العشبة القنبلة والكبسولة السحرية... منشورات على 'بنترست' تضلل مرضى السرطان


“العشبة القنبلة.. والكبسولة السحرية”، هذه عينة من المنشورات التي تروج على منصة “بينترست Pinterest”، ويزعم مروجوها أنّها علاج لمرض السرطان.



في هذا التقرير، نتقصى مدى صحة هذه المزاعم، ومن يقف وراءها، لنكشف أن كثيراً منها مضلل، لتحقيق أغراض ربحية.
و”بينترست” هي شبكة اجتماعية لنشر الصور، تتيح لكل مستخدم إنشاء لوحة عرض خاصة به أو عدة ألواح، ومن خلال هذا اللوح ينشر المستخدم صورة فقط أو صورة مرتبطة برابط خارجي لموقع آخر، ولكن ما يميز هذه المنصة عن غيرها من منصات التواصل، أنّ تاريخ النشر لا يظهر أمام المستخدمين، وبالتالي لا يتمكن الزوار من معرفة ما إذا كانت المنشورات المثبتة في عرض الصور حديثة أم قديمة، وبالتالي تعود المنشورات للظهور أكثر من مرة أمام المستخدمين بحسب درجة الاهتمام، وليس وفقاً للتوقيت الزمني للنشر.



في 21 تموز/يوليو 2021، أعلنت المنصة إضافة خيار “اللغة العربية” ضمن خيارات اللغة للمستخدمين/ات، وذلك بعد أن وجدت أنّ هناك 57 في المئة من روادها البالغين -نحو 475 مليون مستخدم- يستخدمون لغة أخرى غير الإنجليزية، وقالت إنّه منذ انطلاق المنصة عبر نظام التشغيل “أندرويد” وعلى صفحات الإنترنت، شهدت زيادة 48 في المئة في عدد المستخدمين الذين يفضلون العربية.


بداية التحقق

بما أنّ المنصة لا تتيح تحديد الفترة الزمنية للمنشورات، تمّ إدخال كلمات مفتاحية في خاصية البحث عبر المنصة للعثور على سبل العلاج والوقاية من مرض السرطان، إذ تمّ تتبع نحو 50 حساباً والتدقيق في أكثر من 70 منشوراً “صورة”.


كيف تمت عملية البحث؟

  • تمّ إجراء عملية بحث من داخل المنصة باستخدام عبارات “علاج السرطان، وصفات سرطان، الوقاية من السرطان، السرطان، مرضى السرطان، CANCER”.
  • البحث المتقدم عبر محرك البحث “جوجل” باستخدام معادلة image may contain:fruit and السرطان site:Pinterest.com
  • الخطوة الثالثة من خلال البحث في “صور جوجل” بكلمات pinterest” and “cancer.
  • البحث المتقدم في جوجل advanced search باختيار كلمتي “السرطان” and “cancer” pinterest.

أولاً: منشورات العلاج من السرطان

أسفر البحث داخل منصة Pinterest عن عدد من النتائج، من ضمنها هذا المنشور الذي نُشر تحت عنوان: “عشبتين قنبلة في علاج سرطان القولون”، وتعود الصورة إلى مستخدم باسم “zak”.



من خلال معاينة المنشور، تبين أنّ هناك مقطع فيديو تمّ دمجه في الصورة يعود لحساب على “يوتيوب” لشخص يدعى أحمد السلماني، يعرف نفسه بأنه “باحث ومعالج بالاسترخاء والتدليك”، وله تجربة في العلاج الطبيعي.


ويفيد الفيديو أنّ عشبتيْ “الزعتيرة” و”غريس” لهما دور في علاج سرطان القولون، لاحتوائهما على مضادات أكسدة، بحسب قوله. واستدرك قائلاً إنّ استعمال هذه الأعشاب يتطلب متابعة طبية صارمة، فضلاً عن ضرورة استئصال الورم السرطاني.

وفي حين أنهّ لم يثبت وجود أعشاب أو فيتامينات أو طعام أو مكملات بعينها تمثل علاجاً نهائياً للسرطان، وذلك وفقاً للمعهد الوطني لبحوث السرطان، فإنّ عشبة الزعتيرة هي إحدى الأعشاب التي تنتمي إلى فصيلة النباتات الشفوية.


