عزيزى القارىء، قبل قراءة التحقيق، عليك أن تعرف أنه جاء محصلة قراءة ما يقرب من 1000 وثيقة ومستند سواء عقود شركات أو مستندات القضية أو حسابات بنكية بالانجليزية والعربية، وكذلك الاطلاع على آلاف من المقالات والموضوعات والأخبار حول أهم قضية فساد شغلت مصر منذ ثورة 25 يناير وهى قضية “التلاعب بالبورصة – وخصخصة شركات القطاع العام” لمجموعة من رجال الاعمال وكبار المسؤولين فى مصر أبرزهم نجلى الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
البداية كانت من تدريب شاركت به حول تتبع المال الفاسد حول العالم يطلقون عليه بالخارج “follow money”، كنت مشدوهاً بشدة لفكرة أن يقوم مسؤولاً فاسداً بإدخال الرشاوى والأمور المالية الغير سليمة إلى بلاده مره أخرى بعد أن تأخد دورتها فى الخارج عبر شركات أوف شور بجزر الكايمن والعزراء وقبرص، ويستطيع بكل أريحية أن يدخلها لبلاده بشكل رسمي ولا أحد يستطيع المساس به عن طريق دورة معقدة جداً لا يقم بها الا اللصوص والمتهربين من الضرائب، وهو ما قام به مسؤولى نظام مبارك والتى استطاعنا اكتشافها بعدما اتيحت الحسابات السرية الخاصة بهم ببنوك سويسرا، بعد انتهائي وضعت امامى هدفاً صريحاً بأن أكشف قضية تخص قضية فساد كبرى فى مصر، وأن أقدم خدمة لوطنى “مصر” بكشف مالم تسطيع مؤسساته من قضية فساد كبرى كى أرضى ضميرى وعندما يتوفانى الله يعلم ابنى اننى لم اكن صحفياً للشهرة فقط أو لجمع المال ولكن لخدمة بلدى وكشف الفاسدين وفضحهم للرآى العام.
عندما أتيحت لى تسريبات وثائق “بنك HSBC سويسرا الخاص” والمعروفة إعلامياً “سويس ليكس” والتي بلغت ما يزيد عن 60 ألف وثيقة تحتوي على بيانات أكثر من 100 ألف عميل من 211 دولة لدى فرع البنك في سويسرا، حيث جاءت مصر في الترتيب رقم 20 بقائمة تضم أكثر من 1400 حساب لعدد 700 عميل، بإجمالي أرصدة وصلت إلى 3.5 مليار دولار، احتوت القائمة المصرية على بيانات أشخاص من بينهم وزراء سابقون ورجال أعمال وشخصيات عامة على رأسهم رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وخديجة الجمال زوجة جمال مبارك، وغيرهم، إلا أن اسماً كان لافتاً للانتباه لارتباطه بالقضية المعروفة إعلاميا بـ “التلاعب بالبورصة” خاصة أنه لم يكن من المشاهير ولا يميل للظهور الإعلامي، غير أنه كان عضواً بلجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، هو “هشام سليمان الملواني” – وساعدني فى ذلك الزميل الأستاذ هشام علام أحد أشهر المتخصصين فى تحقيقات تتبع المال فى العالم.
وبالرغم من الصعوبة فى الوصول لشركات الملواني فى انجلترا وفرنسا ولبنان ودول عربية وأجنبية أخري، إلا أن الأمر الأكثر صعوبة كان هو الحصول على ملف قضية “التلاعب بالبورصة” وخاصة نص التحقيقات مع ياسر الملواني، كان الأمر شبه مستحيلاً إلا أنه وبالتوفيق من الله ومساعدة الزميل أحمد الشامي الذى شاركنى اعداد التحقيق توصلنا لها، قضينا أسابيع وشهور فى قراءة التحقيقات والتقارير الاقتصادية والوثائق، لكن النقطة المركزية فى التحقيق هو وجود حسابات للملواني وزوجته فى بنك HSBC سويسرا لم يتم الاشارة لها خلال التحقيقات وخاصة أنها جاءت بعد عام واحد فقط من عملية بيع البنك الوطنى الذى كان ملكاً للدولة وتورط الملوانى ونجلى مبارك وحسن هيكل وآخرون فى خصخصته وبيعه والتربح فيه ، وفقاً للنيابة العامة المصرية.