بيسان الشيخ - لا أثر للدولة في «الضاحية» الأكثر اكتظاظا وبؤساًً في شمال لبنان إلا عبر الأجهزة الأمنية والعسكرية ...

2007/02/28
التاريخ : 28/02/2007

لم يكن العمل في منطقة باب التبانة سهلاً في البداية. فكسر الجليد مرحلة اساسية في أي عمل, تزداد صعوبتها مع كوني فتاة تخترق عالماً ذكورياً في منطقة شعبية ومحافظة. ففي اليوم الأول من العمل الذي استغرق نحو أسبوع لم أفعل شيئاً يتعلق مباشرة بالتحقيق الذي كنت أنوي إنجازه. مر النهار في التعارف إلى الناس وشرح أهداف زيارتي والتأكيد أنني لن “أشمت” بهم. فقد كانوا خائفين جداً من أن يتم تحويل حياتهم إلى مسألة تثير الشفقة ولا تنظر إلى عمق المشاكل. ساعدني في الدخول بينهم شاب من أبناء المنطقة, يكن له الجميع احتراماً كبيراً. حتى أن اصحاب الدكاكين كانوا يخرجون لتحيته حالما يرونه ماراً في الشارع. ولفتتني طريقة السلام إذ كانوا يقولون له “عربي… الله يرحم ابوك”. ووالد عربي كان احد زعماء المنطقة وقاتل إلى جانب أبنائها وقتل معهم.

وفجأة تحول كوني فتاة في الأيام التالية إلى نقطة قوة لأن الجميع أراد دعوتي إلى منزله ليعرفني بأمه وأخوته وزوجته تعبيراً عن الاحترام وصاروا يرافقونني في سوق الخضار من دون أي حذر.

وصرت أذهب صباح كل يوم إلى سوق الخضار, أمر بالناس الذين تعرفت بهم وأجلس معهم وقتاً طويلاً سواء في محل الحلاقة أو محل السندويشات أو دكاكين الخضار في السوق, أراقب من يدخل ومن يخرج وأتحدث معهم في شؤونهم اليومية وأحياناً أتركهم يتكلمون وأحاول الاختفاء قدر الإمكان ليشعروا بالراحة فيما أنا أراقب.

وبالمناسبة لم أحمل “عدة الشغل” طوال الوقت. المقابلات المباشرة سجلتها كلها على أشرطة, لكن فترات النقاشات الطويلة والزيارات لم اسجلها كي لا يشعر الناس بأنني أتربص بهم طوال الوقت أو أنه يجب عليهم أن يفتعلوا بعض الأمور. سجلت ملاحظات سريعة أحياناً ثم مساء لدى مغادرتي كنت أعيد كتابة كل تفاصيل اليوم كأنها يوميات.

وكانت تفوتني أحياناً مصطلحات كـ “أبناء الدعوة” مثلاً فأعود فيها إلى الزميل حازم الأمين، مشرف شبكة أريج، الذي تابع عملي ليشرح معناها. تداولنا في معناها الحديث المبني على مفهوم قديم ورأينا أن استعمالها في التحقيق سيكون مفيداً. ساعدني المشرف أيضاً في التنبه الى اسماء أئمة المساجد خلال العمل لافهم الى أي فرقة ينتمي المصلون وأي التيارات تتجاذبهم.

ولدى عودتي الى بيروت التقيت مراراً بباتريك هيني من “مجموعة الأزمات الدولية” وهو عمل على قضايا الإسلاميين في مصر, لأتشبع أكثر من الموضوع من الناحية الاجتماعية وأقارن المعلومات التي جمعتها بالتي كانت لديه وطريقة تناول المسألة.

التقيت أيضا بأخصائي علم النفس الاجتماعي من الجامعة الأميركية في بيروت شارل حرب, لاستوضح منه عن قضية التشطيب الجماعي. واستغرقتني الكتابة نحو أربعة أيام خرجت بعدها بالتحقيق الذي بين أيديكم.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *