بالفيديو.."العربي الجديد" يكشف تجارة التقارير الطبية الكاذبة في الأردن

13 أغسطس 2015

عمان – هبة أبو طه

10 أغسطس 2015

العربي الجديد- لم يتبادر إلى ذهن المواطن الأردني، حمزة (اسم مستعار)، أن يقع في فخ مصيدة نصبها لغيره، وألاعيب كان يمارسها على أبرياء لم يقترفوا ذنبا، إذ اعتاد الاحتيالَ القانونيَّ على خصومه، مستندا إلى غطاء طبي رسمي، يضمن له النجاة من أفعاله. في كل مرة يحتاج حمزة إلى غطاء لأفعاله، يلجأ إلى أحد الأطباء ذوي القرابة، للحصول على تقرير طبي، يمكنه من تحويل من يعتدي عليهم إلى متهمين بدلا من أن يكونوا ضحايا خلافه أو مشاجرته معهم، ما يجبر خصومه على التفاوض معه لإسقاط حقه في التقاضي. يقول حمزة، الذي احترف تزوير التقارير الطبية، لـ”العربي الجديد”: “الطريقة الأخرى للحصول على التقرير الكاذب، دفع مقابل مادي لمركز صحي أو طبيب في مشفى، حتى يتم إقرار المقابل بحسب حجم الأذى الذي أود إلحاقه بآخرين. هذا الأمر كاف لإنقاذي من أية مشكلة”.

اعتاد حمزة التشاجر، بعد اكتشافه وسيلة التقارير الطبية الكاذبة والمزورة، التي أصبح يستخدمها بكثرة ليخرج هو من المساءلة القانونية ببساطة، كما كشف لـ”العربي الجديد”. بعد كل مشاجرة يجلب حمزة تقريراً طبياً يتضمن معلومات كاذبة ليضع المشتكي أمام خيارين، إما السجن أو التنازل عن حقه، ويضيف: “شكوى مقابل شكوى، كنت أحقق غايتي، لم أشعر بالضرر والأذى حتى أمسيت يوماً مجنياً عليه، إذ أصبحت مهدداً بتقرير طبي كاذب ضمن معادلة (ضربني وبكى سبقني واشتكى)”.

حمزة واحد من أربع حالات وثقها التحقيق لمتضررين من تقارير كاذبة ومزورة في عمان وبلدة الشونة (تبعد عن عمان 35 كلم). يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، عن خرق أطباء أردنيين للدستور الطبي الأردني وقانوني نقابة الأطباء ووزارة الصحة، بإعطاء تقارير طبية (يطلق عليها في المحكمة شهادة طبيب أو مصدقة) تتضمن معلومات كاذبة ومزورة من شأنها الإيقاع بأبرياء، والتسبب بضياع حقوق آخرين، مقابل مبالغ مادية، يحدث ذلك وسط غياب الرقابة على الأطباء من قبل نقابة الأطباء ووزارة الصحة، وانتظار الجهتين شكوى المواطنين المتضررين، للتحرك نحو ملاحقة الأطباء الذين يمتهنون تزوير الحقائق ببيعهم مثل هذه التقارير.

سوق التقارير الطبية المزورة
يمكن تعريف التقرير الطبي القضائي بأنه شهادة خطية تصدر عن الأطباء عموماً، والطبيب الشرعي بصورة خاصة، وتتضمن جميع المعلومات والمدلولات، التي يتوصل لها الطبيب بعد المعاينة الطبية في أي موضوع له علاقة تخص الجهات التحقيقية والقضائية، بحسب ما قاله لـ”العربي الجديد” الطبيب في المركز الوطني للطب الشرعي، همام قطاونة.يتابع قطاونة: “لا بد من توضيح أن كل شهادة مصدقة أو تقرير طبي قد يصبح قضائياً، حتى لو وضعت أعلاه عبارة تقرير طبي غير قضائي، أي لغايات علاجية أو الاستشارات الطبية أو حتى الإجازات المرضية، إذ تعد كلها شهادات خطية صدرت عن طبيب مرخص لديه ترخيص مزاولة مهنة، وتتضمن إفادة بحالة صحية لمريض ما سبق معاينته والكشف عليه من قبل الطبيب ذاته، ومن الممكن أن تعتمد الجهات القضائية ذلك التقرير ليصبح قضائياً خلافاً للغاية التي صدر من أجلها، إذا ما ارتأت ذلك”.

