عمان- “أعطاني حبة مخدر على أنها ريفانين للتخفيف من صداعِ رأسي الشديد… وعندما استيقظت وجدت نفسي في منزله وعلى فراشه وهو بجانبي… أدركت حينها أن حياتي انتهت هنا “بهذه الكلمات تروي العشرينية نهلة (اسم وهمي) وهي تتنهد بكاءً؛ قصة اغتصابها من قبل رب العمل الخمسيني الذي كانت تعمل بائعة في محله.
نهلة قررت أن تلتزم الصمت الذي لم يعد ممكنا بعد أن اكتشفت بأنها حامل بجنين كان ثمرة لجريمة اغتصابها، راجعت المجرم علّه يصلح ما اقترفه بالزواج منها، فرفض وأنكر ما حصل. دفعها الأمر لمحاولة إجهاض الجنين أكثر من مرة، لكن محاولاتها باءت بالفشل.
وضعت المرأة المكلومة جنينها في غياب والده، وكشف أمرها أمام أهلها، الذين تبرأوا منها واعتبروها المسؤولة عن ما حدث، وقاموا بتحريك شكوى أمام المحكمة بجرم الاغتصاب، ليستغل الجاني القصور التشريعي في المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، التي تُشجع الجاني على الزواج من ضحيته مقابل وقف تنفيذ العقوبة التي تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤقتة من سبع سنوات إلى الإعدام.
زواج نهلة، لم يصمد مع مغتصبها أكثر من ثلاثة أشهر، واصفةً تلك الأشهر “بعيشة الخدم والذل والإهانة والمعاملة السيئة فلا مشاعر زوجية ولا احترام”، متحملةً كل ذلك مقابل تسجيل نسب طفلها.
وللخلاص من هذه الحياة، ساومها زوجها/ مغتصبها على الطلاق مقابل الإبراء، أي تنازلها عن جميع حقوقها القانونية والشرعية، بشرط أن يعترف الزوج بنسب الطفل له. لم يكن ذلك سوى وعد لم ينفذ؛ فبمجرد طلاقها منه تهرب الزوج/ المغتصب من تسجيل نسب الطفل؛ مستغلا عدم وجود نص في قانون الأحوال الشخصية يجبره على إثبات النسب، رغم تأكيد نسب الطفل إليه عبر تحليل حمض الـ DNA الذي أجرته نهلة لطفلها. لأن نص المادة 157 في قانون الأحوال الشخصية لا يعتد لإثبات النسب إلا بوجود زواج صحيح وإقرار الأب بغض النظر عن نتائج فحص الحمض النووي، وبهذا يكون أفلت مغتصب نهلة من عقاب بالإشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة جراء جريمته وما نتج عنها.
كاتبة التحقيق، تتبعت معاناة خمس نساء اغتصبن ثم زوجن وفق منطوق المادة 308 من قانون العقوبات الأردني التي تنص على وقف ملاحقة المغتصب أو تنفيذ عقوبة بحقه تتراوح بين السجن بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة سبع سنوات والاعدام، بمجرد إبرام عقد زواج صحيح مع ضحيته. واقع يسلب المغتصبة حقوقها القانونية في التعويض المادي والمعنوي، ويحرمها من حياة أسرية، وزوجية سليمة، إضافة إلى صعوبة إثبات نسب مولودها من المغتصب بالاستناد لنصوص قانونية لا تجد طريقها للتعديل، ما يفتح المجال أمام الجاني للإفلات من العقاب.
نهلة ليست الوحيدة التي تسبح في بحر معاناة اغتصابها، وما تبعه من زواجها بالمغتصب، فإحصائيات وزارة العدل لآخر أربع سنوات تكشف عن وجود 159 قضية اغتصاب وهتك عرض ومواقعة أنثى تم فيها إفلات الجاني من العقوبة استنادا للمادة 308 من قانون العقوبات، بعد زواجه من المجني عليها وبنسبة وصلت 2.8 % من مجمل قضايا الاغتصاب وهتك العرض ومواقعة انثى البالغة 5654 قضية، منها 1029 ما زالت منظورة أمام القضاء، ولم يتسن لنا معرفة قرارات الحكم في القضايا المفصولة لعدم أرشفتها آليا في المحاكم.
ومع شبه ثبات في العدد الكلي لحالات الاغتصاب في الأردن سنويا عند 300 حالة، إلا أن قضايا هتك العرض ارتفعت من 1004 العام 2011 إلى 1360 العام 2012 وفق أرقام وزارة العدل.
