ضعف وغياب الرقابة على صيد الطيور المهاجرة عبر مصر يهددها بالانقراض
يطير السمان و240 نوعا آخر من الطيور المهاجرة في سبتمبر/ أيلول من كل عام من أوروبا إلى إفريقيا، ويمر عبر مصر بحثًا عن الدفء، أملا بأن تعود في نهاية الموسم إلى موطنها الأصلي. وفي مصر يصبح وجبة على مائدة، أو مجمدة تحضر للتصدير، فتتناقص أعدادها وتصبح عرضة للانقراض.
ضعف الرقابة والتفتيش، وتوزعها بين جهات عدة، يزيد من الصيد العشوائي واستخدام وسائل مجَرمة قانونًا ضد الطيور المغردة المهاجرة، ما يعرضها للانقراض، رغم التزام مصر بالاتفاقيات الدولية للمحافظة عليها ،كونها ثاني أهم مسار في العالم للطيور المهاجرة.
11 مليون طائر الرقم التقديري لإجمالي ممارسات الصيد
(دراسة صادرة عن الجمعية المصرية لحماية الطبيعة عام 2015)
1.7 مليون طائر يتم صيدها سنويا
(دراسة صادرة عن الجمعية المصرية لحماية الطبيعة في الفترة من 2015 حتى 2018)
2.6 مليون طائر في شمال سيناء
(دراسة أعدها باحثون من وزارة البيئة وجامعة إنديانا الأمريكية من 2008 إلى 2012)
64 نوعا من أصل 188 من أنواع الطيور المهاجرة أعدادها في انخفاض
(دراسة الجمعية المصرية لحماية الطبيعة)
في مصر، 34 موقعا للطيور القادمة من قارتي أوروبا وآسيا، بينها 15 منطقة هامة للطيور المهاجرة ضمن المحميات في ثماني محافظات، أبرزها “محمية البرلس”.
خريطة تفاعلية لمواقع صيد الطيور (البرلس – جبل الزيت – دمياط)
رحلة لمناطق الصيد في مواسم الهجرة للمعاينة
الطريق من القاهرة إلى بحيرة البرلس يتجاوز 200 كيلومتر، حوالي ثلاث ساعات بالسيارة في رحلة قطعها مُعدا التحقيق، للوصول إلى أول صائد طيور على شاطئ بلطيم المُطل على البحر الأبيض المتوسط.
وهناك ينصب الصيادون شباكهم على ارتفاع خمسة أمتار وعلى أكثر من صف، في مخالفة لضوابط واشتراطات الصيد بالشباك.
انفو: اشتراطات الصيد
200 متر مسافة الشبكة عن الشاطئ
3 أمتار ارتفاع الشبكة
5 أمتار المسافة بين الشبكة والأخرى
يمنع استخدام أجهزة الصوت
يمنع الصيد داخل حدود المحميات
الستيني ثابت أبو زيد ورث هواية صيد الطيور عن والده، ويمتلك قطعة أرض مساحتها ألف متر على ساحل البحر يُعلق شباكه عليها في موسم الصيد.
يأخذ تصريحا من إدارة حرس الحدود، ويدفع 100 جنيه (5 دولارات) رسوماً للموسم، ثم ينصب شباك الصيد بمسافة لا تتجاوز 200 متر عن الشاطئ. وبحسب ثابت لا تلتزم غالبية الصيادين بهذه المسافة التي أقرتها وزارة البيئة، ونشرت في الجريدة الرسمية في 8 أيلول/ سبتمبر 2021.
فيديو 1 (ثابت يشرح طريقة الصيد)
قرار الصيد السنوي الذي تصدره وزارة البيئة بداية موسم الصيد يحدد مسافة شباك الصيد عن شاطئ البحر، إذ كانت 500 متر، وتغيرت في 2021 إلى 200 متر.
وتبرر وزارة البيئة التعديل بأن المسافة الواسعة في بعض الأماكن كانت تدخل نطاق البحيرات أو المناطق السكنية، بالتالي يصعب على الطيور أن تجد منفذا للهروب.
وتقول الوزارة إنها ستجري دراسة علمية بالتعاون مع الجمعية المصرية لحماية الطبيعة الشريك المحلي لمنظمة Birdlife international (المجلس العالمي للطيور)، لتحديد المسافة الأفضل، وضبط منظومة الصيد على أساس علمي.
