“تونس الخضراء لم تعد خضراء” فقد عاشت بعد سنة 2011 ، وما زالت، حالة من الانفلات البيئي سببها الاحتجاجات وضعف الادارة وغياب رقابتها وقلة وعي المواطنين، فكانت النتيجة مدن وقرى في كامل تراب البلاد تعاني آثار التلوث الصناعي والبحري ومخلفات الحياة المدنيّة من تراكم أطنان الفضلات والنفايات بأنواعها ومخلّفات الأسواق وحظائر البناء وغيرها، وهو ما أثر سلبيا على رفاهية العيش وعلى المائدة المائية والتربة وحتى الهواء مما صار يهدّد بكارثة بيئية.
من هذا المنطلق خامرتني فكرة انجاز التحقيق الاستقصائي حول المرجين مع شبكة “اريج” في مصافحة أولى معها ، نضجت شيئا فشيئا اثر تدريب مع الشبكة حول “اساسيات الصحافة الاستقصائية لفئة المكتوب والملتيميديا”.
اختيار انجاز التحقيق حول التلوث جراء المصبات العشوائية للمرجين لم يكن اعتباطيا اذ انها مسالة لا يتم التطرق سوى عند موسم جني الزيتون اما على مدار العام فالمواطنون هم من يعانون تبعات هذا التلوث اما الدولة فهي غائبة تماما عن مهامها الرقابية
اما مرحلة الانجاز فكانت تجربة ثرية منذ وضع الفرضية وتجميع المعلومات والبيانات والوثائق والصور والتسجيلات حتى يوم نشر التحقيق الذي كان “يوم عرس” بالنسبة لي…ولست أبالغ فشعوري يومها لا يوصف نظرا للصدى التي تركه لدى قراء التحقيق –رغم صبغته العلمية- اذكر لكم واحدة فقط منها وهي ملاحظات مدير التحرير بوكالة تونس افريقيا للانباء الذي قال لي بعد التهنئة ” هذا العمل علمني وكشف لي معطيات لم اكن اعرفها من قبل ويجب ان يكون عملا وثائقيا مصورا يكشف ما يعانين المواطنون وتعاطي الدولة مع هذا الملف الحارق”
كما ان التجربة مع المشرفة على التحقيق بهيجة بلمبروك كانت ممتعة وثرية واستفدت كثيرا من توجيهاتها وملاحظاتها ولن انسى يوم رافقتني في جولة ميدانية الى احد المصبات العشوائية في منطقة نائية بالشمال الغربي للبلاد وسلكنا يومها لوحدنا طريقا جبلية وعرة واطلعنا عن كثب ما يجري على ارض الواقع يومها من اخلالات بحجم الكارثة البيئية، لم نرهب المخاطر المحتملة بل ضحكنا ملئ قلبينا من سرعة حضور “عمدة” الجهة وكأن عيونا خفية كانت تراقبنا منذ دخول السيارة مدخل الطريق الجبلية ونفس المغامرة عشتها في مصب اخر بجهة الوسط الساحلي للبلاد
اما الصعوبات الحقيقية فكانت مع الادارة التونسية التي “شيبتني” فكلما اقتربت من الحصول على معلومات إلا و أجد صعوبة في الحصول على موعد مع المسؤولين الذي كانوا يتهربون من الاجابة فعلى سبيل المثال وزارة البيئة تعلمني ان “ملف المرجين ليس من اختصاصها وليس لديها أي معلومة عن هذا الملف وانه من اختصاص الوكالة الوطنية لحماية المحيط” والعكس كذلك حصل معي عند الاتصال بالوكالة التي نفت تماما ان يكون من اختصاصها ولكن بعد الضغط والاصرار والتهديد باللجوء الى استعمال حق النفاذ الى المعلومة تمكنت وبعد شهرين تقريبا من الحصول على مبتغاي عملا بالقول “طرقت الباب حتى كل متني ولما كل متني كلمتني”.
في النهاية لن اعود الى كافة التفاصيل التي تجدونها في التحقيق ولكن اود ان اشير الى انه خلاصة عمل سبعة اشهر من الانجاز والاصلاح وكلل بالنجاح ولقي صدى طيبا لدى المتساكنين وسيتواصل رصد ردود افعال الدولة مع حلول موسم جني الزيتون بداية الشهر الجاري.
لقي هذا العمل أيضا تداولا إعلاميا واسعا على الصعيد الوطني والإقليمي ولقي انتشارا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر المواقع الالكترونية المختصة، وتفاعل معه أهالي المناطق التي تعرض لها التحقيق محاولين الضغط على السلطات المحلية من أجل إنفاذ القانون والالتزام بالمعايير المعتمدة.