إسلام الزيني- حياة مؤجلة

2015/06/29
التاريخ : 29/06/2015

الأمر قد يبدوا مرهقا للغاية، عندما تقدم طلبا للحصول على احصائية رسمية وتنتظر أكثر من 3 اشهر لتسمع الرد، بالإضافة إلى جولات يومية لوزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى وسط ارتفاع درجات الحرارة والتنقل بين المكاتب للحصول على تعليق مفيد، لكن صوتا بريئا يصدر من سيدة مستضعفة تناديك بلهفة وخوف ( القاضي قد يجعلني اعود لزوج مختل عقليا سيقتلني.. لا تترك قضيتي ) يجعلك تتمسك بالقضية حتى الرمق الأخير.

رغم استغراق التحقيق عدة أشهر وتأخره عن موعده المفترض بسبب البروقراطية والاجراءات الرويتينة وخوف اغلب الجهات من كشف احصائيات او الإدلاء بتصريحات قد تزحزح من مكانتها مجتمعيا او تعرضها للمحاسبة داخليا، حاولت ان اسلط الضوء على القضية من كافة الجوانب.

القضية تم تداولها من قبل في الصحف ولكن بحسب سياستها التحريرية واعتقد ان هذه المرة الأولى التي تكشف المعضلة الحقيقية، كونه تحقيق جمع بين الموضوعية والحيادية، تضاربت الأحصائيات الرسمية مع المسربة حول عدد الضحايا ولكن الحقيقة الثابتة التي سمعتها من كل انسان قابلته ( حكومة ومعارضة ومحامين ومسؤولين ونواب ونشطاء  ) ان هناك معاناة للمرأة الشيعية في المحاكم وان اختلفت أسباب كل طرف لهذه المعاناة، هنا حاولت الموازنة بين كافة التفسيرات التي سمعتها وطرحتها للرأي العام بشفافية، لم أحاول ان اتبنى رأيا واحدا وابنى التحقيق وفقا له، فيما يخص “أهمية الشق الجعفري” وفرت البنود التي تؤكد أن اقراره سيكون رحمة لنساء انتهكت حقوقهن بقرارات يصدرها قضاة دون مرجعية واضحة يستندون إليها، وفي الجهة المقابلة.

كشفت عن طريق توفير المعلومات الدقيقة، ساعات عمل القضاة المعلنة والفعلية والتي تكشف عن ازمة في تناسب اعداد المتقاضين مع القضاة، فمن المثير للإستغراب ان هناك 9 قضاة ينظرون أكثر من 20 قضية يوميا، هنا استطعت ان اخرج بقيمة صحفية مهمة بأن الصحافي ليس مطالب أن يعمل وفقا لرؤية يتباناها مسبقا ويدافع عنها حتى النهاية، ولكن يجب ان يبحث في كافة الاتجاهات لعل الرأيان صحيحان كما حدث في هذا التحقيق ، حيث توصلت ان حجة الحكومة لمعاناة النساء “غياب الشق الجعفري” صحيحة وكذلك حجة الطرف الأخر “قلة القضاة” .

و الضحية هنا هي المرأة التي تعاني من الطرفين ويجب عليها ان تصمد  جولات التحقيق لم تكن آمنة تماما، الضحايا رفضن الكشف عن صورهن أمام الاعلام خوفا من تصرفات السكان في مناطق موالية لرجال الدين المعارضين، سيدة طلبت مني تصوير اللقاء في احدى المطاعم حيث تعمل هناك لجلب احتياجات أطفالها الأربع بعدما انسحب زوجها مدمن المخدرات من حياتهم، وتحدثت السيدة باللغة الانكليزية حتى لا يفهمها العاملون معها، ووالد احدى الضحايا توسل لنا اكثر من مرة بأن نكون حريصين على عدم ذكر اي شيء قد يظهر اسم الحالة لأن السكان قد يقوموا بطرده في اليوم التالي ورجل دين شيعي التقيته في منزله واعتقل في نفس المكان بعد ايام قليلة من اللقاء.

في النهاية انا اشعر بالفخر بأنني على أقل تقدير استطعت ان انقل صوت المرأة المهمشة. اعلم من خلال عملي في مجال حقوق الانسان بأن المرأة تعاني كثيرا في المنطقة العربية ولكن للمرة الأولى اشعر بأن المرأة تحولت الى لعبة، رجل يتزوج فتاة حتى يحصل على مبلغ مالي من رجل اعمال يدعم الزيجات الجماعية ويهجر زوجته 5 سنوات متواصلة ولا تستطيع الطلاق، ودعوى تطالب بالطلاق لأن الزوجة لم ترى زوجها منذ 4 سنوات وبعد تداول القضية عدة سنوات في المحكمة يعود الزوج في آخر جلسة لتنتهي القضية وكأن لا شيء قد حدث، هنا المرأة لم تعد مجرد ضحية ولكنها تحولت الى لعبة رخيصة الثمن !!

وسط اصوات الصراخ ومشاهد بكاء النساء التي لا تغادر مخيلتي وعلامات الانكسار على وجوه رجال بلغوا من العمر ارذله وجدوا أنفسهم عاجزين عن مساعدة فلذات اكبادهن ومشاعر الخوف والتوسلات، كانت جولات مرهقة نفسيا أكثر منها بدنيا لكن صوت الضحايا خرج بصورة واضحة لعل هناك من يتحرك لأجلهن !!!