الرضوى بدلاً من القانون

2017/01/23
التاريخ : 23/01/2017

يحالفني الحظ للمرة الثانية وأنجز تحقيقا مع “أريج”.. التجربة ذاتها تتكرر مع ‏اختلاف كبير في الطرق والسبل ورحلة البحث والوصول للمعلومة والاستعانة ‏بالمصادر.‏

هذه المرة أدركت جيدا أهمية أن تصبح “أريجي” وتتلقى ورشا وتدريبات عن معايير ‏السرد القصصي وكيفية إجراء تحقيق استقصائي مكتوب، أو مصور، فاختلف أدائي ‏كثيرا عن المرة السابقة، تعلمت الكثير سواء في طريقة البحث والاستقصاء أو في ‏الصياغة، وطرقت أبوابا جديدة وتورطت أكثر كصحفية تسعى للمهنية في الصحافة ‏الاستقصائية. ‏

‏”ميراث المرأة.. الحق الضائع بين القوانين والعادات في صعيد مصر” هو عنوان ‏التحقيق الثاني الذي أنجزته بصعوبة نوعا ما، لأن العادات والتقاليد في جنوب ‏مصر وريفه خالفت الشرائع الإسلامية السماوية (المسيحية والإسلامية) وأحكامهم في ‏قضية ميراث المرأة، بتواطؤ واضح من قبل قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، ‏الذي يخلو من أي عقوبة في حالة الاستيلاء على الميراث وكانت النساء هن ‏الضحية الأولى في هذه الوضعية ومنهن من دفعن حياتهن ثمنا لذلك ومن خسرت ‏أسرتها أو أشقائها، أو من عاشت في ضيق مالي.‏

السيدة الصعيدية التي فقدت حياتها بطبيعة الحال هي الأكثر خسارة بين الحالات ‏التي اعتمدت عليها، إلا أن (ك،ص) من محافظة الجيزة وهي مسيحية كانت الأكثر ‏بؤسا لأنها سلكت كل الدروب حتى تحصل على حقها ولم تتمكن من ذلك، فكانت ‏تروي مأساتها وهي تبكي بحرقة على ضيق حالها رغم أنها تملك كثيرا عجزت عن ‏الحصول عليه.‏

وعلى غير المعتاد أن المجتمع الصعيدي الذي يتمسك بالعادات والتقاليد وترفض ‏نساؤه التخلي عنها، نجد النساء هذه المرة لديهن الرغبة في التخلي عن العادات ‏والحصول على حقوقهن، ويروين قصصهن أملا في إيجاد حلول لهذه القضية.‏

كل مرة أقرر فيها إجراء تحقيق عن قضية ما يحاصرني شعور بالذنب تجاه ‏الحالات التي اعتمد عليها خصوصا عندما أرى بوضوح نظرات الأمل في عيونهم ‏وهي تطاردني، وأنا لا أملك غير جهاز لاب توب ووسيلة نشر، إلا أن هذه المرة ‏سرعان ما زال هذا الشعور، بعد قرار مجلس الوزراء المصري بالموافقة على قانون ‏تجريم الحرمان من الميراث بعد أيام من نشر تحقيقي “الرضوى بدلاً من القانون”.‏

أعرف أنها خطوة وأن تطبيق القانون وحصول النساء على حقوقهن مازال يحتاج ‏وقتا، إلا أنني على قناعة أن أقلامنا تغير الواقع المرير أحيانا.‏