في المقابل، يشكك الرئيس السابق للمركز الوطني للطب الشرعي الدكتور مؤمن الحديدي في الأرقام الرسمية لحالات الاغتصاب كون نسبة التبليغ عن حالات الاغتصاب لا تزيد على 15 % منها، خوفا من الفضيحة المجتمعية.
وبحسب قاضي محكمة الجنايات الكبرى فوزي النهار، ثمة موانع تحول دون استخدام المادة 308، منها إذا كانت المجني عليها متزوجة، أو كان الجاني يمنعه الزواج منها رابط دم أو نسب، أو في حال عدم بلوغها السن القانونية، أو اختلاف الديانة بين الجاني والمجني عليها، كذلك لا يمكن تطبيقها في جرائم هتك العرض؛ إذا كان الجاني والمجني عليه من الذكور أو الإناث لاستحالة عقد زواج صحيح بينهما.
طفل المغتصبة بلا نسب
خمس سنوات قضيت، فشلت خلالها نهلة في إثبات نسب طفلها البالغ من العمر 5 أعوام رغم رفعها دعوى على مغتصبها لإثبات نسب طفلها لدى المحكمة الشرعية معززة بفحص الحمض النووي (DNA)، إلا أن المحكمة الشرعية لا تأخذ به، في ظل عدم اعتماد قانون الأحوال الشخصية فحص (DNA) كدليل تُجبر المغتصب على تسجيل الطفل باسمه، إلا إذا كان مقترنا بفراش الزوجية والإقرار.
تعلق نهلة وهي تبكي بحرقة: “ابني يكبر اليوم بعيداً عني.. فعندما وقع الطلاق ورفض الأب الاعتراف به واثبات نسبه … انتزعته إدارة حماية الاسرة رغما عني…لكونه مجهول النسب رسميا”.
تستأنف كلامها وهي تتنهد “… القاضي الشرعي كان متعاطفاً مع طليقي… وكان يرى فيه الضحية، وأنا المتهمة…”.
يفسر القاضي الشرعي السابق سليم النصري، سبب عدم أخذ قانون الأحوال الشخصية بفحص الحمض النووي(DNA) بـ”وجود احتمالية خطأ واحد بالمليون في نتائجه، إلا إذا أقر الرجل بأن هذا الطفل ابنه، أو انه ناتج عن زواج شرعي عندها فقط ينسب له المولود، وفي حال قال الزوج إن الطفل ناجم عن زنا لا يصار إلى إثبات نسبه، وذلك بحسب المادة 157 من قانون الأحوال الشخصية”.
المحامية ومديرة مركز ميزان لحقوق الإنسان ايفا أبو حلاوة، ترى بأن هناك “ثغرة قانونية في قانون الأحوال الشخصية تربط إثبات نسب الطفل بإقرار والده بوجود زواج صحيح، وفي حالات الزنا والاغتصاب لا يثبت نسب الطفل الناتج عنهما، إلا باعتراف والده بأنه ناتج من زواج شرعي صحيح، فالمحكمة لا تعتد بالحمض النووي، الذي يهدف فحصه لتحديد هوية المجرم في هكذا قضايا”.
تحذر أبو حلاوة من استمرار عدم الأخذ بفحص الحمض النووي، ومنح الطفل مجهول النسب اسما وهميا على الرغم من معرفة والده، ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب.
في المقابل، يرى المفكر الإسلامي الدكتور حمدي مراد ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية في إثبات النسب ليتفق مع المنظور الإسلامي، فيجب على المغتصب أن يتحمل نسب هذا الحمل كون الاغتصاب كان بشروطه، وهو من أقدم عليه، فإذا ثبت قطعيا انه يمكن إثبات النسب من خلال فحص (DNA) فالإسلام لا يرفض ذلك، خاصة إذا ثبت علميا أن هذا الفحص لا يمكن أن يخطئ.
أخصائي الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، يؤكد أن دقة فحص الحمض النووي (DNA) البصمة الجينية للأم والجنين 100 % يحدد من خلالها الأب دون خطأ.
بعثنا لدائرة قاضي القضاة بطلب رسمي وفق قانون حق الحصول على المعلومات، نطلب فيه عدد قضايا إثبات النسب بشكل عام والناتجة عن قضايا اغتصاب بشكل خاص إلا أننا لم نتلق ردا.
رد الحكومة يناقض الواقع
رد الحكومة على تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد المرأة رشيدة مانجو، حول المادة 308، أبرز تناقضا مع الواقع العملي في قضايا إثبات النسب لدى المحاكم الشرعية، حيث بينت الحكومة أن الغاية من تزويج الفتاة المغتصبة من مغتصبها المحافظة على حق الطفل في النسب خاصة في حالات حدوث الحمل، حيث يعتبر حق الطفل في النسب والهوية من الحقوق الأصيلة في اتفاقية حقوق الطفل.