الصيد بأجهزة الصوت الممنوعة
يمنع قرار تنظيم عملية الصيد السنوي الصادر عن وزارة البيئة، استخدام الأجهزة العاملة بالموجات فوق الصوتية في عمليات صيد السمان والطيور الأخرى المصرح بصيدها، لذا لا يحصل الصيادون بهذه الطريقة على تصاريح رسمية. ويقول أحد صائدي الطيور بالشباك، ومتخصصون في مجال البيئة الذين التقيناهم، إن الصيد بالصوت سيسهم في انقراض العصافير، ومنها السمان.
تقلد الأجهزة صوت الطيور المهاجرة، فتجذب الطيور نحو الجهاز، لتلتصق بالشجرة المغطاة بالصمغ (المُخيط)، وتبقى الطيور ملتصقة ساعات عدة، وقد تموت قبل جمعها، ليباع العصفور مقابل 10 جنيه (54 سنت) لأحد تجار قرية “مسطروة”.
ويعمل في القرية (يسكنها 15 ألف نسمة) 4 آلاف صياد، ومن هناك تباع محليا، أو تصدر لدول الخليج باعتبارها “مقويات جنسية ومعززات جهاز المناعة”.
يصدر الجهاز (صيني الصنع) 182 صوتا مختلفا، ويمكن تحميل مئات الأصوات الأخرى. ورغم منع استخدامها، فلا يوجد ما يمنع من شرائها عبر مواقع التسويق الإلكتروني، مثل أمازون وعلي بابا، بأسعار تتراوح بين 2000 – 6000 جنيه (107 – 322 دولار).
توجه معدا التحقيق لقرية “مسطروة”، التابعة لمركز البرلس على بعد 48 كيلو مترا عن ساحل بلطيم، بحثا بين أزقة المنازل الصغيرة المتراصة المبنية من الطوب الأبيض عن الصياد الثلاثيني شعلان (اسم مستعار)، الذي يعمل في بيع وصيانة أجهزة الصوت إلى جانب الصيد.
ويقول إنه يصطاد يوميا نحو 300 طائر، مثل: السمان، والبط، والبلبول، والشرشير، والخضاري.
وهناك عرض “شعلان” علينا شراء “صقر”، أحد الطيور النادرة والتي تمنع وزارة البيئة صيدها. اصطاد شعلان الصقور أكثر من مرة وآخرها عام 2019، وباعها مقابل 267 ألف جنيه (14.8 ألف دولار)، إذ قُسم المال على 10 شركاء ظلوا بصحبة أسرهم في الصحراء ثلاثة أشهر.
فيديو 2 (شعلان – مع تمويه الشكل)
لن تستطيع الذهاب لقرية مسطروة دون المرور بمنزل التاجر الستيني محمد الفلاح الملقب بـ “برنس الطيور المهاجرة”. يعمل في هذه المهنة منذ 54 عاما، ويصف نفسه بأنه “أهم تاجر طيور مهاجرة في مصر”.
تزقزق الطيور داخل أقفاصها المتراصة المعلقة على جدران المنزل الأمامية، وفي الداخل جدار صور الفلاح مع “صقور شاهين”، امتلكها في وقت سابق. وخلف الحائط غرفة بها ثلاجات كبيرة ممتلئة، لحفظ الطيور، ودورة مياه تستخدم في ذبح الطيور وتنظيفها.
يقول الفلاح: “مفيش حاجة في الدنيا اسمها تنقرض طول ما ربنا خلق حاجة عمرها ما تنقرض، الطير رزق من عند الله”.
طائر القمري (الجمري)، والصُفير، وعصفور التين، والدقرم الصغير، هي الأكثر طلبا في دول الخليج، بحسب الفلاح. ويصل سعر الطائر القمري 120 جنيه (6.4 دولار)، وطائر الصُفير 35 جنيه (1.8 دولار).
فيديو 3- محمد الفلاح
أعداد طائر السمان المهاجر تناقصت في منطقة شمال سيناء، حيث يتم صيد حوالي 2.5 مليون طائر سنويا تحديدا في ساحل بحيرة البردويل، والاستمرار في ممارسات الصيد الحالية ستساهم في انقراض طائر السمان المهاجر، بحسب دراسة بحثية أعدها الأستاذ المشارك في علم الأحياء بجامعة إنديانا الأمريكية عمر أتوم.
