في البداية كنت أقرأ في صحف الصباح، محاولا الخروج بفكرة جيدة يُمكن إجراء تحقيق حولها، بعيداً عن مواضيع سبق العمل عليها بأنماط مختلفة، قرأت خبراً عابراً عن وفاة فنّي في إحدى محطات الكهرباء، وأن ثمة تعتيم يجري على الأمر من قبل المسؤولين، سارعت بعمل بحث سريع عن أسباب الخطر في محطات الكهرباء، فوجدت أن هناك قصوراً كبيراً متعلقاً بإجراءات السلامة المهنية يؤدي إلى موت عمال وإلى خسائر مادية جسيمة.
بدأت العمل الفوري على الأرض، وبعد الموافقة والحماسة من شبكة أريج لأداء المهمة بالذهاب إلى موقع الحادثة الذي كان في مجمّع الكريمات لتوليد الكهرباء، وهو أحد أكبر مجمعات الكهرباء في الشرق الأوسط، حاولت مقابلة مصابي الحادث، فوجدت أن فقوبلت محاولاتي بالرفض ولم اتمكن من مقابلتهم، وقال لي أحد مصابي الحادث الذي مات فيه اثنين “مينفعش أتكلّم يا بيه عشان ولادي”.
المهم أنني سعيت لمقابلة رئيس المحطة ورئيس الشركة القابضة، لأنني في أثناء بحثي الميداني في عدد من المحطات: التبين، طلخا، ووجدت أن هناك قصورا في تطبيق أبسط مبادىء الأمن الصناعي (ارتداء العمال والمهندسين لخوذات وأحذية واقية).
حصلت على أوراق رسمية من النيابة والصحة تفيد بوقوع الحادث نتيجة أمن صناعي وقصور فيه، وحصلت على ورقة تمثل أمر شغل الحادث، والذي من الواجب أن يقوم ممثل الأمن الصناعي بالتوقيع عليه، لكن الحقيقة إنّه لم يوقّع، وعثرت على مستندات لأوامر شغل أخرى عقب الحادث، بدون توقيع أيضاً من الأمن الصناعي، لتكتمل الصورة لديّ خاصةً مع حصولي على تصريحات من مسؤول سلامة مهنية أكد أن هناك قصورا واضحا في تطبيق الإجراءات.
واجهت عددا من الصعوبات أثناء إجراء التحقيق وبعده، أصعبها كان مقابلة المسؤولين والحصول على تصاريح بالتصوير داخل المحطات، وحاولت الاتصال برئيس الشركة القابضة لأكثر من 4 شهور بعد حصولي على بعض الوثائق الجديدة لأحصل منه على ردود لكن دون جدوى.
الرد الرسمي عقب نشر التحقيق كان غائباً، علمت فقط من مصادري داخل المحطات والوزارة أن هناك حالة من الغليان لاسيما مع الصور التي نُشرت من داخل محطات مختلفة وتثبت وجود قصور في تنفيذ إجراءات الأمن الصناعي، لكن رد الفعل الأهم من الرد الرسمي، كان مكالمة من أحد مصابي الحادث الذي رفض الحديث معي قبل أكثر من عام بدعوى الخوف على نجله، قائلاً “عاوز أحكي عن الحادثة وإن المحطة قصرّت في حقنا وهددتنا لو اتكلّمنا للصحافة، ودلوقتي أنا عاوز أتكلّم؛ لأن ابني اللي خايف عليه مات في حادثة”.