الزواج: هروب من إعدام محقق
“إذا شفته رح اقتله” هكذا تعبر الطفلة إيمان (اسم وهمي) 12 عاما، المقيمة في دار الخنساء لرعاية الفتيات عن شعورها حال رؤيتها مغتصبها البالغ من العمر 30 عاما.
إيمان أجبرتها قسوة ظروفها على العمل في إحدى المحلات، لِتَهُمَ ذات يوم بالعودة إلى منزلها بعد انتهاء العمل. عرض عليها احد العاملين في المحل المجاور أن يقلها للمنزل في سيارته، ما أن وافقت وركبت معه حتى اقتادها الى مكان معزول واغتصبها هناك.
والد الطفلة إيمان والمُغتصب، كلاهما ينتظر بلوغها سن الخامسة عشرة، ليستفيدوا من المادة 308 من قانون العقوبات، ويتاح لهم بالتالي مباشرة إجراءات تزويجها من مغتصبها، ولتسقط بذلك عقوبة الإعدام التي تنتظره لاغتصابه قاصرا دون سن الخامسة عشرة وفق قانون العقوبات.
حاولنا معرفة عدد قضايا الاغتصاب المفصولة والمحكوم بها بالإعدام، من خلال تقديمنا لطلب رسمي للحصول على المعلومات للمجلس القضائي، إلا أن لم نتلق ردا.
المحامي سائد كراجة يرى في زواج إيمان من الجاني غطاءً قانونياً لفعل مُجَرم، حيث لا تشكل المادة 308 أي ضمانة لإيمان ومثيلاتها، فضلا عن قصور التشريعات في عدم وجود نص يراقب مدى فاعلية الحياة الزوجية ومعاملة الزوج للمرأة بعد زواج الجاني من المغتصبة.
زواج لخمس سنوات فقط!
وتنص المادة 308 على “عدم جواز تطليق الفتاة المغتصبة دون سبب مشروع قبل مرور خمس سنوات تحت طائلة الملاحقة القانونية”.
عقد الزاوج يكون غير محدد بمدة، لكن النيابة العامة تستعيد حقها في ملاحقة الدعوى أو تنفيذ العقوبة غير المنفذة إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة خلال 5 سنوات في قضايا الاغتصاب دون سبب مشروع، وعلى المرأة في هذه الحالة أن تخطر النيابة العامة بذلك لاستعادة حقها في الملاحقة الجزائية. بحسب المحامية ايفا أبو حلاوة.
وزارة العدل، لم تجب على استفساراتنا عن عدد القضايا التي تمت بها إعادة الملاحقة القضائية نتيجة الطلاق، وفق المادة 308 من قانون العقوبات.
حتى المجلس القضائي، لم يجب على استفساراتنا حول أرقام عن القضايا التي تم بها إعادة الملاحقة ، نتيجة الطلاق، لذلك يطالب قاضي محكمة الجنايات الكبرى فوزي النهار، بضرورة التنسيق فيما بين المحاكم الشرعية والكنسية من جهة ورئيس النيابات العامة لدى القضاء النظامي من جهة أخرى، وذلك لإشعاره في حال الطلاق بين الجاني والمجني عليها، حتى يصار لملاحقة الجاني حسب الأصول.
“المادة 308 تضع الفتاة بالأسر لمدة خمس سنوات وكأنه تأقيت لعقد الزواج بشكل غير مباشر، حيث يمارس على الفتاة المغتصبة طيلة هذه المدة شتى أنواع العنف اللفظي، والجسدي، والجنسي الأمر الذي تلجأ معه الفتاة إلى المحكمة الشرعية، وتطلب الطلاق مقابل الإبراء الأمر الذي يترتب عليه ضياع حقوقها بالكامل”، بحسب المحامية إنعام العشي.
في المقابل، يدافع القاضي الشرعي السابق القاضي سليم نصري عن تحديد المدة الزمنية في المادة 308 لما يرى فيها من حماية للفتاة بعيدا عن التحايل على القانون والإفلات من العقوبة، مؤكدا أن عقد الزواج لا يشتمل على شرط استمرارية الزواج لخمس سنوات، ولو وجد يعتبر هذا الشرط باطلا وعقد الزواج صحيحا.