اختار “العربي الجديد” 20 مركزاً وعيادة طبية بشكل عشوائي من عدة مدن في الأردن، هي العاصمة عمان، الزرقاء (تبعد 45 كيلومترا شرق عمان)، الرصيفة (مدينة أردنية تقع في محافظة الزرقاء)، والفحيص (تتوسط مدينتي عمّان والسلط وتبعد عن المدينتين أقل من 13 كلم)، تمت زيارة المراكز من قبل معدة التحقيق، مدعية حاجتها إلى تقرير طبي كاذب. عبر الكاميرا السرية وثقت “العربي الجديد” إصدار 65% من العينة، تقارير قضائية قانونية تضمنت معلومات مصدقة كاذبة مقابل مبالغ مالية تراوحت بين (5 – 20) دينارا أردنيا، بينما وافق 15% من جهات العينة التي تحفظ “العربي الجديد” على أسمائها، على بيع تقارير كاذبة، فيما لم تكمل معدّة التحقيق الشراء، في مقابل رفض 20% من هذه الجهات بيع مثل هذه التقارير الطبية.

يكشف استبيان غير علمي أعد لصالح التحقيق، بمشاركة 100 شخص من عينة عشوائية، شراء 72% من المستطلعة آراؤهم تقارير طبية مزورة وكاذبة، تم تقديم 49% منها إلى القضاء مقابل 18% منها تم تقديمه إلى مكان عمل الأشخاص المستطلعين، و33% قدمت إلى الجامعات.


عدد من التقارير الطبية الكاذبة استصدرتها المحررة من جهات صحية متعددة في الأردن (العربي الجديد)

تضليل الطب الشرعي

لم يتردد الأطباء الذين تمت زيارتهم، في كتابة تقارير طبية كاذبة، طالما تم الاتفاق على المبلغ المطلوب لبيع التقرير، لكن بعض هؤلاء الأطباء خشوا من افتضاح أمرهم فحاولوا تضمين شهاداتهم الطبية بإصابات يصعب على الطبيب الشرعي التأكد من حدوثها، بسبب الفترة التي يستغرقها ملف القضية بالمحكمة، إلى حين إرساله إلى الطبيب الشرعي الذي يقوم بدوره بإصدار تقريره القطعي بالاعتماد على التقرير الطبي الأولي الذي يمكن شراؤه من الجهات السالف ذكرها (الأطباء والمستشفيات والمراكز الصحية).

تُعَرَّفُ مدة التعطيل بأنها الفترة الزمنية التي تحتاج إليها الإصابة للوصول إلى مرحلة الشفاء، وتحدد المحكمة المختصة مدة التعطيل لإرسال ملف القضية إلى المحكمة المختصة، إذ تقول المحامية، لين الخياط، لـ”العربي الجديد”: “إذا كانت مدة التعطيل أقل من 21 يوما يتم إرسال ملف القضية إلى محكمة الصلح (جنح)، وأزيد من ذلك ترسل إلى محكمة الجنايات”.

“لم يتردد الأطباء الذين تمت زيارتهم، في كتابة تقارير طبية كاذبة، طالما تم الاتفاق على المبلغ المطلوب لبيع التقرير، لكن بعض هؤلاء الأطباء خشوا من افتضاح أمرهم “

إحدى العيادات الكائنة في منطقة “الغاردنز”، غربي العاصمة عمان، أصر طبيبها (سجّل “العربي الجديد” المحادثة صوتا وصورة) على أن تكون مدة التعطيل والضرر، الناتجة عن الإصابة، في التقرير الكاذب الذي اشترته كاتبة التحقيق لا تتجاوز بضعة أيام، مبرراً ذلك بأن الطب الشرعي سوف يكشف على الإصابات لمعاينتها، مقترحاً أن تكون الإصابة المدرجة “ألماً في الفخذ نتيجة كدمة” كي يصعب على الطب الشرعي الكشف عليها والتحقق منها نتيجة اختفائها خلال مدة التعطيل، وشدد على أن التقرير سيكلّف عشرين ديناراً “لأنه تقرير رسمي”.

