عندما جاء عمر منذ نحو عام يقترح “كتابة موضوع” (على ما قال حينذاك) حول سماسرة الهجرة غير الشرعية في مخيمات الفلسطينيين في لبنان, لم يتنبه إلى أن فكرته كانت مادة تحقيق استقصائي بكل ما للكملة من معنى. تردده ربما جاء من مخاوف الوقوع في مشكلات مع رجال الامن أو السماسرة أو حتى أهالي المخيم نفسه, وهي مخاوف محقة بطبيعة الحال لكنها زادت حماسته في كشف تلك الشبكات وتحولت محركاً داخلياً للمضي قدماً في عمل استغرق منه أكثر من 6 أشهر من العمل المتواصل, حتى قبل مرحلة الكتابة.
البداية كانت جلسات مطولة من النقاش لتحديد المسار. فحماسة عمر أدخلته في متاهات مواضيع اخرى, كالبطالة ومنع الفلسطينيين من ممارسة نحو 100 مهنة, والتكلؤ في إعادة إعمار مخيم نهر البارد وتأخر سن الزواج… وغيرها من المعضلات التي تحتاج حكومات لحلها وليس تحقيقاً صحافياً. غضبه على واقع الشباب الفلسطينيين في لبنان جعله يخلط أسباب الهجرة غير الشرعية بنتائجها, والمتاجرين بها. لذا كانت الانطلاقة مع تسجيل الشهادات. كل من كان لديه قصة تصب في الموضوع تسجلت شهادته سواء من المهاجرين العائدين أو العائلات التي فقدت أحد شبابها, أو السماسرة الذين قبلوا الحديث. لم يوفر عمر شخصاً قريباً أو بعيداً إلا وقابله وسجل أقواله. ثم وضعت تلك الاقوال في جداول بحسب تقاطع المعلومات فيها. العمل على أكثر من مخيم بدا تعجيزياً على رغم أن الفكرة كانت شمل واقع مجمل المخيمات التي تعاني ظاهرة الهجرة غير الشرعية, لكن المسالة كانت فعلا مستحيلة فتقرر الاكتفاء بمخيم نهر البارد كنموذج عن غيره.
لم تبرز أية مشاكل فعلية في هذه المرحلة ما عدا بعض التمنعات هنا أو هناك. شخص يعطي موعداً ويختفي فلا يجيب على الهاتف, أو آخر يغير أقواله بين لقاء وآخر وهي طبعاً بديهيات العمل في هذا المجال.
أما المشكلة الفعلية فظهرت مع الانتهاء من تجميع الشهادات وكيفية تحويل كم كبير من المعلومات الى مادة قابلة للنشر والقراءة!
المسودة الاولى التي قدمها عمر كانت اشبه بتقرير شرطة. معلومات صحيحة وموثقة, وروايات منقولة عن اصحابها وارقام وملاحظات وغيرها من التفاصيل التي تجعل القراءة عملية تقنية ولكن غير ممتعة. أين القصة سألت عمر؟ قال هنا! هذا كل ما لدي… قلت تخيل نفسك تقرأ هذا الموضوع الذي لا يفتقر لا للمصداقية ولا للدقة ولا للمعلومات. ما الذي سيدفعك لمتابعة قراءته بعد الفقرة الاولى؟ لا شيء, قال. نصحته حينذاك بالابتعاد عن التحقيق, اسبوعاً او اثنين أو حتى شهر لتتخمر المعلومات في رأسه ولا تتضارب.
طلبت منه ان يكتب ما بقي منها في ذهنه فكانت المسودة الثانية أو الهيكل الاول للقصة التي خرج بها التحقيق. أضاف عمر مشاهداته, وبعض انطباعاته, وأدرج روايات صغيرة كان أهملها فيما حذف اخرى لأنها شكلت تكراراً غير مبرر.
بعد مسودتين أخريين, تحول تقرير الشرطة إلى قصة قابلة للنشر ممتعة للقراءة, غنية بالمعلومات الجديدة والموثقة.