نفوق الأسماك على السواحل اليمنية... استغلال ظاهرة طبيعية لدوافع سياسية!
اليمن
2023-11-30
تغير مناخ
محمد أحمد وسارة الخباط
في الرابع من آذار/مارس 2020، استيقظ سكان العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي اليمن) على مشهد ينذر بوجود كارثة؛ مياه البحر تبدو خضراء اللون، وامتلأ الساحل بالأسماك النافقة، وكأنّها صورة مأساوية لمجزرة جماعية لأطنان من الأسماك.
عبدالهادي عبدالله أحمد سالم؛ رئيس جمعية الصيادين بساحل مهران في عدن، يمارس مهنة الصيد منذ صغره، يتحدث عن الظاهرة قائلاً: “نفقت الكثير من الأسماك على طول ساحل أبين في عدن، وأغلب الأسماك كانت من نوع السردين، والسبب وراء نفوق الأسماك يعود إلى ظاهرة نمو الطحالب الخضراء بسبب تغير درجة حرارة مياه البحر، وتعرف محلياً باسم (الزهيقة)، إلا أن هذه الظاهرة ليست جديدة على الصيادين؛ وهي موجودة من قبل وصول التحالف للسواحل اليمنية، وتحدث كل عام ولكن بنسب متفاوتة، وليست بالكمية الكبيرة كما حدثت في آذار/مارس 2020”.
صور لظاهرة المد الأخضر بعد قذف الأمواج بالطحالب على ساحل جزيرة العمال بعدن (يوليو 2023) – تصوير: عوض علي عوض (رئيس جمعية صيادي فقم)
صور لظاهرة المد الأخضر بعد قذف الأمواج بالطحالب على ساحل فقم بعدن (يوليو 2023) – تصوير: عوض علي عوض (رئيس جمعية صيادي فقم)
فور نشر خبر نفوق الأسماك؛ سارعت جهات سياسية، وناشطونإعلاميون، على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تفسير أسبابها؛ فعللوا ذلك بنفايات سامة، كيميائية أو نووية، أُلقيت في البحر وأدت إلى حدوث هذه الظاهرة، وربط البعض مسؤولية إلقاء تلك المواد بسفن التحالف العربي، المناصر ل “الحكومة الشرعية” في اليمن.
هذا التعليل الأخير ليس وليد تلك اللحظة؛ وإنما تمّ تداوله قبل عام من ذلك؛ ففي السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2019، اتهم مسؤول في وزارة الثروة السمكية، التابعة لحكومة أنصار الله في صنعاء، سفن التحالف العربي بالعمل على تدمير البيئة البحرية؛ من خلال الإشراف على إلقاء مخلفات كيمائية في مياه البحر الأحمر. كما تحدثت وكالة سبأ، التابعة لحكومة صنعاء، عن تقرير لوزارة الثروة السمكية نُشر عام 2019؛ حملت فيه التحالف المسؤولية عن خسائر القطاع السمكي، جراء إلقاء الملوثات المختلفة في البيئة البحرية.
ظاهرة نفوق الأسماك من الناحية العلمية
بحسب ورقة بحثية لجامعة أركنساس، نشرت في آب/أغسطس 2022: تغير المناخ يؤدي إلى زيادة وتيرة نفوق الأسماك بكميات كبيرة؛ وسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة محتملة على العالم، إذا لم يتمّ خفض انبعاثات الكربون العالمية بشكل كبير خلال القرن الحادي والعشرين.
وعلى الرغم من تسبب التغير المناخي بحدوث هذه الظاهرة؛ إلا أن هناك أسباباً طبيعية أخرى تؤدي إلى حدوثها بشكل لافت، ومن ذلك: الملوثات التي يُعدّ التسرب النفطي من أبرزها، والأمراض والفيروسات، ووصول الأسماك إلى مرحلة معينة من عمرها، فتقوم بعملية الإباضة ثمّ تنفق؛ كما يحدث لأسماك السلمون والسردين وغيرها.
أحمد باغويطة، استشاري في القطاع السمكي بمنظمة براغما، يتحدث عن ظاهرة نفوق الأسماك قائلاً: “ظاهرة نفوق الأسماك تحدث لأسباب طبيعية أو بشرية، فمن الأسباب الطبيعية انتشار مرض ما في مياه البحر، والازدهار الطحلبي مثل المد الأحمر، وقد يصاحب ذلك ازدهار طحالب سامة”. ويضيف باغويطة: “ومن الأسباب الطبيعية المؤدية إلى نفوق الأسماك؛ التغير المفاجئ في درجات الحرارة، فعند تعرض بعض الكائنات البحرية لتيارات باردة، يؤدي ذلك إلى عدم تأقلمها مع هذا التغير المفاجئ، ما يتسبب في نفوقها، وكذلك اختلاف ملوحة المياه المفاجئ، كتدفق السيول الكثيفة إلى البحر، ويؤثر ذلك في بعض الكائنات التي لا تتحمل التغير المفاجئ في درجة الملوحة”.
حالات وأسباب النفوق حسب التصريحات الحكومية 2019-2023:
لا تتحدث السلطة اليمنية الشرعية عن جميع حالات النفوق؛ إلا في الحالات التي يكون فيها النفوق لافتاً أو تناولته وسائل الإعلام، ومن أبرز الحالات:
جدول (1) حالات نفوق الأسماك لأسباب طبيعية أو مناخية وتحدثت عنها السلطات
لم يرصد معدا التقرير أي تصريحات حكومية تتحدث عن حالات نفوق الأسماك، بسبب تلوث من نوع ما، خلال الفترة المحددة لهذا التقرير.
