أكاديميون ومستشارون سعوديون يضللون الرأي العام بتكذيب أزمة المناخ


أصبح “التغير المناخي” حديث الساعة، خاصة بعد توالي “حوادث الطقس المتطرفة”. ومع ذلك، تنتشر حسابات وتغريدات في السعودية تشكك في قضية تغير المناخ وآثارها؛ إذ رصدت معدة التقرير عدداً من التغريدات لخبراء سعوديين بمنصة “X” (تويتر سابقاً)، تحوي معلومات مضللة حول تغير المناخ.


وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تأتي في المركز الثاني على مستوى العالم في إنتاج النفط، بحسب أحدث البيانات المنشورة بموقع Worldometer. وفي دراسة أجريت بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، تحديداً على سكان مدينة الدمام بالسعودية، تشير إلى أن هناك عدم دراية ووعي كافيين بموضوع التغير المناخي لدى العديد من المشاركين في الاستطلاع، رغم أنهم أكملوا تعليمهم الجامعي.


تتضمن التغريدات المرصودة، منذ سنة 2018 إلى عام 2023، ثلاثة ادعاءات رئيسية؛ تتمثل في أن تغير المناخ يحدث نتيجة النشاط الشمسي، إضافة إلى إنكار الاحتباس الحراري، ونهاية بأن الأنشطة البشرية ليست المسبب الرئيسي للتغير المناخي.


بعد التحقق، تبين أن هذه الادعاءات مضللة، وسنعمل على تفنيدها بالتفصيل في هذا التقرير.


أولاً: تغير المناخ يحدث نتيجة النشاط الشمسي


نشر هذا الادعاء عبد الرحمن مغربي، أستاذ الفيزياء وعلوم الفضاء بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، يتابعه أكثر من 700 متابع، ويرى أن التغير المناخي يحدث نتيجة النشاط الشمسي، وأن هذا الأخير يسهم في التغيرات التي تحدث على الأرض.


ولكن هذا غير صحيح؛ فبحسب موقع ناسا، حدد العلماء أن الأنشطة البشرية هي المسبب الأول لتغير المناخ، مستبعدين الادعاء القائل بأن سبب تغير المناخ هو التأثير الشمسي أو تأثير المجال المغناطيسي للأرض.


وفي تقرير لمنصة Climate feedback، قال الباحث جورج فيولنر، نائب رئيس قسم الأبحاث في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ: “إن العلماء لم يجدوا صلة بين تلك العوامل في الادعاء والتغيرات المهمة في مناخ الكوكب، وإن التأثير الحراري الناجم عن الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي كان راسخاً”.


يؤكد هذا وكالة ناسا، التي تشير إلى أن الأدلة على ظاهرة الاحتباس الحراري الحالية لا يمكن تفسيرها بالإشعاع الشمسي، فمنذ عام 1750، ظل متوسط كمية الطاقة المنبعثة من الشمس ثابتاً أو منخفضاً قليلاً.


توصلت دراسة منشورة في موقع IOP Science، وعبر إجراء اختبارات لتحديد تأثير النشاط الشمسي على تغير المناخ المرصود، توصلت إلى أن تأثيرات تغير النشاط الشمسي لا يمكن أن تكون قد أسهمت بأكثر من 10% من ظاهرة الاحتباس الحراري التي شوهدت في العالم في القرن العشرين، مفندة هذا الادعاء.

ثانيا: إنكار الاحتباس الحراري


صاحب هذا الادعاء هو عيسى الغفيلي، يتابعه 5200 متابع، وهو رئيس مجلس إدارة جمعية نور لعلوم الفلك الموجودة في السعودية، وهو يعيد تغريد هذه الادعاءات باستمرار، التي تفيد بأن ظاهرة الاحتباس الحراري إنما كذبة، وأنه من الطبيعي أن ترتفع درجة الحرارة.

