صحفي استقصائيّ كندي حائز على جوائز عالمية

نصائح من تجربة جوليان شير في كتابة التّحقيق الصّحفي

2015/12/20
التاريخ : 20/12/2015

من إلهام ورشة عمل لـ ( جوليان شير ) خلال مؤتمر أريج الثامن من4-6 كانون الأول/ديسمبر2015

لخّصها للعربيّة:  وليد نصّار – صحفيّ فلسطينيّ (رئيس تحرير شبكة أجيال الإذاعيّة – أستاذ إعلام في جامعة بيرزيت- مدرّب “أريج” في فلسطين)

20 ديسمبر 2015- معظم الموادّ الصحفيّة بما فيها التّحقيقات الاستقصائيّة تتكوّن من 4 عناصر:

1. المقدّمة   2. فقرات المعلومات المركّزة التّلخيصيّة (بعد المقدمة) 3. الجسم  4. الختام ليس بالضرورة أن يكون كل عمل (سردي) مكتوباً بهذه الطريقة.

ولكن، الفهم العام لهذه المبادئ قد يساعد في صياغة أنجع للقصص، وإن الانحراف عنه سيزيد عليك العبء في إيصال المعلومة وأنت في غنى عن ذلك.

(أولاً) : (المقدمة)  LEAD IN هي معرض بضاعتك أو “الفاترينا”، التي ستجذب القارئ للقصة أو تجعله يبتعد عنها، إجعلها رائعة ضع فيها قدراتك الكتابية والإبداعية، فالمقدمة عادة ما تكون من الكلمة الأولى إلى الفقرة الخامسة أو السادسة في القصص الطويلة، إنها كلام الافتتاح، وهذا الكلام يمكن أن يكون وصفاً ويمكن أن يكون مشهداً أو يمكن أن يكون f3b90e1f-bd68-4691-85fd-a0fb798db191اقتباساً (لا تكن مبتذلاً في الاقتباس) – خذ أرصن الكلام وأكثره إنسانية – كي لا يكون اقتباسك مستهلكاً، اجعل قصتك ومنذ البداية قوية مؤثرة وجاذبة، ربما صادمة وربمامضحكة أو كل ما سبق، المهم أن تكون مُقنعاً ومنطقياً وأن يكون ذلك مرتبطاً بما سيأتي من الفقرات اللاحقة، ليكون تمهيداً فيه جمال يقبله القارئ (أبقِ على بعض الخيوط المفقودة التي لا يجدُها القارئ إلا إذا تابع القراءة) وتعامل مع هذا الأمر بذكاء.

(ثانياً):  الحشوة ، اللب أو الزبدة ( هاتِ من الآخر) NUT GRAPHهذه الفقرات المركزة (تأتي بعد المقدمة مباشرة) وعادة ما تعطي معلوماتٍ سريعةً ومختزلةً وأرقاما، وفيها قدرٌ من الوصف والمعلومات في آن أحياناً، وكل فقرة تعطي معلومة عامة واحدة عن التحقيق وتبرز مَعْلماً جديداً فيه.قد تتساءل: لماذا ألخّصُ وأحرق باقي النّص؟

ربما تسأل: إذا قرأ القارئ هذه الفقرات (التلخيصية) فلماذا يحتاج لإكمال باقي نص التحقيق الصحفي؟هذه كلها تساؤلات مشروعة، ولكن إعرف تماماً، أن القارئ لن يقرأ القصة الكاملة إذا حصل على تلخيص مشجّع لها، وأن القارئ هو كالمشتري، إن لم يقتنع جزئياً بالبضاعة لن يقترب منها أكثر، هذا سيساعدك في الاقتناع بضرورة عمل فقرات تلخيصية للتحقيق ويجعلك أكثر قدرة على جذب الناس لقراءة عملك الكامل.

NUT GRAPH تحتوي على ما يلي:

1.عن ماذا سيتحدث هذا التحقيق (ما هو الموضوع) ؟

2. ماذا يجب على القارئ أن يهتمّ بالموضوع؟

لكتابة التحقيق الصحافي :

-إبحث دائما عن أربعة عاناصر هي: (الشخصية والسياق والصراع والنتيجة).

-حقق واكتب ثم عدّل وحقق وأعد الكتابة ولا تكن كلاسيكيا وتكتب بعد 6 شهور من البحث والتحقيق

-البشر أغنى ما في أي قصة (تحقيق)، والإنسان يجذبه الإنسان، كلما كانت قصتك إنسانية ومنطقية وكلما كانت أجمل وأقرب للقارئ.

– إيّاك أن تُظهر شخصية في بداية القصة ثم تُخفيها دون عودة.

-لا تجعل من التكرار سمة، ولا تذكر شيئا مبهماً، ولا تعتقد بعد أشهر العمل في التحقيق أن كل الناس باتوا على نفس درجة علمك في التفاصيل (كُن بسيطاً).

– حافظ على التسلسل الزمني ولا تقفز في الهواء.

-الربط المنطقي بين الفقرات يساعد القارئ على الفهم.

– لا تشرح للقارئ كيف حققتَ في الموضوع، بل اشرح الموضوع نفسه.

– كُن مميزا واكتب تحقيقا بما لا يتجاوز 1500 كلمة (2000 كلمة قد تكون كثيرة على القارئ).

(ثالثاً): الجسم– عبارة عن فقرات رئيسية مترابطة تشرح مزيدا من المعلومات ومرتبطة ارتباطاً وثيقا بالمقدمة وفقرات التلخيص.

(رابعاً): الختام – (الاستنتاج): تطوّر مثير للاهتمام أو حقيقة جديدة أو ملاحظة قيّمة تختم فيها التحقيق، ويُكتبُ بعدة طرق من أبرزها:

1.استنتاج يتطلّع للمستقبل، مثال: ( حسن، بطل القصة الآن رزق بمولود جميل ويعيش في قرية كذا إلخ … )، أو ما الذي سيحدُث؟ أو تغيُّر في عمل أو حياة البطل يدعو للاهتمام. 2. قد يكون الختام (الاستنتاج) عائداً على الماضي أو عائداً على الــ lead in  أو المقدمة (هل تذكر أنّنا تحدثنا عن الخيوط المفقودة في الأعلى؟)، ما يميّز هذه الخاتمة أنها تربِط النهاية بالبداية، ويستخدمها مخرجو السينما كثيرا. 3. اقتباس قصير ولكنه مؤثر جدا. 4. بالطبع هناك أشكال إبداعية أخرى للإنهاء ولكنها يجب أن تتميز جميعها بالمنطقية. في النهاية لن أتركك بلا مثال حي من تحقيق أجري في اليمن، تم تحويل نصّه الأصلي إلى طريقة الكتابة المشروحة أعلاه.

في النهاية لن أتركك بلا مثال حي من تحقيق أجري في اليمن، تم تحويل نصّه الأصلي إلى طريقة الكتابة المشروحة أعلاه النص الأصلي :

يحاول عبدالقادر الصلوي (54 عامًا) العامل في مصنع إسمنت عمران خفض سعاله المتواصل، خشية إيقاظ أحد أبنائه الثمانية الموزعين على غرف المنزل الأربع. لكنه سرعان ما يكتشف أن محاولاته لم تنجح حين يسمع اقتراب خطوات إبنته شفيقة وبيدها كوب ماء.صبيحة اليوم التالي، لا أحد يتحدث في الأمر. لكن نظراته تحمل اعتذاراً وهو يتهيأ لاجتياز 1000 متر للإنضمام إلى 1500 عامل في هذا المصنع على بعد 50 كيلو متراً شمالي صنعاء.حال عبد القادر، كحال جيران مصنع الإسمنت، لا يستطيعون النوم بعمق بسبب الغبار الذي يتنفسونه طوال اليوم.

ما إن أكملت شفيقة (28 عاماً) تعليمها الثانوي عام 2004م، حتى أخبرت والدها بأنها ستسافر لدراسة الطب بجامعة دمشق، وهو ذات التخصص الذي سبقها إليه شقيقها الأكبر رفيق المتخرج في جامعة صنعاء.يعالج الشقيقان حالياً، المئات من مرضى الجهاز التنفسي، المنتشرين حول مصنع الإسمنت الأكبر في البلاد، الذي يبث أطنانا من الملوثات منذ إنشائه عام 1981م، وفق دراسات تقييم الأثر البيئي وتقييم هيئة حماية البيئة.تقول شفيقة التي تعمل في مركز ألفا الطبي الخاص القريب من المصنع: «نصف المرضى – المقدر عددهم بنحو 40 حالة يومياً- يشكون من أمراض تنفسية متنوعة، تبدأ بالسعال وتنتهي بالتهابات الرئة المزمن».شقيقها الدكتور رفيق الذي يعمل في عيادة المصنع، يؤكد أنه يستقبل في المتوسط 20 حالة مرضية يومياً من العاملين والسكان المجاورين. ويقول: «أعامل جميع المرضى كما لو كانوا والديّ، لكن المرض لا يعاملهم بذات الطريقة، بل يأخذهم نحو فقدان القدرة على التنفس تدريجياً».مع تقدم العمر تزداد خطورة غبار الإسمنت على الأجهزة التنفسية وعيون السكان القاطنين في محيط تسعة مصانع إسمنت في اليمن، (ثلاث منها حكومية).

اختار منها معد التحقيق مصنعي «عمران» و»البرح» الحكوميين؛ لقياس الأضرار الناجمة عن السكن بجوارهما.وتوصل معد التحقيق إلى أن المناطق المحيطة بالمصنعين تشهد أعلى نسب إصابة بأمراض العيون والجهاز التنفسي (خمسة أضعاف عدد المرضى في مناطق بعيدة عن تأثير المصنعين)، وفق نتائج استبيان لعينة عشوائية من الأهالي.ويستمر مسلسل عدم إلتزام مصانع الإسمنت بمعايير الحماية البيئية، جراء ضعف دور هيئة حماية البيئة في إجبارها على خفض التلوث؛ لافتقارها لأجهزة قياس التلوث، ما يحول دون إجراء الفحوص الفنية لكمية الإنبعاثات واثبات المخالفة، إلى جانب القصور القانوني في تحديد الجهة المناط بها منح التراخيص ومهام الرقابة e7c4f75c-8620-4a5c-b121-1b351c4e52e1على مصانع الإسمنت.هذا الوضع دفع هيئة حماية البيئة للمطالبة في عام 2007م بتعديل قانون حماية البيئة.

على أن محاولات تطوير التشريع لم تسفر عن نتائج، إذ لا يزال مشروع تعديل القانون قابعا في أدراج وزارة الشؤون القانونية بعد 20 عاماً على سنّه بحسب رئيس الهيئة التي تهدف من التعديل الحصول «على صلاحيات أوسع، واعتمادها نافذة وحيدة لمنح التراخيص».ويؤكد رئيس الهيئة السابق محمود شديوة أن مشروع تعديل القانون منذ ذلك الوقت في وزارة الشؤون القانونية، ومكتوب علي مسودة المشروع: «يرسل إلى الجهات ذات العلاقة لإبداء الرأي».

من جانبه لم يذكر وكيل وزارة الشؤون القانونية لقطاع التشريعات د. مطيع جبير سبباً لتأخر المشروع. ويقول لكاتب التحقيق: «إذا كانت علاقتك جيدة بموظفي الهيئة؛ أبلغهم الحضور لمناقشة التعديلات المقترحة على القانون».أرقام مفزعةمصنع إسمنت عمران ينتج مليون ونصف (المليون) طن سنوياً، مصحوبة بأطنان من الملوثات تحملها رياح سرعتها 8 أمتار في الثانية «تسمى السرعة الشائعة»، وفق دراسة لتقييم الأثر البيئي أعدها عام 2005 الدكتور معتصم الفاضل من كلية الهندسة البيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت وإبراهيم علم الدين المختص البيئي والدكتور محمد المشجري المختص في هيئة حماية البيئة، بتمويل الوكالة الأميركية للإنماء الدولي (USAID).

في عام 2009م سجّل المصنع أرباحا قدرها 3.8 مليار ريال (14 مليون دولار)، انعكست عام 2012م إلى خسائر بمليار ريال يمني (4.66 مليون دولار).

تقدّر الدراسة كمية الغبار المصاحبة للإنتاج يومياً بمعدل 1820.3 «يو بي جي» (وحدة قياس لكمية الغبار بالملليغرام في المتر المكعب من الهواء)، وهي أعلى بنسبة 364 % عن الحد المسموح به في لائحة قانون حماية البيئة لعام 1995م والمحددة بسقف 500 «يو بي جي».في دراسة عرضها خلال مؤتمر في عدن في مايو/ أيار 2013، يقدّر أستاذ الهندسة بجامعة عدن الدكتور أحمد حنشور بأن ثاني أكسيد الكربون يشكّل 40 % من كمية الغازات الناتجة عن صناعة الإسمنت، ويعد أكبر عامل مؤثر يسبب الأمراض للعاملين والسكان المجاورين.

النص حسب الطريقة أعلاه:

(هذا النص لن يلخص كل شيء ولكن سيعطي فكرة تطبيقية فقط

(المقدمة) :رغم جسمه النحيل، لا ينفك صدر عبد القادر الصلوي، يهتز من شدة السعال وقد جحظت عيناه واصفر وجهه، وهو يحاول جاهدآ خفض صوت السعال خشية إيقاظ أبنائه الثمانية “ولكنني أفشل في ذلك، فتستيقظ ابنتي شفيقة لتجلب لي كوب الماء”.

Nut graph :يعاني عبد القادر الصلوي 54 عامآ من مرض مُزمن منذ 10 سنوات بسبب استمرار انبعاثات الغبار الاسمنتي من مصنع إسمنت عمران الذي يبعد 1000 متر عن منزله “رغم خضوعي المستمر للعلاج فإنّ حالتي لا تتحسن”، يضيف  عبد القادر.

Nut graph :اختارت شفيقة (28 عاماً) أن تدرس الطب بجامعة دمشق لتعالج أباها وبقية سكان مدينة عمران (50 كم شمال صنعاء) وهو ذات الاختصاص الذي سبقها إليه شقيقها الأكبر رفيق (30 عاماً) ليصبح كلاهما طبيبين يحاولان علاج مئات المرضى بالجهاز التنفسي من ضحايا أكبر مصنع إسمنت في اليمن.

Nut graph :هذا المصنع الذي أنشىء سنة 1981 يبث أطنانا من ملوثات وأغبرة الإسمنت يوميا وفق دراسات تقييم الأثر البيئي، وتسبب بإصابة 1369 شخصاً بالأمراض التنفسية في النصف الأول من العام 2013 وفق السّجلات الطبية للمستشفى المحلي.