حسان عيادي - "لعنة السماوي" تعصف بصدور المتساكنين حول مجمع قابس... غازات مسمومة تضر بالبيئة المحيطة "الكيميائي"

2014/10/3
التاريخ : 03/10/2014

بحثت كثيراً عن كلمات منمقة أزج بها في كتابة يوميات صحافي للإشارة لأسباب اختيار موضوع التحقيق والصعوبات التي وجدتها، لكن الأمر لم يكن يسيراً بالمرة، لذلك سأكون أكثر دقة وصراحة في القول، إن ما دفعني لاختيار موضوع التحقيق يتداخل فيه الموضوعي الذاتي، و يتقاطعان فالبحث في ملف مسكوت عنه منذ العام ١٩٧٩ تاريخ تسجيل ارتفاع نسبة الأمراض الصدرية في ولاية قابس وتحديداً في منطقتي غنوش وشط السلام، الأقرب الى مقر المجمع الكميائي، أمر يثير اهتمامي الشخصي وموضوع أريد أن أعالجه لاعتبارات شخصية ومهنية عدة.
فهذا الموضوع كما غيره من المواضيع كانت معالجة الصحفية بعد ٢٠١١ تستند الى ردود الفعل والتخمين والإكتفاء بتصريحات غاضبة ومتهمة أو نقل احتجاجات، دون الذهاب لتحديد السبب المباشر وغير المباشر في تأزم الوضع البيئي والصحي ومشارفته على شفير الكارثة، لتظل المعالجة الصحفية مقتصرة على مقالات أو روبرتاجات لا تذهب الى أبعد من تقديم أدخنة المجمع وأكوام الفسفوجيبس، وأحينا حوارات مع المواطنين.
كما لا أنكر أن جانباً حسيا يتعلق بالانطباع الذي تركته زيارة للولاية ولدت رغبة في اختيار موضع التأثير الصحي للتلوث على الأهالي و البحث عن الانفراد بمعالجة مهنية تحترم عقل القارئ وتنقل المشهد بكل تفاصيله وتعقيداته، هذا المحرك كان هو الدافع الاول لكنه سرعان ما تلاشى بعد الشروع في العمل الميداني، فبعد أن كان الدافع الأساسي هو الانتصار لعدد من المرضى التقيت بهم، بعضهم لم ينعم حتى بمتعة السير على أقدامه، بات المحرك في المقال تقديم المشهد بأبعاده دون أي إضافة أو تجني على أي طرف فالصورة الأصلية وحدها تكفي.
هذا الموضوع الذي أخذ مني سنتين من العمل، والكثير من الجهد الذي بذل في مراجعة الأبحاث والدراسات وفهم مع ماذا أتعامل انتهى للأسف، من وجهتي نظري على الأقل، دون ما كنت أمل الوصول اليه في نهاية التحقيق الى ربط مباشر بين التلوث ومادة الرصاص وانتشار مرض الشلل سواء النصفي أو الرباعي لدى عدد من المرضى، لكن غياب مخابر التحليل وانعدام الدراسات الطبية المحلية وافتقار الجميع للمعطيات العلمية الدامغة حالت دون ذلك.
طوال سنتين من العمل اعتمدت فيها على الزيارات الميدانية ومعاينة محيط المجمع واللقاءات بكل من له علاقة بالملف، وتوزيع استمارات طبية على الأهالي واللقاء بمسؤولين محليين سابقين وحاليين لم يقع ادراج شهاداتهم لاعتبارات أولها وآخرها أن الجميع يتنصل من المسؤولية ويحملها للنظام السابق ورئيسه دون دلائل فعلية.
هذا السلوك يهدف الى الالتفاف على حقيقة المشكلة وتداخلها وعدم تحمل كل طرف لمسؤوليته، للأسف حتى الإعلام التونسي بعد الثورة تعددت فيه المقالات والبرامج المتلفزة التي اختزلت أزمة قابس في تلوث حمّلت مسؤوليته للنظام السابق أيضاً وشيطنته دون أن تذهب لتفكيك الصورة وتحديد ماهي الملوثات الموجودة وما هو مصدرها.
الصعوبة الوحيدة كانت في أن الجميع يريد أن يقدم الأمر على أن ما يحدث في قابس من البديهيات، مجمع كيميائي يعني تلوث والتلوث يعني مرض، بهذه البساطة والسطحية التي أردت في التحقيق أن اتجانبها، ولا أعتبر أني نجحت كليا في ذلك.
لا أريد أن أناقش الصعوبات واستعرضها تباعا وتقديم التحقيق على أنه عمل جبار بل أني أقر أني قصرت في إنجاز التحقيق وأخطاءت في بعض الأحيان واكبر خطأ وقعت به أني انطلقت في إنجاز تحقيق لغاية في نفسي لا نبل فيها أو شرف بل هي بحث عن “سبق العمر” لينتهي بي الامر لإدراك أن الأهم في العمل الصحافي هي الحقيقة لا شي غيرها، وللأسف هذا أدركته بعد انتهاء التحقيق ونشره، حينما اقتصر استثماره واستثمار معطياته في الحمالات الانتخابية للمرشحين للانتخابات في دائرة قابس.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *