في الحقيقة بادرت الصحفية رحمة الباهي باقتراح الفرضية على أسرة التحرير في شبكة أريج الذين وافقوا على إنجاز العمل.
من جهتي رأيت أن الفرضية ممكنة الإنجاز، وهي معقولة بالنظر إلى تزايد المعطيات والأحاديث التي تؤكد وجود عمليات غش في مادة الحليب على نطاق واسع.
كنت أبديت اقتراحي في مؤتمر أريج الأخير وخلال إحدى الورشات بأن يسهم المشرف في بداية إنجاز التحقيق في المشاركة و صياغة الفرضية، وهو أمر بتقديري مهم في إنجاح التحقيق بحد ذاته.
بحكم العلاقة المهنية بيني وبين الصحفية رحمة الباهي، بوصفي رئيس تحريرها في موقع حقائق أون لاين، كانت طريقة التعاون والتأطير سهلة ومتاحة مكانيا وزمنيا.
مباشرة بعد الاتفاق على مخطط العمل اتفقنا على حيز زمني لإنجاز كل طور من أطوار التحقيق. وأصبح السؤال عن التحقيق ومآلاته أمرا دوريا في حديثي مع الصحفية طوال الفترة التي كانت تقوم فيها بالبحث والتقصي.
في مرحلة مهمة من التحقيق، والمتعلقة أساسا باثبات الفرضية عن طريق التحليلات وأخذ العينات واختيار مراكز تجميع الحليب طرح السؤال بجدية حول كيفية انتقاء هذه المراكز والمواصفات التي يمكننا اعتمادها في عملية الاختيار.
توصلنا الى حل منطقي وأقرب إلى العلمية وهو اختيار المناطق الفلاحية المعروفة أكثر من غيرها بإنتاج الحليب وبالتالي انتقاء مجموعة من المراكز بطريقة تستجيب لمقياس الأهمية من حيث كميات الإنتاج والإنتشار الجغرافي الذي يشمل أكبر مساحات ممكنة.
قمنا بانتقاء علمي لانتشار مراكز تجميع الحليب والاقتصار على أهمها في عملية التقصي وهو الأمر الذي مكننا من تجنب هامش الخطأ في الاختيار وبالتالي مزيدا من الوثوقية في نجاح العمل.
العائق الثاني الذي واجهناه هو كيفية الولوج إلى مراكز تجميع الحليب خاصة أمام ريبة المشرفين عليها تجاه أي رقابة خارجية فما بالك عندما يتعلق بعمل استقصائي.
كان الاختيار الأنجع هو اعتماد طريقة تورية المهمة الصحفية وبالتالي “التسرب” فكرنا في مسألة الكاميرا المخفية ولكننا اتجهنا أكثر إلى اعتماد صفة أخرى للدخول إلى هذه المراكز وهي الولوج اليها من باب طلب التربصات والشغل.
الاشكال الثاني تعلق بالحصول على أرقام من الإدارة العمومية حول مادة الاكتيسروم التي يرجح أنها المادة التي تضاف إلى الحليب من أجل الزيادة في كمياته.
توجهنا باسم موقع حقائق أون لاين بطلب رسمي إلى إدارة الديوانة التونسية من أجل الحصول على الأرقام التي نحتاجها دون جدوى حيث ردت علينا الإدارة برفض الطلب.
أمام صمت الادارة ورفضها تقديم أرقام حول مادة الاكتيسروم رغم المكتوب الرسمي من قبلنا، اعتمدنا طريقة تحليل مادة الحليب المجمعة في مراكز عديدة في المختبرات التي أثبتت محدودية الفرضية وعدم اثبات مسألة زيادة مواد أخرى غير طبيعية للحليب وهي النتيجة الي رجّحت تحول التحقيق الاستقصائي إلى تقرير إخباري.
من خلال كل مراحل البحث التمست من الصحفية رحمة الباهي رغبة كبيرة في العمل وإنجاح التحقيق.
كان التزامها بالفترة الزمنية في كل مرحلة دلالة على رغبتها في إنجاحه. فضلا عن الجانب البحثي المعتبر تميزت الصحفية بقدرة كبيرة على الصياغة السلسة والواضحة للتقرير وهو ما أثبت قدرة لغوية معتبرة لديها بالشكل الذي سهل عملي معها.