تجربة أخرى في مدينة الزرقاء، التي تبعد عن العاصمة عمان 45 كلم شرقاً، اقترح الطبيب كتابة تقرير بإصابات تتزامن مدة التعافي منها مع مدة تحويل الشكوى إلى الطب الشرعي لإصدار تقرير قطعي، كما عرض أيضاً أن يهاتف طبيباً شرعياً يعرفه لتسهيل إجراءات التقرير القطعي بما يتناسب مع تقريره.

ومنح أحد الأطباء، الذين جرت زيارتهم، معدة التحقيق تقريراً طبياً يفيد بأنها تعاني من تمزق في مشط القدم اليسرى دون اكتراث لفترة العطل والضرر أو لكشف الطب الشرعي، مقابل عشرة دنانير فقط.

المحامية، لين الخياط، التي تعاملت مع العديد من قضايا التقارير الطبية الكاذبة، تحذر من خطورة التقارير الأولية في الحالات التي تتضمن وصفا غير حقيقي للإصابة، ومعلومات مشوشة وغير حقيقية، مما يتطلب جهداً كبيراً لزعزعة ثقة المحكمة في التقرير الطبي، وترتفع نسبة الخطورة عند استصدار أحد الأشخاص تقريرا نتيجة خلافات شخصية أو نوايا كيدية بين المشتكي والمشتكى عليه، لتصل في  التقارير في ما بعد إلى ادّعاء إحداث عاهة دائمة لدى الشخص المتعرض للضرب أو الاعتداء، وتكييف تلك القضايا أحيانا إلى شروع بالقتل بالاعتماد على التقرير الطبي الأولي على حد قولها.

ويوافق الخياطَ رئيسُ قسم الطب الشرعي في الجامعة الأردنية، عماد العبدالات، والذي حذر في تصريح لـ”العربي الجديد” من تبعات هذه التقارير، وطالب بتحويل المصاب أو المصابة في مراحل بدائية ومبكرة إلى الطب الشرعي مباشرة للفحص، وأضاف:”للأسف نعتمد أحيانا على التقارير الطبية الأولية ولا نستطيع السيطرة على إصدارها لأحقية كل شخص بالذهاب لمركز طبي أو عيادة أو مستشفى وعمل هذا الفحص، لكن إذا تم تحويل مدعي الإصابة إلى الطبيب الشرعي خلال مدة قصيرة، نستطيع التأكد حينها من وجود الإصابة من عدمه، وتحديد فترة التعطيل، بعكس ما يحدث من تحويل مدعي الإصابة بعد فترة طويلة إلى الطب الشرعي مما يجعل الكشف على الإصابات والتأكد من حدوثها أمراً صعباً في حالة الإصابات البسيطة، فمثلا لو حول لي شخص يدّعي إصابته بكدمات أو سحجات بعد عشرة أيام من حدوثها، لا أستطيع، كطبيب شرعي، التأكد من حدوثها أم لا”.

ويؤكد الطبيب الشرعي، همام قطاونة: “لا يتم إصدار الحكم في القضية، إلا بحصول المصاب على تقرير طبي قطعي، وفي حالات عدم وجود المصاب أو اختفائه أو سفره خارج البلاد، يتم انتخاب طبيب شرعي ليطلع على التقارير الطبية الموجودة في القضية ويقدر مدة التعطيل بناء على ما يراه”.