المادة 308 تشجع على ممارسة الجنس
تشجع المادة 308 قاصرين على ممارسة الجنس في فترات مبكرة من أعمارهم ليصار إلى تزويجهم لاحقا كما حصل مع ميادة (اسم وهمي) 15 عاما، والمتحفظ عليها خوفا من إيذائها في دار الخنساء للرعاية الاجتماعية للفتيات بين سن (12-18) سنة. كانت ميادة قد اتفقت مع “حبيبها” الشاب العشريني على معاشرته معاشرة الأزواج لإجبار والدها على الموافقة على تزويجها إياه، بعد رفض والدها ذلك لصغر سنها.
تقول ميادة: “اضطررت لفعل ذلك حتى يوافق والدي على تزويجي وأنا بانتظار إكمال إجراءات الزواج من قبل المحكمة”.
فدوى (اسم وهمي) 15 عاما زميلة ميادة في الدار، نهجت نهجها في اتفاقها مع ابن الجيران 25 عاما، والذي تحبه على ممارسة جنسية كاملة لإجبار والدها على الموافقة على زواجها، بعد رفضه المتكرر لذلك. وجدت هذه الفتاة في نص المادة 308 حلاً لمشكلتها ومشكلة مثيلاتها بدلا من السجن من سنة إلى ثلاث سنوات كعقاب على الزنا التراضي. لمن أعمارهم فوق 18 سنة، في حال تحريك الشكوى من الزوج أو الزوجة أو ولي الزانية.
“والدي كان دائما يطلب مهرا مرتفعا ويرفض تزويجي عشان هيك قررت أهرب معه وتزوجنا بعقد عرفي وأنجبت منه طفلة …أحمل مسؤولية ما حصل معي لأبوي.. بدي أتزوجه وأنا متأكدة رح أعيش حياة سعيدة ” تقول فدوى.
من جهته، يرى المحامي سائد كراجة أن المشرع لم يعتد برضا الفتاة في ممارستها للجنس طالما عمرها بين 15 عاما ولم تكمل 18 عاما من عمرها، لكون الفتاة المعتدى عليها مازالت في إطار سن الحماية الجنائية، ولا يعتد برضاها ولا بموافقتها مطلقا، لأننا أمام فعل مواقعة جنسية بغض النظر عن مسألة الرضا، مطالبا بضرورة تغليظ العقوبة في هذه الحالة.
مطالب قضائية بإلغاء المادة 308
قاضي محكمة الجنايات الكبرى فوزي النهار، يطالب بضرورة إلغاء نص المادة 308 من قانون العقوبات في حالات الاغتصاب فقط، لأن وجودها “إهدار للحماية الجزائية للعرض، وبالتالي إفلات الجناة من العقاب، تحت مظلة إجراء زواج مع المجني عليها”، لكنه يجدها حلا في حالة المواقعة بالرضا بين الفتاة والشاب والناجم عن علاقة حب بينهما.
المستشارة القانونية في المعهد الدولي لتضامن النساء إنعام العشي، ترى أن المادة 308 في قانون العقوبات “تجافي المنطق وتكافئ المغتصب بالزواج من الفتاة وتعطي الشرعية للاغتصاب؛ فينتقل الاغتصاب من خارج إطار القانون إلى اغتصاب داخل إطار القانون، مما يشكل عقوبة إضافية للفتاة، فعلاوة على اغتصابها يعطى الجاني فرصة الزواج من ضحيته”.
دائرة الإفتاء العام أصدرت فتواها في كانون أول 2012 وتم تحديثها قبل شهر، بأن “الاغتصاب من أعظم
الجرائم وأشدها خطورة، لما فيها من هتك للمحرمات، والتعدي على الطاهرات، لذا يجب إيقاع العقوبة الرادعة على المغتصب جزاء فعلته، سواء على سبيل الحد، أم على سبيل التعزير، اما تزويجه ممن اغتصبها بالإكراه مكافأة له على جريمته، فلا يقره عرف ولا شرع ولا قانون”.
سابقة قضائية: المادة 308 تطبق بحق الأنثى
عقبة (اسم وهمي) 17 سنة تربطه علاقة غرامية بآية (اسم وهمي) 25 سنة المتهمة بهتك عرضه. كان الفتيان يعتقدان أن ممارستهما الجنس ستدفع إدارة حماية الأسرة لتزويجهما. بحسب ما جاء في قرار المحكمة التي أوقفت ملاحقة آية بسبب زواجها من “المجني عليه”.
محكمة الجنايات الكبرى نظرت في قضيتها، وأوقفت ملاحقة آية بتهمة هتك العرض لقاصر، لوجود عقد زواج صحيح بينها وبين المجني عليه عقبة.