ملخص الدراسة:
- 2.5 مليون طائر سمان تم صيدها في الفترة من 2008 حتى 2012
- ارتفاع معدلات الصيد إلى 3.3 مليون طائر سمان بسبب الصيد بجهاز الصوت
- على مدار خمس سنوات اصطادت شباك صيد السمان 13229 طائرا من 45 نوعا آخر، منها المعرضة لخطر الانقراض
- عدد كبير من الطيور تموت في الشباك قبل وصول الصياد لها
- تناقص مستمر في أعداد السمان وغيره من الطيور القادمة من أوروبا
هناك 1.7 مليون طائر يتم اصطيادها سنويا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، طبقاً لدراسة أعدتها الجمعية المصرية لحماية الطبيعة (في الفترة 2015 حتى 2018).
ملخص الدراسة:
أكثر من 25 مليون طائر يتم ذبحها بشكل غير قانوني كل عام
رصد ثلاثة أنواع طيور مهددة بالانقراض تباع في الأسواق عام 2016، وفق القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وهي: الصُفير الذهبي، والقمري، والصردم الأحمر
طائر “نقشارة الخشب” الأكثر مبيعا في الأسواق بعد طائر السمان
43% من الشباك الساحلية تصطاد أنواعا بخلاف السمان، ولا يطلقها الصيادون
51% من الطيور المتواجدة في الأسواق غير مصرح بصيدها بحسب قرار الصيد
السمان والحمام، من أكثر الطيور المهاجرة طلبا في الأسواق المصرية
واحد من بين خمسة أنواع من الطيور في القارة يتجه نحو الانقراض، و344 نوعا من الطيور المحلية اختفت، وفق ما أظهره تقرير “القائمة الحمراء” الأخير في أوروبا، وتحليل منظمة “Bird life international”، وهي أكبر منظمة خيرية للحفاظ على الحياة البرية في العالم.
تسمح وزارة البيئة بصيد 21 نوعا من الطيور المهاجرة. وتبرر ذلك -بحسب رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي في وزارة البيئة أيمن حمادة- بأن هناك معيارين يتم مراعاتهما عند السماح بصيد نوع من الأنواع. الأول، حالة النوع في تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة للأنواع المهددة. والثاني، مدى احتمال هذا النوع نسبة معينة من الصيد بما لا يؤثر على أعداده عالميا، وعلى قدرته في مواصلة التكاثر والحفاظ على بقائه في الطبيعة، أم أنه أصبح معرض عالميا لخطر الانقراض، بالتالي يمكن منع صيده، لكن السمان حتى الآن غير مهدد، ويمكن الصيد منه بنسبة معينة.
بزنس الطيور المهاجرة
في محمية البرلس وحدها يتم اصطياد مليون و416 ألف طائر سمان في ثلاثة أشهر هي مدة الصيد، بعائد سنوي يصل 5.6 مليون جنيه، بحسب دراسة أعدتها وزارة البيئة. ويعتبر تصدير هذه الطيور لدول الخليج سببا آخر لزيادة حدة ممارسات الصيد، وفق الباحث البيئي مؤسس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة شريف بهاء الدين، مضيفاً أن التصدير بدأ قبل عشر سنوات، من خلال ذبح وتغليف وتجميد الطيور ثم شحنها وتصديرها.
استأنفت مصر تصدير الدواجن والطيور المحلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، طبقاً لاشتراطات، أهمها: أن تكون طيور مزارع وليست مهاجرة، ويحظر القانون رقم (4) لسنة 1994، تصدير أو استيراد أو الاتجار في الطيور المهاجرة حية أو ميتة كلها أو أجزائها أو مشتقاتها.
وتقول الباحثة في منظمة Bird life international سلوى الحلواني: “يستورد الطير لغرض الأكل مجمدا، ما يصعب معرفة إن كان طير مزارع أم سمان مهاجر أم طائر مغرد”.
المادة (28 – 1) من القانون (4) لسنة 1994 بشأن البيئة
يحظر بأية طريقة القيام بأى من الأعمال الآتية:
صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية أو حيازتها أو نقلها أو تصديرها أو استيرادها أو الاتجار فيها حية أو ميتة كلها أو أجزائها أو مشتقاتها أو القيام بأعمال من شأنها تدمير الموائل الطبيعية لها أو تغيير خواصها الطبيعية او موائلها أو اتلاف أوكارها أو إعدام بيضها أو نتاجها.