المحامية لين الخياط


المستشفى الخاص مهرباً

يعمد بعض الراغبين في شراء التقارير الطبية الكاذبة والمزورة إلى الإقامة بمستشفيات خاصة، والاتفاق مع أطباء بها للحصول على مصدقة تقارير يمكن استخدامها ضد خصومهم، يتضح ذلك من تفاصيل قصة حمزة، الذي قال لـ “العربي الجديد”: “أوقفت مركبتي بشكل مخالف للقانون، بعد دقائق توجه شرطي سير نحوي وبدأ بتحرير مخالفة فجادلته محاولا إقناعه بإلغائها، انهال عليّ بالشتائم، مما أدى لوقوع مشادة كلامية بيننا انتهت بالاعتداء عليّ وتقديم شكوى كيدية ضدي في المركز الأمني، معززة بتقرير طبي أولي ادّعى فيه الشرطي إصابته بارتجاج بالدماغ. اخترتُ خلاصي على سنوات السجن، أقمتُ في مستشفى خاص في العاصمة عمان (يحتفظ “العربي الجديد” بالاسم) سبعة أيام بناء على اتفاق بيني وبين طبيب يعمل فيها، زودني بعد ذلك بتقرير طبي تضمن شهادة بخطورة حالتي ومعاناتي من رضوض وكسور مقابل أجر بلغ 1200 دينار أردني”.

“يقول الطبيب الشرعي، همام القطاونة، إن هذه التقارير تتدخل في ميزان العدالة، وتساوي ما بين الجاني و المجني عليه أمام الجهات القضائية والتحقيقية، خاصة عند ذكر إصابات غير موجودة”

وفي حادثة أخرى، لجأ شاب إلى مستشفى خاص في العاصمة عمان لينجو من المحاسبة بعد دهسه آخر، إذ استصدر تقريرا يفيد بإصابته بالعمود الفقري وارتجاج بالدماغ، وأنه محجوز بالمستشفى من فترة.

كتب نجل الفقيد على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) مطالبا الحكومة باتخاذ الإجراءات الرسمية بحق الشاب، وفي التفاصيل قال: “المتسبب بالحادث هو طالب جامعي يحمل جنسية عربية كان يقود سيارته بسرعة جنونية، ودهس والدي وفر بعدها من موقع الحادث تاركا أبي ينزف لمدة تجاوزت نصف الساعة، مما أدى إلى وفاته. وقام الشاب حينها بتسليم نفسه إلى سفارة بلاده على الأراضي الأردنية، التي حولته إلى المستشفى الخاص بعد تنسيق، قدم تقريرا طبيا كاذبا للجهات المعنية يفيد بإصابته بالعمود الفقري، وتقريرا آخر يدّعي إصابته بارتجاج بالدماغ”.

يؤكد عماد العبدالات على وجود تجاوزات في بعض المستشفيات قائلا لـ”العربي الجديد”: “يلجأ بعض المتهمين إلى مستشفيات معينة تعطيه تقريرا كاذبا يجعله متضررا، رغم عدم إصابته، لإنقاذه من التوقيف الأمني”.

ويدلل العبدالات على صحة كلامه بواقعة حدثت معه: “أحيانا يدرك الادعاء العام التجاوز، ففي مرة تم انتدابي كطبيب شرعي لمعاينة طرفين وقعت بينهما مشاجرة، تم حجزهما في مشفى، تبين أن شك الادعاء العام في محله، إذ كان أحدهما يعاني من إصابة وتحتاج حالته للمتابعة، أما الآخر فلم يكن يعاني من أية إصابات، وتم حجزه في المشفى بناء على اتفاقه مع طبيب هناك”.

وسيلة للإيقاع بآخرين

يسرد هاني، وهو مدرس سابق في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، لـ “العربي الجديد”، قصة افتراء أحد الطلبة عليه قائلا: “رفض طالب الخروج من الصف خلال فترة الاستراحة، صدرت منه ردة فعل عدائية وتحدٍّ ضدي. نهرته دون أن أتسبب له بأي أذى. هرب خارج أسوار المدرسة ليعود بعد مدة لا تتجاوز الساعة مع والده، الذي حاول الحديث مع المدير ولم يستطع لانشغال الأخير، فتوجه الوالد إلى مستشفى قريب من المدرسة في منطقة الشونة (بلدة أردنية تبعد عن العاصمة عمان 35 كلم) وجلب منها تقريرا طبيا كاذبا يفيد بوقوع اعتداء على طفله، فاحتُجِزْتُ على خلفيته في مركز السلط الأمني”.

