عندما بدأ الزميل عبدالناصر الهلالي عمله الميداني لإعداد التحقيق الخاص بمكب النفايات التابع لمدينة تعز اليمنية، كانت المشكلة الرئيسة التي واجهتنا تتمثل في إثبات خطر النفايات التي يحتويها المكب والتي تحترق ذاتياً، وبالذات وهذه النفايات تشتمل على مخلفات المستشفيات العامة والخاصة، ومخلفات المصانع حيث تعتبر مدينة تعز المدينة الصناعية الأولى في اليمن، إلى جانب مخلفات المنازل اليومية والمسالخ والورش وغيرها.
ويأتي لب المشكلة من انعدام التوثيق في اليمن عموماً وشحة الأبحاث والدراسات التي تعمل في مختلف مجالات الحياة ومنها الجانبين الطبي والبيئي، إضافة إلى عدم تعاون وتفاعل الجهات المختصة والمسئولين التنفيذيين مع الصحفي في اليمن، وبخاصة الصحفي الاستقصائي لكثرة تحريه عن المعلومات الموثقة، وعدم اعتماده على الآراء الشخصية.
بيد أن الزميل الهلالي بذل جهداً كبيراً في عملية البحث والتقصي وتمكن بعد محاولات حثيثة من الحصول على عدد من الدراسات العلمية التي أجريت في سنوات سابقة، والتقى بالعديد من المختصين في الجانبين الطبي والبيئي، والعديد من الحالات المرضية التي كان المكب سببها الرئيس وهو ما أثبته التحقيق في النهاية.
وخلال مراجعة التحقيق اكتشفنا أننا بحاجة لإجراء تحليل لعينات من التربة والمياه لقياس نسبة تركز مادة الرصاص فيها، إلى جانب قياس نسبة تلوث الهواء بالغازات السامة والخطيرة المنبعثة من المكب الذي يحترق ذاتياً منذ سنوات عديدة، غير أن صدمتنا كانت كبيرة عندما اكتشفنا استحالة إجراء هذه التحاليل للتربة والمياه وقياس نسبة تلوث الهواء، لأن تحليل التربة والمياه كان يحتاج لإمكانيات مادية وفنية كبيرة نعجز عن توفيرها.
أما بالنسبة لقياس نسبة تلوث الهواء بالغازات السامة والخطيرة، فكان من سابع المستحيلات، لعدم توفر أجهزة القياس في اليمن، وهو ما أجبرنا على الاعتماد على عدد من الدراسات الموثقة السابقة، الصادرة عن جهات مختصة ومراكز بحثية متخصصة، إلى جانب الآراء العلمية لعدد من الأطباء الاستشاريين وأساتذة الجامعات، إلى جانب الحالات المرضية التي أكد الأطباء علاقتها بالتلوث البيئي الذي يسببه مكب النفايات، وأبرزها حالات التهاب الجهاز التنفسي.
ولذلك أعتقد أننا ورغم كل ذلك تمكنا من الوصول للعديد من المصادر والاستفادة من كل ما لديها من معلومات ودراسات وآراء، بعد أن أقنعها الزميل الهلالي بالمزيد من المثابرة وعدم الاستسلام والاقتناع بما تم تقديمه من معلومات في بداية الأمر، إلى جانب إقناعهم بأهمية الموضوع الذي يشتغل عليه، وأنه سيخدم الجهات المختصة وسكان المنطقة.
وعند الانتهاء من العمل الميداني، واجهتنا مشكلة أخرى تتعلق بصياغة التحقيق، والعمل على فلترة المعلومات المهمة التي يجب أن يتضمنها الموضوع، واستبعاد جزء كبير من المادة التحريرية المتوفرة، بعضها لتجاوز التكرار، وبعضها الآخر لأنها غير ذات أهمية ولا تخدم الفكرة والتحقيق.