وتؤكد الدكتورة غفران الجلخ الحاصلة على الدكتوراه في الصيدلة -وفقاً للتعريف الخاص بها على موقع webteb المختص في الوطن العربي في المعلومات الطبية والصحية- أنّه لا ينبغي استبدال الأدوية أو الاستغناء عنها واللجوء إلى الأعشاب فقط، لكونها ما زالت تحت الدراسة والأبحاث، لإثبات مدى فعاليتها في مكافحة مرض السرطان، كما أكدت على ضرورة الاستشارة الطبية قبل تناول أي نوع من الأعشاب، لما قد يكون لها من آثار جانبية وتفاعلات دوائية خطيرة.


كما عمدت جهات صحية عدة في المنطقة العربية إلى التحذير من الأعشاب التي تعالج السرطان، من بينها هيئة تابعة لوزارة الصحة في السعودية، إذ حذرت من اللجوء إلى الأعشاب واستخدام الطب البديل عوضاً عن استخدام الأدوية، قائلة “كثيراً ما نسمع بخلطات تفك انسداد الشرايين، أو أعشاب تعالج السرطان وعلاجات مالها أساس من الصحة ولا هي سر مكتوم عن الأطباء ولا شيء”، طالبةً ضرورة الإبلاغ عن أي شخص يدعي العلاج بالطب البديل من أجل نبذ الشائعات ورفع الوعي.


الترويج للخلطات

لم تقف المنشورات في “بينترست” على الترويج للأعشاب من أجل علاج السرطان، بل روجت للخلطات “العجائبية”، فحساب aicha aicha نشر عن خلطة لعلاج السرطان:

“للسرطان يؤخذ قشر البصل بعد تجفيفه جيداً في الشمس ثم يطحن مع قدره وزن من لحاء البلوط، ويعجنان مع العسل وتؤخذ منه ملعقة بعد كل أكلة مذابة في عصير الجزر لمدة شهر متواصل، ومع ذلك يستنشق بخار البصل قبل النوم”



الترويج للخلطات

تشير الدراسات البحثية الصادرة عن المعهد الأمريكي لأبحاث السرطان وجامعة الإمارات العربية المتحدة إلى إيجابية بعض من هذه العناصر، إلّا أنّها ما تزال تحت الدراسة، وذلك وفقاً لدراسة بحثية نُشرت عبر الموقع الرسمي للمعهد الأمريكي في نيسان/أبريل 2021، وجامعة الإمارات في عام 2017.

يدعي المنشور أنّ هذه الوصفة لعلاج السرطان بدون تحديد نوع السرطان، بينما تشير أبحاث المعهد الوطني الأمريكي للسرطان إلى أنّ علاجات السرطان متعددة، وكل مريض له طريقة علاج خاصة به، وفقاً لحالته الصحية والعمرية، فهناك مريض يحتاج علاجاً واحداً فقط، وآخر يحتاج جراحة وعلاجاً إشعاعياً، ومن ثم لا يوجد علاج واحد يناسب كل المرضى وجميع أنواع السرطان.

وأشار الباحثون في المعهد الوطني للسرطان إلى أنّ بعض المكملات والعلاجات البديلة ضار، وهكذا ربما تكون الأعشاب عند تناولها بمفردها أو مع مواد أخرى أو بجرعات كبيرة. على سبيل المثال، أظهرت بعض الدراسات أنّ “الكافا كافا”، وهي عشبة تستخدم للمساعدة في التخلص من التوتر والقلق، قد تتسبب في تلف الكبد، وفقدان الفاعلية الكاملة لبعض أدوية السرطان.

وشدد الباحثون في المعهد على ضرورة التحدث مع الطبيب الخاص حول الأغذية التي يتم تناولها خلال رحلة العلاج، لأنه لا يوجد طعام واحد أو نظام غذائي خاص ثبت أنّه يسيطر على السرطان.


المكملات الغذائية لعلاج السرطان

لم تسلم منصة “بينترست” من الشركات التي تروج للمكملات الغذائية، إذ وجدنا حساباً باسم Herbal One يتابعه نحو 58 مستخدم، ويبلغ إجمالي منشورات الحساب 397 حتى وقت كتابة هذا التقرير، وهو حساب يركز على عرض المنتجات الخاصة بالشركة من أدوية ومكملات غذائية، ومن بين منشوراته عثر على صورة لدواء مكتوب عليها: “العلبة تحتوي على 100 كبسولة سحرية للقضاء على السرطان”.


أما محتوى هذه الكبسولة، على الرغم من أنّها غير واضحة المعالم، إلا أنّ عنصراً متكرراً يظهر عبر المكملات الغذائية أو الأدوية التي تدعي إمكانية القضاء على السرطان، ألا وهو فاكهة القشطة التي يتم الترويج لها بأنّها تقضي على السرطان.

ولكن قبل التدقيق في صحة المعلومات، تمّ التدقيق في تفاصيل هذه الشركة التي تروج لتلك المنتجات “السحرية”، من خلال التأكد من الموقع الإلكتروني المدوّن أسفل الصورة.



وبحسب الصورة المتداولة، فإنّ الموقع الإلكتروني المذكور لم يعد موجوداً على الإنترنت.
وعند البحث عن رقم الهاتف الظاهر على الصورة المتداولة، اتضح أنه يخص صفحة Plus Liv المختصة في المكملات الغذائية التي تعرّف عن منتجاتها بأنها “مُكمّل غذائي من الأعشاب الطبيعية مُجاز من المؤسسة العامة الأردنية للغذاء والدواء يساعد على سلامة وصحة الكبد”.

ولكن لم يتم إيجاد أيّ أثر لهذا المنتج، أو حتى اسم الشركة عبر الموقع الرسمي للمؤسسة الرسمية للغذاء والدواء الأردنية تحديداً في قائمة المنتجات الطبيعية والفيتامينات المرخصة من قبل الهيئة.

وفي الإطار ذاته، وبالبحث عن مكونات الدواء المشار إليه، تبين أنّه يحتوي على نوع من أنواع فاكهة القشطة. وفاكهة القشطة هي شجرة دائمة الخضرة توجد في المناطق الاستوائية بأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا ويطلق عليها Graviola أو Annona muricata.

وبالعودة إلى قدرات القشطة الاستشفائية، يتضح أنه لا يوجد دواء سحري حتى الآن لعلاج كل أنواع السرطان دفعة واحدة ولجميع المراحل، إذ ينفي مركز أبحاث السرطان البريطاني الصفة العلاجية التي يتم الترويج لها لفاكهة Graviola كعلاج بديل ضد السرطان.

على الرغم من أنّ الدراسات خلصت إلى أنّ مستخلص لب “الجرافيولا” له تأثير على خلايا سرطان الكبد والثدي في الفئران، لكن لم يتم بعد الانتهاء من إجراء الدراسات المطلوبة على البشر، وبالتالي لم يتم تحديد مدى فاعلية المنتج والنتائج السلبية المتوقعة من استخدامه.


وبالعودة مرة أخرى إلى رحلة البحث، تمّ رصد حساب باسم Souzan نشر منشوراً بعنوان: “4 ملاعق ويزول السرطان… وصفة عالم روسي تكشف عن أقوى علاج منزلي عرفته البشرية”.



ويتبين أنّ الصورة المنشورة تحمل رابطاً لفيديو منشور على اليوتيوب، يروّج لوصفة منزلية لعلاج السرطان منسوبة إلى عالم روسي:

  • 15 ليمونة حامضة
  • 12 حص ثوم طازج
  • كيلو واحد من العسل الطبيعي
  • 400 غ من حبوب القمح المنبتة
  • 400 غ من الجوز

وعبر تتبع الأثر الإلكتروني للفيديو، تبين أنّ العالم المذكور هو خريستو مارمارسكي Hristo Mermerski المختص في مجال التغذية، وليس في مجال الأورام وهو من بلغاريا، كما أنّ الوصفة المنسوبة له متكررة بنفس الصيغة في مواقع إلكترونية عدة، من بينها باللغة العربية، وكذلك بالإنجليزية والتركية.

وبالبحث عن هذه الوصفة، تبين أنّ المجلس السمعي البصري (CAC) في إقليم كتالونيا، أصدر بياناً في عام 2018، مطالباً بإزالة 14 مقطع فيديو على اليوتيوب يتمّ الترويج من خلالها لعلاجات للسرطان من بينها فيديو منتشر بعنوان “4 ملاعق يومياً ويختفي السرطان”، وقالت الهيئة آنذاك إنّ رئيس جمعية أطباء برشلونة ووزارة الصحة راجعوا هذه الفيديوهات وتبين أنّها مُضللة وتقدم علاجات زائفة لمرضى السرطان.

وخلال رحلة البحث، تمّ رصد منشور لحساب آخر على منصة Pinterest باسم Hana Sarji وهو حساب نشط، إذ يتابعه 465 مستخدماً ولديه عدد من اللوحات، منها لوحة متخصصة في الأمور الصحية، وأخرى متخصصة في نظم التخسيس والتحكم بالوزن. وبلغ إجمالي المنشورات على الحساب 1616 منشوراً، وبالرصد السريع تبين أن أغلبها حمل معلومات عن التخسيس وعلاج السرطان، مثل: “الحبة المعجزة، والمشروب المعجزة، ورجيم العصائر السحري، وأسرع وصفة للتخسيس” و”الطريقة الفعالة لإنقاص الوزن بقشر الليمون” و”شراب سحري للقضاء على الدهون” ومن بين تلك المنشورات “هذا العصير يقتل الخلايا السرطانية في 42 يوماً”.



بالضغط على رابط الصورة تم الوصول إلى المقالة المنشورة على صفحة جريدة الديار اللبنانية التي تحكي عن “وصفة عصير لرجل أسترالي يدعى رودولف بروس RUDOLF BROJS”، ويتمّ الترويج لها على أنّها أفضل علاج للسرطان.


ينصح هذا الرجل باعتماد نظام غذائي خاص مدته 42 يوماً، وينصح بشرب الشاي فقط وعصير الخضار الذي اخترعه، زاعماً أنّه خلال هذه الفترة ستجوع الخلايا السرطانية وتموت.


الوصفة:

  • الشمندر بنسبة 55% من العصير
  • الجزر بنسبة 20%
  • الكرفس 20%
  • البطاطا 3%
  • الفجل 2%


وفي حين تبين أنّ الصحيفة ذكرت الجنسية الخاطئة للرجل النمساوي، لم يُعثر على دليل يؤكد الكفاءة البحثية للرجل الموصوف بـ “صاحب العصير المعجزة”. فهو بحسب التعريف المتداول، “مهتم بالعلاج البديل“، وله كتاب بعنوان: “علاج بروس للشفاء من داء السرطان” حقق مبيعات كبيرة وتمت ترجمته إلى لغات عدة.

ومع الإشارة إلى أنّ عصير الشمندر يحتوي على العناصر المفيدة المضادة للأكسدة والمؤثرة بشكل إيجابي في تدفق وضغط الدم في الشرايين، بحسب المعهد الوطني الأمريكي للسرطان.

ولكن بحسب دراسة منشورة في 2021، فإنّ جذور الشمندر تساعد في تخفيف الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، ولكن يستلزم لمعرفة مدى قدرة الشمندر على التقليل من الإجهاد والأعراض المرافقة للسرطان، إجراء مزيد من الدراسات.
وأكد معهد بحوث السرطان البريطاني أنّه لا توجد أنظمة غذائية لعلاج السرطان بشكل نهائي، وألًا صحة لتلك الادعاءات القائلة بوجود أنظمة غذائية معينة تعالج السرطان.


وفي إطار تتبع المنشورات، تبين خلال عملية التحقق أنّ هناك منشورات عدة تتعلق بالوقاية من مرض السرطان على موقع Pinterest.

تمّ رصد حساب باسم Nature Factory وهي شركة مقرها الكويت وفقاً لحساب الشركة الرسمي على موقع تويتر، وهو أيضاً مرتبط بحسابها على موقع “بينترست”، لديها على بينترست نحو 3300 متابع، وتعرف نفسها على حسابها الرسمي في موقعي “بينترست” و”تويتر” بأنها: “متخصصون بالمنتجات الصحية بخامات طبيعية 100 في المئة خالية من المواد الحافظة والألوان الصناعية”.

نشرت الصفحة منشوراً تحدثت فيه عن أنّ القهوة تقلل خطر الإصابة بالسرطان، وأنّ فاعليتها في الوقاية من سرطان الثدي ثبتت علمياً.



وبالبحث والتحري تمّ الوصول إلى مقالة بحثية منشورة عبر الموقع الرسمي لجمعية السرطان الأميركية، أشارت إلى أنّه لم يتم التوصل إلى نتيجة واضحة حول العلاقة بين القهوة والسرطان، ولكن اختتمت المقالة بالإشارة إلى أنّه يبدو أنّ هناك فوائد صحية لشرب القهوة بشكل عام، لكنّ المخاطر ما تزال غير واضحة، وأنّ هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم الآليات البيولوجية الكامنة وراء ارتباطات شرب القهوة، والتعرض لمادة “الأكريلاميد”، وخطر الإصابة بالسرطان.


تجدر الإشارة إلى أنّ سياسات النشر الخاصة بمنصة “بينترست” تؤكد أنّها ليست مكاناً للمعلومات المضللة أو الخاطئة أو الضارة، مشددةً على ذلك بقولها، “قد نُزيل أو نحد أو نمنع نشر مثل هذه المحتويات والحسابات والأفراد والمجموعات والمجالات التي تُنشئها أو تنشرها بناءً على مقدار الضرر الذي تشكِّله”.