رزق السماء
“صيد الطيور المهاجرة أكل عيشنا معنديش مصدر تاني، وده رزق جايلي من السما”، عبارة كررها شعلان مرات عدة خلال حديثه، مؤكداً أنه يخرج للصيد في الصحراء بصحبة أسرته كاملة لتوفير نفقات المعيشة. يقترض نفقات سفره إلى رحلة الصيد، ليرد الدين عقب ذبح الطيور وبيعها. ليس شعلان فقط، فكل من التقيناهم من صيادين رددوا: “هذا رزقنا من السماء”.
وبحسب دراسة ميدانية أعدتها الأستاذة المساعدة في قسم علوم الحيوان بجامعة دمياط بسمة شتا، فإن بعض الأسر يعتمد دخلها على موسم الصيد، بينما باقي العام يصطادون الأسماك. ويعتبرون أن الطيور المهاجرة “رزق من السماء”. ويتراوح سعر طيور البط بأنواعه (البلبول والشرشير والخضيري) من 200 إلى 250 جنيه (12 – 15 دولار)، وهو ثمن مغر يشجع على الصيد. وبنظرها، من الصعب إقناع الصياد بتقليل الصيد حفاظا على التنوع البيولوجي ومواجهة خطر الانقراض، من دون تمكينه اقتصاديا وفكريا.
صوت صوت بسمة
الباحثة البيئية سلوى الحلواني أعدت دراسة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للصيادين أغضبت وزارة البيئة، لأنها كشفت عن غياب رقابة الوزارة على ممارسات الصيد الجائر، إذ أن 75 في المئة من هذه الممارسات مخالفة. علاوة على ذلك، أوضحت الدراسة أن غالبية الصيادين يحصلون على مبالغ بسيطة، باستثناء الصياد الذي يتاجر بما يصطاده، مضيفة أن سعر الطائر المغرد (العصفوريات الصغيرة) جنيه واحد (0.045 دولار)، وبالتالي يزداد الربح كلما زاد عدد الطيور، ليصبح متوسط دخل الصياد 500 جنيه يوميا (26 دولار).
ملخص الدراسة
75% من ممارسات الصيد تتم بشكل غير قانوني
83% من ممارسات الصيد تستخدم أجهزة الصوت المحظورة قانونا
75% من الصيادين يمارسون الصيد كنشاط ثانوي لتحسين دخلهم
11.8 مليون طائر يتم صيدها سنويا
23% من الصيادين غير متعلمين و34% أنهوا تعليمهم الابتدائي
60% من العينة البحثية يعتمد دخلها بشكل أساسي على الصيد
وينتقد مؤسس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة شريف بهاء الدين، غياب الاهتمام الكافي من المراكز البحثية بدراسة معدلات الصيد ورصده. ويؤكد أن “الجزء الأصعب والأهم في ضبط منظومة الصيد هو الجزء الاقتصادي الخاص بالصيادين، الذين تعتمد أوضاعهم الاقتصادية بشكل أساسي على الطيور، لذلك لابد من وضع حلول تتفهم الجوانب الاقتصادية لحياة الصيادين”.
ما يُنادي به بهاء الدين، طُبق على منطقة “جبل الزيت” على ساحل البحر الأحمر، التي تضم محطات توربينات لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح. يقول صابر رياض، استشاري بيئي ومسؤول ميداني لأحد مشروعات صيد الطيور الحوامة بجبل الزيت، إن بعض السكان دخلوا منظومة العمل مع الجمعيات منذ 5 سنوات، وتم تدريبهم على رصد حركة الطيور وسيرها، وذلك وفر فرص عمل مقابل عائد مادي أعلى من صيد الطيور المهاجرة.
وأشار أيمن حمادة رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي في وزارة البيئة إلى إجراء دراسة اقتصادية اجتماعية متخصصة عن أوضاع الصيادين بالتعاون مع أحد المشروعات التي كان يمولها الاتحاد الأوروبي ومرفق البيئة العالمية الفرنسي. ويقول إن وزارة البيئة بصدد الإعلان عن نتائجها لفهم دوافع الصيد والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، بالتالي “يمكن وضع بدائل”.
