أحمد شوقي العطار - غبار السيليكا يستوطن رئات عمال "السيراميك‎"‎

التاريخ : 29/10/2014

وردت فكرة تحقيق (غبار السيليكا) و أنا أعمل على تنفيذ تحقيق آخر حول صناعة السيراميك، التقيت وقتها بعاملين في الصناعة ‏كمصادر للمعلومات، و أثناء حديثي مع أحدهم قال لي أن هناك ما يطلقون عليه عمال المصانع “الترابة” وهو الغبار. وأن هذه الترابة ‏قوية و مؤثرة للغاية وتنتشر بشكل مستمر داخل المصنع نتيجة الطحن والتقطيع والكبس المستمر للمواد الخام المستخدمة في صناعة ‏السيراميك، و أن معظم العاملين في الأماكن التي تنتشر فيها الترابة مصابين بامراض تبدأ من الربو وتصل إلى السرطان وأن ‏الكيميائيين المعينين بالمصنع أكدوا لهم أن الترابة هي السبب.‏
و من هنا بدأت رحلة بحثي عن الترابة أو الغبار الذي يسبب ذلك و قمت بعمل الفرضية كالأتي “غبار مجهول ناتج عن صناعة ‏السيراميك يصيب عمال المصنع بالربو وسرطان الرئة في ظل غياب الرقابة المتثلمة في وزارة القوي العاملة ووزارة الدولة لشؤون ‏البيئة وهيئة التأمين الصحي “.‏
أما فيما يخص المنهجية المتبعة في إنجاز التحقيق في البداية بدأت في البحث على شبكة الإنترنت حول الأضرار التي تواجه عمال ‏مصانع السيراميك أثناء العمل، لفت نظري بعد فترة من البحث أمرآن، أن هناك أضراراً كثيرة للصناعة وأن معظم الأمراض التي ‏تواجه العمال في هذه الصناعة سببها أتربة ما يؤدي لأمراض صدرية و تنفسية سببها التعامل المباشر مع مواد كيميائية ما يؤدي ‏للإصابة بالسرطان، بعد دراسة متعمقة حول الصناعة نفسها بدأت في التحرك للإجابة على الأسئلة المنبثقة من محاور الفرضية ‏الثلاث، زرت مصانع سيراميك بالسويس و قضيت أيام مع العمال أستمع لكل ما يواجههم من مشاكل، كشفوا لي أن الأمراض الرئوية ‏والصدر هي الأشهر بين العمال، وقابلوني بكيميائي داخل المصنع أرشدني إلى طرف الخيط، و هو المسمى العلمي للترابة التي ‏يشكوا منها العمال، غبار السيليكا، وبعد عملية بحث أخرى على الإنترنت توصلت لمجموعة معلومات حول السيليكا، و من خلال ‏أحد الطرق التي تعلمتها مع شبكة أريج في ورش عمل “الكار”، الخاصة بكيفية الإستفادة من محرك البحث “جوجل”، عثرت على ‏دراسة قديمة توضح خطورة غبار السليكا على العمال في صناعات مختلفة منها السيراميك للدكتور رجائي الطحلاوي، بعد فترة من ‏البحث التقيت د. رجائي وزودني بمعلومات كثيرة حول الأمر ساعدتني في فهم الموضوع بشكل أعمق، وهو أول من أكد لي أن غبار ‏السيليكا يصيب من يتعرض له لفترات طويلة بمرض خاص جداً أسمه “السيليكوسيز”، وأكد أنه وقت عمل الدراسة كانت مصانع ‏السيراميك تتجاوز الحد المسموح به من الغبار المحمّل بالسيليكا ولا تعطي العمال كمامات تحميهم منه، و أمدني بوثائق عن أحدى ‏المنظمات الأمريكية العمالية للحد من وجود السيليكا في الهواء.‏
ذهبت بعدها لطبيب أمراض صدرية ليحدثني عن هذا المرض، وأعراضه، و الأمراض التي يمكن أن تصيب كل من يتعرض ‏للسيليكا.‏
بعد ذلك عدت إلى العمال وأخترت عاملان يشعران بأعراض مشابهة لما ذكره طبيب الأمراض الصدرية والرئة وأجريت لهم ‏فحوصات وصور أشعة للرئة و تأكدت من إصابة احدهما بالسيليكوسيز و الأخر بالربو، بعدها لم يتبقى أمامي سوى إثبات وجود هذا ‏الغبار في فضاء مصانع السيراميك بنسب أعلى من المسموح بها، و بالفعل توصلت بعد عناء لتقارير تثبت ذلك من مركز بحثي ‏حكومي وصلت إليه بعد لقاءات عديدة أصابتني بالإحباط.‏
و بعد أن أتممت كتابة التحقيق وسلمت النسخة الأولى، طلبت مني الزميلة رنا الصباغ إجراء استبيان لعمال السيراميك لمعرفة عدة ‏أمور أهمها هل توفر لهم المصانع كمامات أم لا، و هل يتم الكشف عليهم بشكل دوري أم لا، بالإضافة إلى أشياء أخرى.‏
طبعت الاستبيان و حاولت تمريره لمصانع السويس وفشلت، فالعمال الذين تعرفت عليهم وساعدوني أثناء الأعتصام تم فصلهم بسبب ‏المظاهرات، بدأت البحث مجددا عن عمال من خلال الجروبات الخاصة على الفيس بوك، أرسلت رسائل عشوائية لعدد كبير منهم، ‏استطعت التشبيك مع إثنان منهم في مصنعان مختلفان، و توجهت إليهم وأعطيتهم الاستبيان، و بعد عدة أيام عدت إليهم مجددا ‏واستلمت ورق الاستبيان بعد أن تم ملؤه، ومن خلال الاستبيان توصلت لجوانب عدة لم ألحظها من قبل، وتأكدت من أشياء عدة.‏
و في النهاية توجهت إلى الجهات الرقابية وواجهتهم بما توصلت إليه و كانت الردود كما ذكرت في التحقيق.‏
اصطدمت في البداية بمصطلحات علمية معقدة للغاية ونسب وأرقام و معادلات حسابية صعبة الفهم وكان ذلك أبرز الصعوبات التي ‏واجهتني، لذلك طالت فترة الدراسة حول الفرضية، و امتدت لأكثر من شهر كي أفهم جيدا ما هو السيليكا كعنصر كيميائي موجود في ‏الطبيعة؟ و ما هو غبار السيليكا؟ و ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها حساب الحدود المسموح بها من السيليكا؟ في الهواء ‏وتفاصيل أخرى كثيرة.‏
واجهت أيضا صعوبة في دخول مصنع السيراميك، فدخول مبنى مخابراتي أسهل بكثير من دخول مصنع سيراميك لكثرة كاميرات ‏المراقبة في المكان والانتشار الأمني الكثيف حول و داخل المكان، فاضطررت للانتظار فترة حتى نظّم عمال أحد المصانع الكبرى ‏بالسويس إعتصام كامل لمدة طويلة توقف فيها العمل تماما، وسافرت إلى هناك وأقمت ثلاثة أيام كاملة أتداخل مع العمال حتى ‏استطعت الدخول الى المصنع ولقاء كيميائي المصنع الذي أعطانا معلومات مهمة جدا، ثم واجهت صعوبة أخرى كادت أن توقف ‏العمل بالتحقيق، فلم استطع إثبات أن غبار السليكا ينتشر داخل المصانع بنسب أعلى من الحد المسموح به، فذلك يتم معرفته من خلال ‏القياس بجهاز يسمى ماسك الأتربة وهذا الجهاز لدى مؤسسات حكومية فقط وهي المؤسسات التي تقوم أيضا بدور الرقابة على ‏المصانع، ولن استطيع الحصول على أي تقرير يؤكد الفرضية عن طريق هذه المؤسسات لأن تقرير كهذا بمثابة إدانة للجهة الرقابية ‏أيضا، وحاولت أكثر مرة لكن المسؤولين رفضوا إعطائي أي معلومة
و لعبت الصدفة البحتة دورها، أثناء خروجي من وزارة القوي العاملة وجدت مبني بحثي كبير تابع للوزارة ومتخصص في السلامة ‏المهنية، قررت الدخول رغم الإحباط و يقيني أنه لن يحدث شيء جديد، و إني سأواجه رفضا جديدا من المسؤولين عن المركز، ما ‏وجدته كان العكس تماما والتقيت من ساعدني في الحصول على تقرير حديث يخص أحد المصانع الكبيرة في مصر ويؤكد الفرضية، ‏وإكتشفت أن المركز البحثي أجرى دراسة شاملة من ضمنها تضرر العمال بالأتربة عام 1999، و حصلت على نسخة من الدراسة و ‏كانت بمثابة إثبات مهم استعنت به في التحقيق.‏


إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.