لم تأت فكرة التحقيق الذي أنجزته هالة ناصر الدين ورنا بو سعدى بعنوان “عدم تطبيق القانون يحرم ذوي الحاجات الخاصة من حقوقهم”, من فراغ. فقد سبق للزملتين ورفيقتي الدراسة ان أمسكا اول الخيط في الجامعة حين عملت كل منهما على شق من الموضوع خلال صف “الصحافة الاستقصائية”, وقد لاحظتا تجاوباً كبيراً معه, سيما وان الجامعة نفسها كانت تفتقر لبعض شروط السلامة التي يفرضها القانون. انطلقت الفكرة من ملاحظات أولية للبيئة المحيطة بهما, لتطورا بحثهما لاحقاً من خلال عمل أكثر احترافية ومهنية مع “أريج”.
ونظراً إلى انه التحقيق الاول الذي تقوم به كل من هالة ورنا, فقد كانت كل خطوة مدروسة ومخطط لها قبل الاقدام عليها. هكذا وضعت خطة عمل عامة, ثم لدى كل مقابلة او تعديل, كانت توضع خطة عمل بديلة وأسئلة أولوية وأخرى أكثر تعمقاً. ولا شك أن العمل شهد في لحظة من اللحظات مللاً, وتعباً وشرذمة بالافكار والمصادر والكم الهائل من المعلومات, خصوصاً ان الموضوع نفسه “بارد”, لجهة انه ليس مرتبطاً بحدث أمني أو سياسي يقتضي الملاحقة والمتابعة. وبالتالي كانت الحماسبة لمتابعة العمل تأتي من اصرار هالة ورنا على اتمام مشروعهما وكشف ثغرات تؤثر على شريحة واسعة من اللبنانيين… سيما وأن التحقيق كشف الكثير من المعلومات التي لم يكن الرأي العام اللبناني على دراية بها ومنها مثلاً اعداد ذوي الحاجات الخاصة ومنهم ضحايا الحروب الكثيرة, المتروكين لحالهم.
لم يشهد سير العمل صعوبات كثيرة تذكر, فالمعلومات كانت بغالبيتها متوافرة من مصادرها, إلا طبعاً من هم في مواقع مسؤولية وتقصير بالحق العام ممن امتنعوا عن الاجابة. لكن يذكر ان التحقيق أنجز في وقت كان لبنان يعاني فراغاً حكومياً ورئاسياً وبالتالي فإن الظرف السياسي العام لم يكن مؤاتياً لتحديد المسؤوليات ومواجهة اصحابها بها. وهو ما أخر النشر لفترة لإصرار المراجعين في “أريج” على عنصر “المواجهة”, لكنه للاسف لم يحدث للاسباب المذكورة أعلاه.
ولعل أهم أثر تركه التحقيق تفاعل الرأي العام معه خصوصاً في الاوساط الاكاديمية, والجمعيات الاهلية التي تعنى بحقوق الانسان فقط تلك المقتصرة على ذوي الحاجات. فمن نقاط قوته أنه لم يستعطف القارئ أو يظهر المتضررين كضحايا مساكين, ولكنه لامس جانباً انسانياً فيهم وتحدث غالبيتهم بصراحة مطلقة عن تفاصيل يومية تواجههم ولا يجدون لها حلا خصوصاً انه سلط الضوء على اشخاص بينهم فاعلين في المجتمع وناشطين سياسيين ومدنيين.