إن اختيار موضوع “مكتومي القيد” جاء من خلال رصد عدد كبير من حالات أناس لا يملكون أي ورقة رسمية تثبت وجودهم.
وانطلاقاً من أن هذا الأمر يجعل من مكتومي القيد هدفاً للفقر والعوز والحياة الاجتماعية الصعبة وأرضاً خصبة للانحرافات والاستغلال، ألقينا الضوء على أحوالهم، والمشكلات التي تواجههم في مختلف المجالات.
أولاً: اتصلتُ بعدد من المؤسسات الاجتماعية العاملة في لبنان، كالحركة الاجتماعية، ومؤسسة أرض البشر، ومؤسسة الأب عفيف عسيران… وبعد الحصول على دراسات نفذتها هذه المؤسسات، ومنها ورش عمل أو طاولات مستديرة تتناول مسألة مكتومي القيد. ومن ثم اتصلتُ بأكبر عدد ممكن من الناشطين في هذا المجال للحصول على أشمل صورة ممكنة.
والملفت أن معظم هؤلاء أقرّوا بالتقصير في الحصول على أوراق ثبوتية لأنفسهم أو لأولادهم، وبأن غيابها دفعهم إلى اليأس والتخلي عن الأمر، لارتباطه مباشرة بقرارات سياسية ومؤسسات رسمية تعيق أي اقتراح أو حل مطروح.
ثانياً: عمدت إلى جمع المواد التي ينص عليها قانون الأحوال الشخصية، المتعلقة بتسجيل الأولاد في الدوائر الرسمية ومنح الجنسية، لتقديم صورة قانونية عن أحوال هؤلاء.
ثالثاً: جمع عدد من الحالات كان الخطوة الأسهل، إذ تعرفتُ على العشرات من مكتومي القيد، واستمعتُ إلى قصصهم المؤثرة.
رابعاً: اخترت منطقة النبعة كنموذج عن الأمكنة التي يعيش فيها مكتومو القيد وذلك لاختلاطها السكاني والطائفي.
خامساً: بعد تحديد مجموعة من التساؤلات التي تعكس الحالات تجمّعت لدي، والمشكلات التي أشار إليها الناشطون، لجأتُ إلى الدوائر الرسمية لبناء قصة متوازنة من كل جوانبها الاجتماعية والقانونية والسياسية.
سادساً: أجريت مقابلة مع مختار محلة النبعة – برج حمود، واتصلتُ بما يقارب ثلاثة عشر محامياً، للتحقق من أي وجهة نظر مغايرة.
سابعاً: في ظلّ الكلام على استحالة الحصول على أرقام خاصة بمكتومي القيد، لجأت بداية إلى الاطلاع على سجلات المسجونين في سجن الأحداث لاستخلاص نسبة مقدّرة عن عددهم، إلاّ أني استغنيت عن العينة العشوائية التي اخترتها بنفسي وحلّلتها، لصالح إحصاءات رسمية صادرة عن مصلحة الأحداث، بعد أن استعطت الحصول عليها بعد ما يقارب الشهرين، على تقديم طلب رسمي.
ثامناً: عرضتُ المعضلة على مقرر لجنة حقوق الانسان في البرلمان اللبناني لإبداء الرأي، بعد عرضها على محام مختص.
مسار التحقيق كان طويلاً نسبياً، لارتباطه بدوائر رسمية كثيرة. وتقدّمتُ بطلبات رسمية إلى وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى ومصلحة الأحداث ووزير الداخلية ودائرة الأحوال الشخصية والأمن العام (الذي لم يعط أي جواب حتى الساعة)، فضلاً عن الاتصال بكل من وزارة التربية ووزارة العمل.
عملت على التأكد من أي تصريح حصلت عليه عبر التدقيق والمقارنة مع الحالات والقوانين.
العمل على إجراء هذا التحقيق الاستقصائي، لا يختلف كثيراً عن نوعية العمل على أي تحقيق. إلاّ أن المدّة والدعم المتوفر له، يلعبان دوراً رئيسياً في البحث والتقصي لإثبات فرضية ما أو نفيها.
وتبقى المنفعة في التمرس في هذا النوع من التحقيقات كبيرة، من خلال الخبرة التي يمكن اكتسابها، إذ أن الصحافي يشعر بأنه لن ييأس وأي باب يُقفل في وجهه سيحاول فتح آخر بدلاً منه.
ويعطي هذا النوع من التحقيقات الدفع من أجل التمسك أكثر بالقيم المهنية والموضوعية (حيث يمكن ذلك)، لتقديم الموضوع بشكل أفضل.