كيف يعمل الاحتباس الحراري؟

يعرّف موقع الأمم المتحدة الاحتباس الحراري بأنه ارتفاع حرارة الغلاف الجوي بفعل تراكم ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى، تسمى بالغازات الدفيئة، إذ تُعدّ الأكثر تعقيداً من جزيئات الغاز الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي، ولها بنية يمكنها امتصاص الحرارة، وتتمثل في: ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وأكسيد النيتروز، ومركبات الكلوروفلوروكربون، وبخار الماء.

يحدث الاحتباس الحراري عندما يتجمع ثاني أكسيد الكربون وملوثات الهواء الأخرى في الغلاف الجوي، وبعد أن يتمّ امتصاص أشعة الشمس، تقوم قشرة الأرض بعكسها على شكل أشعة تحت الحمراء. هذه الأخيرة عادة ما تخرج إلى الفضاء، حيث يمكنها أن تبقى عدة سنوات إلى قرون في الغلاف الجوي، مشكّلة قبة تحتبس الأشعة داخل الغلاف؛ ما يتسبب في زيادة حرارة الكوكب.



وفقاً لدراسة بعنوان “ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ: الواقع، الشكوك والتدابير”، خلصت إلى أن “ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ أمران حقيقيان، ويؤثران بشكل كبير في المحيط الحيوي”.

وأقرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “أن الأدلة العلمية على ارتفاع درجة حرارة النظام المناخي لا لبس فيها“، مرجحة أن الانحباس الحراري الملحوظ في الخمسينية الماضية يعود سببه إلى زيادة تركيزات الغازات الدفيئة.

استدل كاتب الادعاء أعلاه بدرجة الحرارة لسنة 2020 كأعلى درجة من سنة 2021، معتبراً إياه أمراً طبيعياً، لكنّ هذا غير صحيح؛ لأنه ليس من الضروري أن يتمّ تسجيل درجات حرارة أعلى في سنة مقابل سنة أخرى، حتى يُفسر بأن ارتفاع درجة الحرارة طبيعي، وأن الاحتباس الحراري كذبة، إذ كشفت الهيئة في تقييمها السادس أن الاحترار الحالي يحدث بمعدل أسرع بنحو 10 مرات من متوسط معدل الاحترار بعد العصر الجليدي، حيث يتزايد ثاني أكسيد الكربون بنحو 250 مرة أسرع مما كان عليه الحال. 


ونلاحظ أن طريقته في الادعاء تتطابق مع استراتيجية “Cherry-picking data” أو ما يسمى باجتزاء أو انتقاء البيانات لغايات التضليل؛ إذ يتمّ انتقاء بيانات تؤكد الادعاء المطروح مع تجاهل البيانات الأخرى التي تتعارض مع الموقف. وتنتمي هذه الاستراتيجية ضمن القواعد الخمس التي طورها جون كوك معتبراً إياها “التقنيات الخمس لإنكار العلم”، وتتمثل في: الخبرة الزائفة، والمغالطات المنطقية، والتوقعات المستحيلة، ونظريات المؤامرة، واجتزاء البيانات.

ثالثا: الأنشطة البشرية ليست المسبب في التغير المناخي


صاحب الادعاء محمد الصبان، وهو مستشار سابق لوزيرين من وزراء الطاقة السعوديين، وعضو المجلس الاقتصادي الأعلى بالسعودية. ويصل عدد متابعيه إلى أكثر من 80 ألف متابع، وفي تغريداته يكرّرأن الأنشطة البشرية لا تُعدّ المسبب الرئيسي في التغير المناخي.

بحسب وكالة ناسا، فإن “النشاط البشري هو سبب زيادة تركيزات الغازات الدفيئة”. وقد أجمع علماء المناخ بنسبة 97% أن البشر يتسببون في الاحتباس الحراري العالمي وتغير المناخ، وأن حرق الوقود الأحفوري أسهم في ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون على مدى القرن الماضي، وأدى إلى تطهير الأراضي لأغراض الزراعة والصناعة والأنشطة البشرية بدرجة أقل في زيادة الغازات الدفيئة.

وأكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن التقديرات تشير إلى أن الأنشطة البشرية تسببت في احترار عالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية تقريباً فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ويُرجح أن يبلغ الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052 إذا ما استمر في الزيادة بالمعدل الحالي.