالدورة التدريبية دون ان يطلب مني بطاقة هويتي التي كان مكتوبا عليها مهنتي ‏كصحفية. الضربة الثانية انني استطعت بسهولة ان اكسب ثقة المدربة التي فتحت امامي ابوابا عديدة و مكنتني ‏بفضل علاقاتها من الدخول و القيام بتربصات في روضات قرآنية عديدة.‏
اسلوبي في الكتابة يعتمد على البدء بملخص يطرح اشكالية التحقيق في سطرين او ثلاثة ثم أمر مباشرة لتقديم ‏شهادة او اثنين للضحايا لتوضيح عمق المعاناة التي يسببها المشكل, بعد ذلك ابدأ بشرح الموضوع مع تدعيم اقوالي ‏باحصائيات. ‏
اتدرج فيما بعد في بناء النص من خلال تقسيم التحقيق الى عناصر اعدها مسبقا و في كل عنصر أدرج المعلومات ‏التي تحصلت عليها مع تدعيمها بشهادات و ارقام. وانتهي في الأخير إلى الإجراءات التي يجب اتخاذها لتجاوز ‏المشكل. احاول ان يكون هناك ترابط بين مختلف العناصر ليكون البناء متكاملا و الأسلوب سلسا.‏
بفضل أريج تعلمت كيفية ايجاد المعلومة من خلال عدة مصادر و كيفية تجاوز الصعوبة في حال اغلقت في وجهي ‏الابواب. تعلمت ايضا كيفية التخطيط لعملي و تقسيم جهدي ووقتي و تعلمت ان لا شيء يقف امام ارادة الانسان اذا ‏كان يريد الوصول الى هدفه خاصة اذا كانت هناك مصلحة عامة.‏


تليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *