محمود الزواوي - نسبة الحاملين لمرض التلاسيميا في الأردن 3- 4%

2009/03/8
التاريخ : 08/03/2009

يقدّم التحقيق الاستقصائي الذي أعدّته الزميلة زينة حمدان عن حاملي مرض التلاسيميا في الأردن والملابسات المتعلقة بزواج حاملي الجين المورّث للمرض والمصابين به، والمنتشر إلى حد ما بين الأقارب، يقدّم مثالا على العمل الصحفي المتكامل الذي يجمع بين العناصر المختلفة للبحث، والنفاذ إلى أعماق المشكلة وعواقبها المحتملة، والأصداء الإعلامية للتحقيق، ثم الانعكاسات الرسمية التي أسفرت عن هذا التحقيق والتي تمثلت في الوعود الرسمية من المسؤولين في وزارة الصحة على ضوء نتائج التحقيق لحل المشكلة.

دخلت زينة إلى صلب الموضوع مباشرة بعد أن كانت قد أكملت عملها الميداني الشامل بجميع جوانبه، من التحدث إلى عدد من حاملي وحاملات مرض التلاسيميا، والمشكلات التي تعرضوا لها بعد الزواج، سواء في علاقاتهم الزوجية أو في إنجاب أطفال حاملين للمرض، إلى التحدث مع عدد من الخبراء المختصين في الميدان الصحي والطبي. وكشفت زينة في سياق ذلك عن نقاط الضعف في إجراءات الفحص الطبي الإلزامي وسهولة التحايل عليها أو تجنبها في بعض الأحيان، كما وثقت معلوماتها بالإحصائيات المتعلقة بانتشار مرض التلاسيميا في الأردن وبتكاليف العلاج التي تتكبدها الدولة، والتي يمكن تلافي معظمها عن طريق تشديد الإجراءات المتعلقة بالفحص الإلزامي. كل ذلك أكسب هذا التحقيق الاستقصائي مزيدا من المصداقية والجدية الضرورتين لمثل هذه الأعمال الصحفية.

لعل أكثر ما أثار اهتمامي في التعامل مع زينة خلال عملية الإشراف على تحقيقها الصحفي مدى حماسها و”انغماسها” في موضوع البحث بجوانبه كافة. لقد خاضت زينة غمار تفاصيل موضوع بحثها، ولم تأل جهدا في متابعة جميع جوانبه، بما تطلبه ذلك من جهد وتنقلات بين المحافظات وإجراء مقابلات مع الأطراف المعنية المختلفة. يحسب لزينة أن هذا المجهود العظيم ليس صادرا عن إعلامية مخضرمة، بل عن شابة في مقتبل العمر نجحت في تقديم عمل إعلامي متميز يفتخر به أي إعلامي متمرس. وحققت زينة ذلك بفضل اهتمامها وإيمانها بموضوع تحقيقها، وبفضل مثابرتها وعملها الجاد المتواصل.

لقد كانت نتيجة هذا التحقيق الاستقصائي المتميز فورية، من حيث نشره من قبل وكالة الأنباء الأردنية وصحيفة الغد والأصداء الإعلامية التي شملت عددا من المقابلات الإذاعية مع معدّة التحقيق زينة حمدان. ورغم أهمية ذلك، فإن الشيء الأهم هو الاهتمام الذي أولته الجهات الرسمية متمثلة في وزارة الصحة التي يعكف أطباؤها حاليا على تعديل التعليمات المتعلقة بالفحص الطبي الإلزامي قبل الزواج، لضبط الإجراءات المتعلقة بتطبيقها، والاهتمام الذي أبداه وزير الصحة شخصيا بالموضوع.

جمع عملي كمشرف على هذا التحقيق الاستقصائي بين التواصل مع معدّته زينة حمدان ومتابعة بحثها وتشجيعها ومراجعة النص وتنقيحه في مراحل متعددة بالتعاون مع الزميلة رنا صباغ مديرة شبكة أريج. ولا بد أن أشير هنا إلى الفائدة الشخصية الكبيرة التي عادت عليّ عن طريق الاطلاع على طبيعة مرض التلاسيميا التي كنت أجهلها، وإلى التواصل الإنساني مع إعلامية شابة متفانية أتنبأ لها بمستقبل إعلامي باهر هي زينة حمدان.

من الدروس المستفادة أن مثل هذا التحقيق الاستقصائي يحتاج إلى إلمام تام بالموضوع، وإلى مجهود كبير يشتمل على قدر كبير من الصبر والوقت والتأني وعدم التسرع في التوصل إلى الاستنتاجات، كما يحتاج إلى جهة متفانية كشبكة أريج تحتضن الإعلاميين الجادين المستعدين لخوض هذه التجارب العظيمة البناءة التي تجمع بين التحديات والنتائج المثمرة التي تجعلها جديرة بكل هذه الجهود.