غياب الرقابة على الصيد
تنص المادة (45) من الدستور المصري الحالي على التزام الدولة بالحفاظ على الثروة الحيوانية، وحماية المعرض منها للانقراض أو الخطر.
صورة نص المادة الدستورية
يوضح مستشار وزير البيئة للتنوع البيولوجي سابقا مصطفى فودة أن الجهود الحكومية الحالية للرقابة على عمليات الصيد ليست كافية على الإطلاق، وأن هناك تخاذلا وتهاونا في تنفيذ القانون.
ويرى أن عملية الرقابة تحتاج إمكانيات كثيرة في ظل تواجد عدد قليل -غير كاف- من الموظفين المسؤولين عن هذه العملية.
ولفت إلى أن منظومة الرقابة تعتمد في الأساس على مسؤولية الموظف الرقيب وحرصه على تنفيذ القانون، وأن “كل مسؤول يخشى زوال منصبه، فيترك الأوضاع كما هي دون تحرك”.
ويشير إلى أن عملية الرقابة مكلفة بالنسبة لوزارة الداخلية -ممثلة في شرطة المسطحات المائية والبيئة-. كما أن موارد الدولة يتم توجيهها في أشياء محددة ليس من بينها حماية الطبيعة أو الطيور المهاجرة، لكنه في الوقت نفسه يرى أن “هناك محاولات فردية إيجابية”.
واستنكر مستشار وزير البيئة للتنوع البيولوجي سابقا، صدور قرار وزاري كل عام لتنظيم الصيد وغياب آلية تنفيذه. وشدد على أن هناك عددا كبيرا من الصيادين يصطادون الطيور المهاجرة من دون تصاريح صيد.
هؤلاء من المفترض أن يخضعوا لعقوبة مخالفة قوانين الصيد، بحسب القانون المعدل رقم (9) لسنة 2009، التي تشدد العقوبة بعد أن كانت 500 جنيه وصلت الآن 30 ألف جنيه (1610 دولار).
في المقابل، يلتزم بعض الصيادين أحيانا بحملات التوعية، بحسب فودة، مضيفا: “لكن كالعادة تعود ريما لعادتها القديمة بعد انتهاء حملات التفتيش عليهم”. ومن خلال متابعتنا قرارات وزارة البيئة المعلن عنها عبر بيانات رسمية، فإن الوزارة تهتم فقط بمحاربة الصيد والاتجار بالطيور الجارحة، مثل النسور والصقور، ولا يوجد اهتمام بالطيور المغردة والعصفوريات.
ويرى فودة الحل في إنشاء قطاع مستقل لإدارة موارد الدولة والمحميات الطبيعية، وهو المشروع الذي أعد له قانون وأرسل لمجلس النواب ومجلس الوزراء، ولكن تم حفظه.
الحل بنظره يكمن بوجود تشريع كامل “كي يصبح كل شيء له علاقة بالطبيعة في مكان واحد، تحت اسم (هيئة حماية الطبيعة)، وأن تكون ضمن هيئات وزارة البيئة”.
تعترف وزارة البيئة بالتقصير في عمليات متابعة تنفيذ تشريعات ومعايير الصيد. ويقول رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي في الوزارة أيمن حمادة: “ما زلنا نعاني من ضعف عملية المتابعة والرقابة على عمليات الصيد لضعف الإمكانيات، من حيث الموارد وتشمل إمكانيات مادية وبشرية، وسيارات لديها الكفاءة للوصول لمناطق الصيد ومتابعة أوضاعها، والإمكانيات كلها غير كافية، بالتالي نعترف بوجود مشكلة في مراقبة تطبيق المعايير القانونية للصيد خصوصا أن مشكلة تناقص أعداد الطيور، مثل السمان، أصبحت ملحوظة وأدركها الصيادون”.
لم ترصد وزارة البيئة أي مخالفات بخصوص صيد الطيور المهاجرة عام 2021
4 حملات تفتيشية لمناطق صيد طيور مهاجرة
14 من أعشاش الصقور الجارحة تم تدميرها
20 صقرا تعرضت للصيد
يقول حمادة، إن مقترح تأسيس هيئة اقتصادية لحماية الطبيعة “حلم للعاملين في القطاع يسعون على تحقيقه منذ نهاية التسعينات”. ويضيف: “هناك مجهودات وخطوات تم إنجازها بالفعل، وربما يتم استئنافها مرة أخرى بعد إنتهاء مؤتمر المناخ القادم COP27 المقرر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 في شرم الشيخ”. ويرى أن “تحول القطاع إلى هيئة مستدامة ماليا ولها مواردها الاقتصادية يجعلها تحقق دخلا جيدا، يمكنها من القيام بدورها على وجه أمثل لصون التنوع البيولوجي”.