محكمة التمييز أيدت بالأكثرية في أب /2013 ، قرار محكمة الجنايات الكبرى فيما ذهبت إليه، وعليه تعتبر هذه القضية الأولى من نوعها في الأردن استفادت فيها أنثى من المادة 308 واسقطت عنها العقوبة.
قانون العقوبات في مجلس النواب السابق… والمادة 308 تراوح مكانها
النائب وفاء بني مصطفى، تؤكد أن المادة 308 لم تعرض على مجلس النواب السادس عشر أثناء تعديله لقانون العقوبات الأردني، حيث أن مجلس النواب ملزم بمناقشة المواد المعروضة عليه للتعديل من قبل الحكومة، بناءً على فتوى المجلس العالي لتفسير الدستور.
تقول بني مصطفى: “تعديل المادة 308 ليس بالأمر اليسير تحت قبة البرلمان، حيث سيواجه هذا التعديل معارضة كبيرة، ولا بد من وجود أغلبية تحت قبة البرلمان تؤمن بأهمية تعديل هذه المادة، وتؤمن بالآثار النفسية، والاجتماعية السيئة من زواج المغتصبة من مغتصبها، ولابد من التحشيد من كافة الجهات المجتمعية، والإعلامية، والضغط على مجلس النواب لرفع الظلم عن المرأة، التي يرتكب بحقها جرائم اغتصاب “.
تجيز المادة (94) فقرة (5) من الدستور لعشرة أو أكثر من أعضاء أي من مجلسي الأعيان والنواب، أن يقترحوا القوانين، ويحال كل اقتراح على اللجنة المختصة في المجلس لإبداء الرأي، فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح أحاله على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها، أو في الدورة التي تليها.
ولكن لدى مراجعتنا لاقتراحات النواب في المجلس السادس عشر لم نعثر على مقترح نيابي واحد لتعديل المادة 308، الأمر الذي لم تستغربه بني مصطفى التي اكتفت بوصف المجلس السادس عشر بـ”المحافظ”.
مؤسسات المجتمع…الدور الغائب
رصدت كاتبة التحقيق ثلث مؤسسات المجتمع المدني المهتمة في قضايا المرأة من أصل 31 مؤسسة، حيث تبين أن جميع هذه المؤسسات لم تتقدم لمجلس النواب السادس عشر، بأي مطالبات خاصة لتعديل نص المادة 308، علاوة على عدم إجراء أي دراسة متخصصة عن المادة وانعكاساتها.
لكن، اللجنة الوطنية لشؤون المرأة تقدمت بلائحة مطالب استرشادية لمجلس النواب والأعيان والحكومة لتعديل القوانين الخاصة بالمرأة، كان من ضمنها المادة 308، دون أن تتلقى ردا، لـ”عدم وجود أدوات فاعلة للتواصل”، وفق رئيسة قسم التشريعات في اللجنة أمل حدادين.
الناشطة في حقوق المرأة المحامية إنعام العشي تُقر”بقصور مؤسسات المجتمع المدني في متابعة
الحياة الأسرية للفتاة المغتصبة المتزوجة من مغتصبها، وكيفية هذا الزواج وإمكانية بناء أسرة من خلاله، وأثره على الأبناء والزوجة إضافة إلى عدم دراسة مسحية لقضايا الاغتصاب بكل جوانبها”.
المحامي سائد كراجة، يستغرب عدم وجود قاعدة بيانات لدى المحاكم النظامية وادارة حماية الأسرة
تفصيلية توصف الفعل، الجرم، كيفية ارتكابه، عمر الضحية، ومدة العقوبة التي نفذها الفاعل.
على مدار عام حاولنا الحصول على أي دراسة لإدارة حماية الأسرة حول المغتصبات، لتحليل الأرقام والبيانات الواردة فيها لنفاجأ بعد عام من الانتظار، بعدم وجود أي قاعدة بيانات تفصيلية خاصة بذلك، أو اي دراسة متخصصة اجرتها بهذا الشأن.
يوضح الشكل أدناه أعداد القضايا التي تم بها الزواج وفقا المادة (308). المصدر وزارة العدل.
اليوم، تعمل نهلة عاملة نظافة في مؤسسة خاصة، وابنها العليل بلا نسب في أحد دور الرعاية بعيدا عنها، في حين يعيش زوجها حرا طليقا بعد أن اغتصبها وتركها لمستقبلٍ لونه لون الكحل، وطعمه طعم الحنظل.
[youtube]caa9ZP8pK0o[/youtube]
هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد، وبإشراف الزميل مصعب الشوابكة، وبدعم من شبكة “أريج” لصحافة استقصائية عربية.