"دبوس ومنديل وكريم"... أدوات وهمية لخطف الفتيات في مصر


فتاة مصرية في طريقها إلى بيتها بالسيارة، تحدث والدتها لتحضر لها الطعام ريثما تصل إلى المنزل، ولكنّها لم تصل أبداً!
أوقفتها عجوز طالبة منها توصيلها إلى ناصية الطريق، وبمجرد أن استقلت السيارة، خدرت الفتاة، لتسقط بجانب 12 أخريات في يد عصابة اتجار بالأعضاء.

تم تداول هذا المنشور عشرات المرات في آخر عامين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو بجانب منشورات أخرى شبيهة، يحمل مزاعم عن وجود شبكة إجرامية كبيرة في مصر تستهدف الفتيات بطرق تخدير مختلفة، للاتجار بأعضائهن.


يتتبع هذا التقرير هذه القصص التي يعاد تدويرها مرراً وتكراراً، تتشابه في بعض التفاصيل، وتختلف في أخرى، ولكنّها تشترك جميعاً في استخدام معلومات مضللة عن طرق خطف وهمية، لنشر الرعب بين مستخدمي وسائل التواصل.

اتبع التقرير منهجية جمع أبرز منشورات عمليات الخطف، بدءاً من تاريخ أول قصة منشورة على وسائل التواصل، وتحليل مضمون هذه المنشورات، واختبار أساليب الخطف المذكورة علمياً، مع مراجعة بيانات وزارة الداخلية عن وقائع الخطف التي وقعت بالفعل.

بتتبع تاريخ هذه المنشورات، وجدنا أنّ أقدم منشور عن عمليات الخطف على فيسبوك يعود إلى عام 2014، وهو يروي جريمة خطف فتاة للمتاجرة بأعضائها، وتمت مشاركته 31 ألف مرة، وجمع ما يزيد على 2100 تعليق.

اللافت أنّ المنشور لم يذكر أي معلومات يمكن تعقبها، فهو غير مرفق بصورة للضحية أو لوالدها الذي ذُكر في المنشور بوضوح، ولا صورة للمجرمين الذين تمّ القبض عليهم، ويفتقد المنشور إلى رقم المحضر وتاريخ وقوع الجريمة، وأسماء الضحايا المخطوفات، كما يدعي صاحب المنشور.

اللافت كذلك أنّ الصورة المرفقة بالمنشور، تعود لفيلم الرعب الأمريكي “The Girl Next Door” الذي عُرض في 2007.



لم يتوقف تداول المنشور عند عام 2014، وإنّما أعيد تداوله في أوقات مختلفة، وصولاً إلى عام 2022، حاصداً آلاف التفاعلات.


نموذج للمنشور متداولاً في الفترة بين عاميْ 2014 و2022.



كما شاركت صحيفة الأهرام الكندية، في نقل المنشور، إذ نشرت خبراً عن هذه الواقعة المزعومة في كانون الثاني/يناير 2016، على موقعها الإلكتروني، وعلى صفحتها في فيسبوك. ويذكر أنّ صحيفة الأهرام الكندية، لا علاقة لها بالصحيفة القومية المصرية “الأهرام”.


كذلك نشر موقع “العاصمة الثانية” المختص في الأخبار الخاصة بمحافظة الإسكندرية، تقريراً حول انتشار الهلع بين سكان المحافظة بعد توارد أخبار خطف الفتيات.



وفي 2016 ظهرت أداة جديدة للتخدير، عندما نشرت إحدى الصفحات المختصة بنقل أخبار محافظة الإسكندرية، منشوراً عن خطف فتيات، باستخدام كريم مخدر. ووصل عدد مشاركات هذا المنشور 1500 مشاركة.

وتعود الصورة المرفقة بالمنشور إلى النسخة الصينية من الفيلم الأميركي نفسه “The Girl Next Door”، للكاتب جاك كيتشام- JACK KETCHUM.



ثمّ عادت الصفحة مرة أخرى، لتروّج للواقعة نفسها في آب/أغسطس 2016، وحصد المنشور هذه المرة 8700 مشاركة، وأكثر من 800 تعليق.



وفي 2020، عادت الشائعات نفسها للظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، مع اختلاف بعض التفاصيل المتعلقة بأداة التخدير، لكن ظل المضمون واحداً، فزعم المنشور أنّ عصابة تعمل على تخدير الفتيات باستخدام بخاخ يحتوي مادة مخدرة وتخطفهن للاتجار بأعضائهن، لكن تلك المرة، حدد المنشور نطاق عمل هذه العصابات في مدينة الإسكندرية.





وكانت الحقن والدبابيس السحرية آخر أدوات تخدير ظهرت في المنشورات، إذ زعم شخص يدعى ناصر رمضان، في حزيران/يونيو 2022 عبر حسابه الشخصي على فيسبوك أنّ منتقبة خدرت ابنته بحقنة في وسيلة نقل عام، وخطفتها.
ثم تراجع عن قصته، وقال إنه أساء الفهم، وقام بغلق حسابه، لمدة شهر تقريباً.



وتداول نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يعرض تسجيلاً صوتياً باستخدام تطبيق “واتساب”، ويروي صاحب التسجيل واقعة تخدير ابنته بدبوس في محاولة لخطفها.

وحصد الفيديو، نحو 8.5 مليون مشاهدة، و17 ألف تعليق، وقرابة 150 ألف مشاركة.


العلم يكذب

قال عميد معهد القلب السابق، دكتور جمال شعبان في منشور على حسابه الرسمي، “استحالة شكة دبوس تعمل تخدير كلي، التخدير محتاج حقن في الوريد بجرعات معينة مش قليلة ومش بالبساطة ولا السهولة اللي انتم متخيلينها”.



ويتفق معه الدكتور محمد أبو حطب، استشاري الرعاية المركزة والتخدير بجامعة الأزهر، مصرحاً لموقع “مصراوي”، أنّ تسبب “شكة دبوس” في إحداث إغماءة ادعاء “غير علمي”، مضيفاً أنّ التخدير يستغرق 15 دقيقة بحد أدنى.

ولم تأت بيانات وزارة الداخلية المصرية (في الفترة من عام 2014 حتى حزيران/يونيو 2022)، على ذكر وجود عصابات تختطف الفتيات عبر تخديرهن وسرقة أعضائهن.

واتبعت عصابات الاتجار في الأعضاء طريقة استقطاب الضحايا وإغرائها بالمال لبيع “الكُلى” تحديداً، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية الصادرة في شباط/فبراير 2018، وأيار/مايو 2018، ونيسان/أبريل 2019، وحزيران/يونيو 2020، وأيلول/سبتمبر 2020، وكانون الأول/ديسمبر 2020، ونيسان/أبريل 2021، وأخيراً تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

وسبق للداخلية أن نفت عدداً من الوقائع المزعومة عن خطف الفتيات.

ولكن هذا لم يوقف سيل القصص الشبيهة التي اكتسبت قوة انتشار واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتحديد في حزيران/يونيو 2022.


التريند” وصناعة الرعب

في حزيران/يونيو 2022، نشرت المدوّنة رهف الشامي على صفحتها -يتابعها ما يزيد على 390 ألف متابع حتى تاريخ نشر التقرير- منشوراً قالت فيه: “تحذير هام وخطير لتجنب حالات الخطف للبنات وخصوصاً الطالبات، وهناك طريقة شيطانية جديدة تتبعها العصابات لخطف البنات من الشوارع فاحذروها”.

حصد منشور رهف، نحو 950 تعليقاً، و1500 مشاركة، واستخدم المنشور صورة مقتطعة من فيديو تمثيلي نشر على موقع “يوتيوب” في نهاية 2020، بعنوان “منقبة تخطف البنات بطريقة محترفة احترسوا من هؤلاء”.



وفي نهاية حزيران/يونيو الماضي، انتشر مقطع فيديو آخر، يصور سيدة منتقبة تغرس دبوساً في جسد طفل، ليفقد وعيه وتخطفه في “توكتوك”.

بعد ساعات قليلة، انتشر المقطع كالنار في الهشيم، فقامت الشرطة المصرية بتعقب الفيديو ومن ظهروا فيه، ليتبين أنه فيديو تمثيلي، ملتقط في محافظة سوهاج (جنوبي مصر)، وتم ترويجه على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تحقيق المشاهدات والأرباح، فتم القبض على من ظهروا فيه، وهم 3 شباب، ومعهم المصور، بتهمة “نشر وترويج إشاعات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة على مواقع التواصل الاجتماعي”.