رحلات صيد الطيور
وبخلاف صيد الطيور المهاجرة باعتباره “مهنة”، رصدنا رحلات يتم الترويج لها عبر “فيس بوك”، تهتم بـ “هواية” صيد الطيور، ولا تندرج تحت مسمى “السياحة البيئية”. هذه الرحلات تشمل الصيد بالبنادق. وهناك نوع من الخرطوش يخرج الكثير من الطلقات في نفس الوقت تصيب عددا كبيرا من الطيور، وهو محظور، ويستخدم عادة في الساحل الشمالي من العلمين حتى السلوم.
صور صفحات على السوشال ميديا
وتواصل معدا التحقيق مع أحد مسؤولي رحلات صيد الطيور المهاجرة بمنطقة الفيوم، ويدعى “أبو أحمد”. يقول إن “بحيرة قارون ممنوع فيها صيد الطيور المهاجرة، لذلك يلجأ لعمل بحيرات صناعية (برك) كي تتجمع حولها الطيور”.
وتحظر المادة (15) من قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية رقم (146) لسنة 2021، استغلال أو إقامة أية منشآت أو إجراء أية أعمال أو ممارسة أية أنشطة على الأراضي الواقعة داخل حرم البحيرات، إلا بترخيص من الدولة.
عن رحلات صيد الطيور المهاجرة المعلن عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ما ينشره الصيادون والتجار من فيديوهات عبر “يوتيوب”، يقول أيمن حمادة إن “لدينا إشكالية مع إجراءات التقاضي، حيث يتهرب الصيادون بسهولة منها من خلال الادعاء أن الحساب تم سرقته مثلا، أو أن الصور مفبركة، أو عند التحرك لضبط المخالفات في الأماكن المبلغ عنها يترك أصحابها أماكنهم، وبالتالي لا تتمكن شرطة البيئة من احتجازهم”.
التغير المناخي والطيور المهاجرة
وقعت مصر على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الطيور المهاجرة من التعرض لخطر الانقراض من أهمها اتفاقية سايتس التي تنظم التجارة في الحياة البرية وتجرم الاتجار في الأنواع المهددة بخطر الانقراض، ومنها أيضا اتفاقية صون الطيور الحوامة وأبرزها، الصقور والنسر المصري.
لكن بخلاف الصيد، توجد عوامل أخرى تُدمر موائل الطيور الطبيعية، منها التغير المناخي، بحسب شريف بهاء الدين، مؤسس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة (الشريك المحلي للمجلس العالمي للطيور). فمن خلال عمليات الرصد والمتابعة السنوية لرحلات هجرة الطيور، تغيرت نوعية الطيور وأعدادها، بعضها انخفض والبعض الآخر زاد، ورُصدت أنواع أخرى لم تكن موجودة من قبل.
هذا بخلاف تدمير الأراضي الرطبة والبحيرات -مثل بحيرات المنزلة والبرلس- التي تراجع حجمها عما كانت عليه من قبل، وأيضا الساحل الشمالي الذي لم يعد مجرد بيئة ساحلية، ولكنه أصبح بيئة عمرانية، ما يؤثر بشكل أكبر على الطيور المقيمة أكتر من المهاجرة، بحسب حديث بهاء الدين.
فيديو بهاء الدين
ويتفق معه المدير التنفيذي للجمعية المصرية لحماية الطبيعة خالد النوبي -يُعد حاليا رسالة دكتوراة عن طبيعة الطيور المهاجرة وتأثرها بالتغير المناخي-، مؤكدا على أن هذه الطيور تأثرت بالفعل نتيجة نقص موارد المياه، وزيادة درجات الحرارة، ما يهدد دورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
ومع بداية الموسم الجديد لصيد الطيور المهاجرة، لا يزال غياب الرقابة مستمرا وتائها بين جهات عدة، وسط التناقص المضطرد في أعداد الطيور المهاجرة وطائر السمان تحديدا، ليزداد القلق من أن نستيقظ يوما ما، على خريف بلا سمان.