علاقة مفقودة بين مشروع "هارْب" والزلازل


بينما يواجه العالم تداعيات الأحداث المناخية بشكل متسارع، يشهد الفضاء الرقمي سياقاً من نوع آخر، تنتشر فيه المعلومات المضللة بشكل أوسع وأسرع؛ إذ تصل فيه المعلومات إلى آلاف المتابعين بسرعة فائقة. 


تزعم بعض هذه المعلومات أنّ مشروع “هارْب” الأميركي مسؤول عن الأحداث المناخية، وبعض الظواهر الطبيعية في المنطقة. بينما لم تجد الدراسات وإفادات الخبراء أيّ علاقة بين المشروع، ومسألة وقوع الزلازل أو الكوارث الطبيعية.


ما هو “مشروع هارْب”؟ 

مشروع “هارْب” HAARP هو برنامج بحث نشط أُنشئ عام 1992 في جاكونا، ولاية ألاسكا الأميركية. يستخدم البرنامج هوائيات عالية الطاقة، وموجات راديو عالية التردد لدراسة الطبقة العليا من الغلاف الجوي، المعروفة بـ “الأيونوسفير”. تمّ تمويل بناء هذا البرنامج بواسطة القوات الجوية والبحرية الأميركية، ووكالة داربا (DARPA)؛ وهي وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، المسؤولة عن تمويل وتطوير التكنولوجيات المتقدمة.
يدير المشروع مختبر أبحاث القوات الجوية، ومكتب الأبحاث البحرية. هدف “مشروع هارْب” هو فهم أفضل للأيونوسفير، الطبقة الجوية التي تحتوي على تركيز عالٍ من الإلكترونات الحرة والأيونات. في عام 2015، نُقِل مركز البحث من القوات الجوية إلى جامعة “ألاسكا فيربانكس”؛ ما يسمح بمواصلة دراسة خصائص وسلوك الغلاف الأيوني عبر اتفاقية بحث وتطوير تعاونية.


منصات التواصل.. ساحة خصبة لنشر الادعاءات

نشطت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر فيديوهات ومنشورات عن التغير المناخي، والظواهر الطبيعية بوصفها “مؤامرة”؛ ومن بين ذلك، ما ذهبت إليه بعض الحسابات للنشر عن مشروع “هارْب” الأميركي، وعلاقتها بالزلازل والكوارث الطبيعية التي حدثت مؤخراً في بعض الدول (سوريا، وتركيا، والمغرب، وليبيا). منها ما ذهب للترويج أنّ “هارْب” وراء زلزال مدينة مراكش في المغرب. فيما ادعت حسابات أخرى أن هناك زلزالاً مصطنعاً، وأن “الغرب” وصل إلى مرحلة علمية قادرة على إحداث الزلازل والبراكين، من خلال منظومة علمية متقدمة.

ويظهر أن أحد أسباب النشر، هو التفاعل مع هذه الحسابات وإثارة الجدل، من دون أي تحليل علمي أو استناد إلى دراسات. 


فمثلا، نشر حساب على تيك توك يحمل اسم (dyala911)، الذي يصل عدد متابعيه إلى 3.5 مليون متابع، مقاطع فيديو تخص مشروع “هارب” والضوء الأزرق، وارتباطهما بالزلازل والكوارث الطبيعية التي حدثت في الفترة الأخيرة في سوريا وتركيا والمغرب وليبيا وغيرها.

و“الضوء الأزرق” هو ضوء أو وميض يُحدث طاقة، بسبب شحنات كهربائية ناتجة عن تصادم الصفائح والصخور، عند حدوث الزلزال؛ حيث تخرج الشحنات من الأرض إلى السماء ما يؤدي إلى ظهور ضوء أزرق.


حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبرعدد المشاهدات عدد التعليقاتعدد الإعجابات 
الفيديو الأول 124400287814700
الفيديو الثاني  4530011792403
الفيديو الثالث 26500705961



كما نشر حساب يحمل اسم (almuqanna33) فيديوهات حول التنبؤات والأحداث، التي ستحصل في العالم. وبعض الفيديوهات حول مشروع “هارب” وما يحصل من كوارث. وتمّ الرصد حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ووصل عدد متابعيه حينها إلى 59 ألفاً و500 متابع.


حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر عدد المشاهدات  عدد التعليقاتعدد الإعجابات
الفيديو الأول 99000582229800
الفيديو الثاني   35000254115200


أما الحساب الذي يحمل اسم (joku0790)، فيقوم بنشر فيديوهات مثيرة للجدل وغير صحيحة، وتمّ الرصد حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 14 ألفاً و700 متابع، صورة الحساب وعدد المتابعين


حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبرعدد المشاهدات عدد التعليقاتعدد الإعجابات 
الفيديو الأول32700221611500
الفيديو الثاني   70242332
الفيديو الثالث 50414182



وفي موقع يوتيوب، كانت قناة (HEGAZ – Shorts) تنشر بشكل متقطع عدة مواضيع مختلفة؛ من ضمنها المناخ، وتمّ الرصد حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ووصل عدد المشتركين بالقناة إلى 69 ألفاً و900 مشترك.



حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبرعدد المشاهدات عدد التعليقاتعدد الإعجابات
الفيديو الأول19000371300
الفيديو الثاني   70242332


وقناة أخرى باسم “هاني شاكر حسن شحاتة”، نشرت فيديو عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وتمّ رصدها حتى تاريخ 11 تشرين أول/أكتوبر 2023، ووصل عدد المشتركين في القناة حينها إلى 357 ألف مشترك.



حتى تاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبرعدد المشاهدات عدد التعليقاتعدد الإعجابات
الفيديو الأول 540001246300


“هارب” وتغير المناخ.. هل من علاقة؟

لا يتمّ امتصاص موجات الراديو في نطاقات التردد التي يرسلها برنامج “هارْب” في كل من طبقة التروبوسفير والستراتوسفير؛ وهما مستويان من الغلاف الجوي ينتجان طقس الأرض. نظراً إلى عدم وجود تفاعل، لا توجد طريقة للتحكم في الطقس.


ويعرف الستراتوسفير بأنه الطبقة العليا من الغلاف الجوي (فوق التروبوسفير) تقع على ارتفاع يتراوح بين عشرة إلى 50 كيلومتراً تقريباً فوق سطح الأرض.


على الرغم من ذلك، فقد ركزت الادعاءات من قبل النشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي على أنّ “هارْب” يمكن استخدامه للتحكم في الهواء؛ مثل تغيير اتجاه الرياح أو توليد الأعاصير أو إحداث الزلازل. هذه الادعاءات مدعومة بأدلة غير صحيحة، أو مفاهيم خاطئة حول كيفية عمل موجات الراديو.


من جانبه قال البروفيسور نجيب أبو كركي، خبير الزلازل في الجامعة الأردنية، إنّ الزلازل في تركيا وسوريا والمغرب هي طبيعية، وليس لها علاقة بمشروع “هارْب”. ويستند في رأيه إلى أنّ هذه الزلازل كانت قوية جداً، وأنها سُجّلت من قبل عشرات الآلاف من المحطات الزلزالية حول العالم. كما أنّ سلسلة الهزات الارتدادية، التي حدثت بعد الزلازل تؤكد أنها طبيعية.


وشدّد على أنّ مناطق مثل تركيا وسوريا والمغرب، تشهد زلازل بشكل منتظم؛ بسبب النشاط الزلزالي الطبيعي، وأنّ الأحداث المناخية المدمّرة مثل الأعاصير، تحدث بشكل طبيعي أيضاً في مناطق أخرى حول العالم.


مشروع “هارب” و”الضوء الأزرق”

في عام 2014، نشر روبرت تيريولت؛ وزملاؤه، من جامعة ولاية سان خوسيه ومركز أبحاث “أميس” التابع لوكالة ناسا، دراسة في مجلة “سيزمولوجيكال ريسيرتش ليترز” المختصة في نشر الأبحاث المتعلقة بعلم الزلازل، التابعة لجمعية الزلازل الأميركية؛ حللوا فيها 65 حادثاً ضوئياً للزلازل، وافترض فرويند وزملاؤه أنّ هذه الأضواء ناتجة عن الشحنات الكهربائية، التي يتمّ تنشيطها في أنواع معينة من الصخور أثناء النشاط الزلزالي.


ويذكر مقال كريستينا نونيز -وهي كاتبة مستقلة مختصة في المناخ والعلوم والابتكار- المنشور على موقع “ناشونال جيوغرافيك” بتاريخ 19 نيسان/أبريل 2019، أنّ هناك العديد من النظريات حول سبب حدوث ضوء الزلازل. يعتقد بعض العلماء أنّ هذه الأضواء ناتجة عن تفريغ كهربائي في الصخور المتشققة. يعتقد آخرون أنّها ناتجة عن تفاعلات كيميائية بين الصخور والمياه.

كما لا يمكن لبرنامج “هارب” التحكم في الطقس أو التلاعب به، ولا يمكنه خلق أو تضخيم الكوارث الطبيعية، فهو جهاز إرسال لاسلكي كبير، لا يمكنه نظرياً خلق زلازل. بالنسبة للعلاقة المحتملة بين “الضوء الأزرق” وحدوث الزلازل، أوضح البروفيسور أبو كركي أنّ هناك أبحاثاً لم تنشر على نطاق واسع، ولم تكتسب شهرة واهتماماً كافيين، ربطت بين الظواهر الكهربائية والزلازل. ويؤكد أنّ الوميض الأزرق الذي يسبق حدوث الزلزال، هو ظاهرة طبيعية مرتبطة بالزلازل. وقد تمّ الإبلاغ عن هذه الظاهرة منذ أكثر من 40 عاماً، وهي تحدث في ظروف خاصة. ولا يُعدّ هذا الوميض مؤشراً على أنّ الزلازل مفتعلة، وفق قوله.


أصول أضواء الزلازل 

تقول هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عبر موقعها على الإنترنت: “تسمى الظواهر مثل البرق الصفيحي، وكرات الضوء، واللافتات، والتوهجات الثابتة، وأضواء الزلزال (EQL)”. 


وتستطرد الهيئة: “يختلف الجيوفيزيائيون حول مدى اعتقادهم بأنّ التقارير الفردية عن الإضاءة غير العادية بالقرب من وقت ومركز الزلزال تمثل في الواقع (أضواء الزلازل)”.


وتضيف الهيئة: “فيما يشك البعض في أن أيّاً من التقارير يشكل دليلاً قوياً على “أضواء الزلازل”، يعتقد البعض الآخر أن بعض التقارير على الأقل تتوافق بشكل معقول”. 


لا علاقة لـ “هارْب” بالظواهر الطبيعية

من الواضح والثابت علمياً أنّ الادعاءات التي تربط بين مشروع “هارب” وتغير المناخ لا أساس لها من الصحة، ولا تستند إلى دليل علمي يدعم الادعاءات بأنّ “هارب” يمكن استخدامه في التحكم بالطقس أو التلاعب به، أو خلق أو تضخيم الكوارث الطبيعية. فقد قدّمت الادعاءات التي ذكرناها للجمهور مفاهيم خاطئة، حول كيفية عمل موجات الراديو التي يستخدمها مشروع “هارب”. وأنّه من غير الممكن لهذه الموجات التفاعل مع الهواء وإحداث الزلال أو التحكم بالطقس.


كما أنّ هذه الادعاءات قدّمت للجمهور مفاهيم خاطئة حول كيفية عمل موجات الراديو التي يستخدمها “هارب”. وأنّه من غير الممكن لهذه الموجات التفاعل مع الهواء في طبقتي التروبوسفير والستراتوسفير، حيث لا توجد إلكترونات حرة بكميات كبيرة.