يضيف: “بعد وساطات عديدة تمكنت من الخروج بكفالة، وعند مثولي أمام القضاء أبلغت القاضي بما حصل وقدّم زميل لي شهادته تحت القسم أمام المحكمة بعدم قيامي بالاعتداء على الطالب، ليكون رد القاضي: (أمامي تقرير طبي لا أستطع تجاهله وعدم الأخذ فيه)”. انتهت قضية هاني بصلح عشائري، على ذنب لم يقترفه، مما جعله ينتهي إلى قناعة بأن “القانون قائم على أوراق حتى وإن كانت كاذبة”، متمنيا أن يكون الأطباء أكثر صدقاً وإنسانية”.

تدخّل في ميزان العدالة

يقول الطبيب الشرعي همام القطاونة إن هذه التقارير تتدخل في ميزان العدالة، وتساوي ما بين الجاني والمجني عليه أمام الجهات القضائية والتحقيقية، خاصة عند ذكر إصابات غير موجودة. ولفتت المحامية، لين الخياط، إلى انتشار التقارير الكاذبة، التي تتسبب في عقوبات كبيرة لأبرياء، مشددة على ضرورة وجود مساءلة حقيقية من قبل منظومة العدالة، إضافة إلى وجوب تفعيل دور وزارة الصحة ونقابة الأطباء لتنظيم عملية استصدار التقارير الطبية.

يوضح العبدالات بأن مثل هذه التقارير قد تؤثر على أشخاص من الناحية الجزائية والحقوقية والتعويضية، “فكلما دلت الإصابات، الموصوفة بالتقرير، على أضرار خطرة وشديدة، وبمدة تعطيل أطول، تعرض الشخص المتهم إلى الإحالة إلى محكمة الجنايات الكبرى، يمكن أن يعاقب بعقوبات شديدة”.

ويدعو العبدالات كل من يعرف أطباء يمتهنون هذه الطرق، إلى الإبلاغ عنهم لوزارة الصحة أو نقابة الأطباء أو حتى للجهات القضائية، لإحقاق العدل، “فـمن غير المعقول أن ينام المصاب في السجن، بينما المتهم الحقيقي ينام في مستشفى توفر له خدمات فندق خمس نجوم”، على حد قوله.

يوافق ما قاله العبدالات ما جاء في نتيجة الاستبيان الذي قامت به معدة التحقيق، إذ أكدت 80% من العينة العشوائية، التي استطلع رأيها، أن التقارير الطبية وسيلة فعالة لتبرئة الجاني من أفعاله على حساب المجني عليه.

انتهاك أخلاقيات وقوانين المهنة

تنص الفقرتان “ب” و “و” من المادة الرابعة عشرة، من الدستور الطبي الأردني، على ضرورة التأكد من شخصية طالب التقرير الطبي، إضافة إلى توخي الطبيب الدقة والموضوعية عند إعداده التقرير الطبي، واعتبرت الفقرة “ط” قيام الطبيب بإعطاء تقرير طبي مغرض، أو بقصد المجاملة، خطأ يحاسب عليه. وحظر البند السادس من المادة العاشرة من الدستور الطبي على الطبيب إعطاء أية مصدقة أو تقرير طبي دون أن يسبق ذلك فحص طبي.

ومن جانبه يؤكد الطبيب القطاونة على أن مهنة الطب إنسانية، ومساندة للقضاء ولا بد من إعطائها البينة الطبية الصحيحة للحكم في أية قضية تمس حياة أو صحة الإنسان، ولا يجوز استغلالها لضياع حقوق البشر.