هل التصريحات الحكومية مقنعة فيما يخص تفسير هذه الظاهرة؟
التغير في درجة حرارة المياه، وظاهرة المد الأخضر؛ أبرز سببين لنفوق الأسماك حسب التصريحات الحكومية.
هل يؤدي التغير المفاجئ في درجة الحرارة إلى نفوق الأسماك؟
وفق دراسة علمية نشرتها مجلة “بيولوجيا الأسماك”، يؤدي الانخفاض السريع في درجة حرارة الماء إلى عدد من العواقب الفسيولوجية والسلوكية واللياقة البدنية للأسماك، يطلق عليها “صدمة البرد“، ويحدث إجهاد صدمة البرد عندما تتأقلم السمكة مع درجة حرارة مياه معينة، أو نطاق معين من درجات الحرارة، وتتعرض بعد ذلك لانخفاض سريع في درجة الحرارة؛ ما يؤدي إلى سلسلة من الاستجابات الفسيولوجية والسلوكية، وفي بعض الحالات تؤدي إلى الموت.
ماذا بخصوص المد الأخضر (الطحالب الخضراء)؟
هل شاهدت مياه البحر وهي تبدو خضراء؟ هل تساءلت ما السر وراء ذلك؟
يحدث ذلك عندما تطغى ظاهرة تعرف بـ “المد الأخضر“، وهي ظاهرة بيئية ناجمة عن تجمع كبير للطحالب الخضراء، وانتشارها في ظل ظروف بيئية معينة، وتحدث في كثير من سواحل العالم.
دراسة حول الأضرار البيئية الناجمة عن المد الأخضر في البحر الأصفر بالصين؛ وثّقت التغيرات الأبرز في المؤشرات البيئية، المتمثلة في زيادة الرقم الهيدروجيني لمياه البحر، وانخفاض معدل تركيز الأكسجين، وزيادة وفرة البكتيريا، وقد يؤثر نقص الأكسجة والتحمض، المترتب على ذلك، في النظام البيئي البحري بأكمله.
تسييس الظواهر الطبيعية
رصد معدا التقرير 13 تصريحاً لسلطات صنعاء، تتحدث عن كون سفن التحالف مسؤولة عن نفوق الأسماك في السواحل اليمنية، أبرزها:
جدول (3) تصريحات حكومية وإعلامية من صنعاء حول نفوق الأسماك:
التصريح
تاريخ التصريح
التحالف يقوم من خلال بوارجه باستخدام مواد كيميائية وبيولوجية، وإلقاء نفايات سامة وملوثة في شواطئ اليمن والمياه الإقليمية اليمنية، محولة مياه البحر للون الأخضر”.
من خلال ما تمّ رصده من حالات لنفوق الأسماك؛ يلاحظ أن جل تلك الحالات حدثت في السواحل اليمنية، التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، باستثناء حالتين وقعتا في مدينة الحديدة، مع ذلك، قامت السلطة في صنعاء بتفسير أسباب النفوق تلك بإلقاء سفن التحالف لمواد سامة في السواحل اليمنية الخارجة عن سيطرتها أصلاً.
في حزيران/يونيو 2022، حدث نفوق للأسماك في ساحل الخوخة بالحديدة، الواقعة تحت سلطة الحوثيين؛ فتضاربت المصادر التابعة للحوثيين في تفسير الظاهرة فموقع “26 أيلول/سبتمبر” الحكومي بصنعاء؛ فسر بأن السبب وراء ذلك؛ إلقاء سفن التحالف لمواد سامة في البحر، بينما عزت وزارة الثروة السمكية بصنعاء السبب إلى خطأ الصيادين الذين احتفظوا بالأسماك فترة طويلة لبيعها كطعم حي لصيادي التونة، هذا التناقض في تفسير سبب النفوق يؤكد أن سلطات صنعاء لا تعتمد الفحص المخبري في تفسير ظواهر النفوق.
تشير الدلائل والمؤشرات إلى أنّ ظاهرة نفوق الأسماك في اليمن حدثت لأسباب طبيعية؛ إلا أنّ الدوافع السياسية تسعى إلى استغلال هذه الظاهرة في إطار الصراع الدائر في اليمن، بين الحكومة الشرعية وأنصار الله (الحوثيين).
تعليق الرد على مقترحات التحقيقات
من هيئة التحرير في أريج
سنقوم بتعليق الرد على مقترحات التحقيقات الاستقصائية المُقدّمة بعد 18 كانون أول/ديسمبر 2023 إلى يوم 15 كانون ثاني/يناير 2024؛ وذلك لمناسبة عطلتي الميلاد ونهاية العام.
الزميل/ة العزيز/ة
يمكنك النقر هنا لتحميل نسختك من منهاج الصحافة الإستقصائية الحديثة، نرجو أن ينال إستحسانكم.
تعتذر هيئة تحرير أريج عن التاخر في الرد على مقترحات التحقيقات المقدمة من الزملاء والزميلات بسبب نشاطات ملتقى أريج الرابع عشر، على ان ترسل الردود على المقترحات في الأسبوع الأول من العام 2022 . وكل عام وانتم بخير.
العزيز/ة
يمكنك النقر هنا لتحميل نسختك من ورقة سياسات أريج حول “مكافحة المعلومات المضللة في العالم العربي” بالشراكة مع مؤسسة فريدريش ناومان للحرية
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.