جاءت فكرة التحقيق من حادثة كنت شاهد على مأساويتها تمثلت في حريق التهم منزل مكون من أربعة طوابق ، في الحي المجاور للحي الذي اقطن فيه بالعاصمة صنعاء ، المنزل كان ملاصق لمحطة لتعبئة الغاز ، والتي نشب حريق فيها أثناء تفريغ الغاز من الشاحنة لينتقل بسرعة فائقة للمنزل ويلتهم المنزل بطوابقه الأربعة، التعاون الإنساني ،والتصرف القويم والسريع ،قبل ذلك العناية الإلهية هي ما جعلت إنقاذ النساء والأطفال والأفراد الذي بالمنزل يمر بسلام ،ليخرجوا بسلام عدا حروق بسيطة ويشاهدوا بعد ذلك منزلهم بكل محتوياته يحترق أمام أعينهم .
بدأت العمل على التحقيق، بعد الحادثة بأسبوع من خلال جمع البيانات والمعلومات وبالفعل بداء الأمر ظاهرة خطيرة تهدد حياة مدينة يقطنها أكثر من 3 مليون نسمة، وكان أن حصلت على العديد من القصص منها ما انتهى بالموت كما في القصة المذكورة في التحقيق وغيرها من الأوجاع و المعلومات جراء انتشار تلك المحطات.
ليتم بعد ذلك التواصل مع أريج الذين تحمسوا كثيرا للموضوع، وطلبوا دراسة أولية وكان ذلك ، فتتم الموافقة لإبداء فوراً بعمل خطة عمل للتحقيق ،ومن ثم يبدءا مشوار العمل والاستقصاء الذي كشف لنا الكثير من الأرقام المرعبة والمخيفة والمعلومات الصادمة ، كل ذلك يترافق مع إهمال حكومي مرعب وصادم هو الآخر، يكشف التحقيق أن هناك 647 محطة لتعبئة الغاز انتشرت خلال العامين المنصرمين فقط حسب الإحصائيات الرسمية ، جميعها أنشئت بدون ترخيص وبدون أدنى المواصفات وإجراءات الأمن والسلامة التي ينص عليها القانون
من يقرأ التحقيق سيلاحظ أن جُل أحاديث وتصريحات من استضفناهم في التحقيق حتى القيادات الحكومية الكبيرة تجمع على توصيف تلك المحطات ” بالقنابل الموقوتة ” .
الأوضاع المؤلمة وظروف الحرب التي تعيشها اليمن، وحساسية موضوع التحقيق كونه كشف عن شخصيات نافذة سعت وتسعى لانتشار تلك المحطات وتقليص دور الأجهزة الحكومية لإزالتها لما تحققه من أرباح هائلة في ظل ارتفاع متزايد لهذه المادة الاستهلاكية اليومية، جعلني أمام تحديين الأول الحصول على المعلومة والأحاديث للقيادات الحكومية والثاني، النزول الميداني والاستمارات لعدد 180 محطة موزعة على كافة مديريات الأمانة صنعاء، وهو ما تغلبنا بعون الله عليهما ،فحصلنا على تصريحات ووثائق رسمية كثيرة، وعملت جدولة للنزول الميداني للمديريات ونُفذ بالشكل السليم والذي خططت له ، وهو ما انعكس على انجاز التحقيق الفترة المقرة ، كل ذلك في ظل إشراف مستمر ومتابعة مثمرة ومرهقة في ذات الوقت من قبل أريج .
من الأمور المضحكة التي حدث لي أثناء العمل أن مصدر من المصادر الحكومية ، وهو قيادي في جهة حكومية متعلقة بالموضوع كنت قد شرحت له موضوع التحقيق وكان متحمس ويتفق بخطورة هذه المحطات على حياة الناس ، وحين طلبت منه حديث صحفي حول الموضوع ، أعتذر عن التصريح كون الظروف والوضع حسب قوله لا يسمحان ، ولو حتى بدون ذكر أسمه ،ولم ينسى أن يحثني على ضرورة الاستمرار في التحقيق، لخطورة الظاهرة.. الظريف أن الأمر تكرر مرة أخرى بذات الأسلوب مع قيادي حكومي آخر .