ويصف العبدالات قيام أطباء بإصدار تقارير مقابل أجر مادي بـ”الكارثة” من ناحية أخلاقيات الطبيب ذاته، الذي أقسم على أن يقوم بمهمته بصدق، ويضيف: “إذا قام الطبيب بكتابة معلومة غير موجودة لدى الشخص المصاب، فإنه يقع بفعل يتنافى كليا مع أخلاقيات مهنة الطب ومع الأخلاقيات بشكل عام، ويتعارض مع القسَم الطبي، ويتوجب في هذه الحالة إعادة تأهيل الطبيب وتلقينه أخلاقيات المهنة”.

وبدوره، أشار وزير الصحة ونقيب الأطباء الأردنيين السابق، ممدوح العبادي، إلى وجود أطباء ضحوا بحياتهم ووقتهم وأطفالهم لخدمة الإنسانية، مرجعا ما كشف عنه التحقيق إلى عدم وجود طريقة يتم من خلالها فحص أخلاقيات المتقدمين إلى كلية الطب على حد قوله.

وأوضح العبادي أن محاسبة الطبيب المخالف تتم من قبل القضاء والنقابة وهيئة مكافحة الفساد، التي تحقق بهذه الموضوعات، مضيفا في الوقت ذاته، أن سلطتي الدولة والنقابة لا تستطيعان محو كافة التجاوزات تماما، لكن تعملان على “تجفيف الكثير من منابع هذه التصرفات”، مؤكدا على “ضرورة ألا يكون العلاج بوضع الرأس في الرمل، وترك الأمور تسير على ما هي عليه، بل بمتابعتها يوميا في القوانين والتشريعات والعقوبات واستحداث ما يلائمها”.

وشددت المحامية الخياط على ضرورة وجود رقابة حقيقية على أقسام الطوارئ والمستشفيات عند إصدارها التقارير الطبية، وتحقيق نوع من تنظيم هذا القطاع، حتى لو اضطر الأمر إلى زيادة الكادر، مبينة أن الطبيب يواجه جرم إصدار تقارير مصدقة كاذبة يعاقب عليها بموجب قانون العقوبات، عند إصداره هذه التقارير.

تنص المادة رقم 266 من قانون العقوبات الأردني على أن من أقدم حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية أو أية جهة أخرى على إعطاء مصدقة كاذبة معدة لكي تقدم إلى السلطات العامة، أو من شأنها أن تجر لنفسه، أو لغيره، منفعة غير مشروعة، أو تلحق الضرر بمصالح أحد الناس، ومن اختلق بانتحاله اسم أحد الأشخاص المذكورين آنفاً أو زور تلك المصدقة أو استعملها، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وإذا كانت التقارير المصدقة الكاذبة قد أعدت لتبرر الإعفاء من خدمة عامة، أو لتبرز أمام القضاء، فلا ينقص الحبس عن ستة أشهر، وفي الحالة الأخيرة لا يجوز للمحكمة استعمال الأسباب المخففة أو وقف تنفيذ العقوبة. وإذا ارتكب هذه الجريمة أحد الناس خلاف من ذكر في ما سبق فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر.

التقارير بعد تصديقها من الجهات المختصة (العربي الجديد)

3 دنانير للتصديق الطبي

قامت معدّة التحقيق بتصديق أربعة تقارير طبية كاذبة في نقابة الأطباء، تفيد التقارير بوقوع اعتداء على معدّة التحقيق، ودُفع مبلغ قدره 12 ديناراً أردنياً (17 دولاراً أميركياً مقابل تصديق التقارير الأربعة)، ولم يكترث الموظف الذي يصادق على التقرير لتقارب تواريخ استصدار التقارير للشخص نفسه أو اختلاف العمر للشخص نفسه، في كل واحد منها، بعد ذلك توجهت معدّة التحقيق إلى مديرية صحة العاصمة عمّان، التي صادقت على التقارير الكاذبة بعد ختم النقابة من دون إلقاء نظرة على مضمونها.

“اكتفت وزارة الصحة بالرد بالقول إنها (لا تصادق على المعلومات الواردة في التقرير، وإنما تصادق على أن الجهة التي منحته مرخصة من قبل الوزارة)”

 اكتفت وزارة الصحة بالرد على ذلك بالقول إنها “لا تصادق على المعلومات الواردة في التقرير، وإنما تصادق على أن الجهة التي منحته مرخصة من قبل الوزارة، أما المعلومات الواردة في التقرير الطبي فتتحمل مسؤوليتها الجهة المانحة له”. وبحسب رد وزارة الصحة على طلب حق الحصول على المعلومة المقدم من قبل موقع وصحيفة “العربي الجديد”، فإنها لم تستقبل شكاوى تتعلق ببيع أطباء تقارير كاذبة منذ عام 2010 إلى تاريخ كتاب الرد الموافق 24 مايو/أيار 2015، وردت الوزارة عن استفسار حول اللجان التفتيشية من قبل الوزارة على المراكز الصحية والمستشفيات للتأكد من التزامها بالقانون أو تصحيح أوضاع سابقة تخص الأمر، بالقول: “اللجان تشكل وفقا للحاجة”.

وقال مسؤول مديرية ترخيص المهن والمؤسسات الصحية في الوزارة، قاسم رحاحلة، لـ”العربي الجديد”: “ملايين من المراجعين يستصدرون تقارير طبية، ونحن كوزارة لا نستطيع متابعتهم يومياً وملاحقتهم، لكننا لن نتهاون في حال وصلتنا شكاوى عن قيام أطباء بهذا الفعل، ونحن مستعدون للتحقق من التقارير بطرقنا وتحويل الطبيب للنائب العام والقضاء حال ثبت تزييفه الحقائق بالتقرير”.

و”تتمثل رقابة وزارة الصحة بالتفتيش الدوري لضمان الالتزام بشروط الترخيص الممنوحة والمتطلبات الفنية للمؤسسة المرخصة، والتفتيش على المؤسسات الصحية غير المرخصة، إضافة إلى متابعة التفتيش، للتأكد من تنفيذ التوصيات في الزيارات السابقة، لتلافي المخالفات، وتصويب الأوضاع، والتفتيش بناء على شكاوى مقدمة بحق أية من المؤسسات الصحية في القطاع الخاص، أو على المزاولين للمهن الصحية”، بحسب كتاب الرد.

قدمت كاتبة التحقيق طلبا مكتوبا إلى نقابة الأطباء الأردنيين للرد على الحقائق، التي كشفها التحقيق، وبعد وقت طويل من الاتصال مع نقيب الأطباء الدكتور، هاشم أبو حسان، وتقديم الاستدعاء تلقت معدّة التحقيق اتصالا من النقابة، وطلب منها الحضور لعرض استفساراتها على مجلس النقابة، والاتفاق على موعد لأخذ ردهم إزاء مسؤوليتهم من قيام أطباء ببيع تقارير، ودور اللجان التفتيشية.

التقت معدة التحقيق باثنين من مجلس نقابة الأطباء الأردنيين. طلبا في البداية أسماء الأطباء والوثائق، رفضت معدة التحقيق التزاما بأخلاقيات المهنة، مما جعلهم يقولون:” إن أعطيتِنا أسماء الأطباء ممن منحوكم تقارير كاذبة سنجيب، بالإضافة إلى التسجيل الخاص بالأمر، وإن لم يكن فإن التحقيق كذب وغير حقيقي وتشويه للجسم الطبي”.

أحدهما، وهو الطبيب باسم كسواني، عضو مجلس نقابة الأطباء، قال لـ “العربي الجديد”: “كل من يتعدى على الجسم الطبي الأردني سنقاضيه، وخاصة الصحف والمواقع غير الأردنية”. وقد رفضا الإدلاء بادعاءاتهما أمام الكاميرا، ونحتفظ بالتسجيل الصوتي الذي ورد به هذا الرد. تعلق المحامية، لين الخياط، بالقول إن سهولة الحصول على تقارير طبية مزورة، تساعد على فتح المجال لغايات الافتراء على الأشخاص، فيما شدد كل من الطبيبين العبدالات والقطاونة على ضرورة توخي الأطباء الصدق والموضوعية، وتحمل نتائج أية شهادة كاذبة.


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *