2 مليون و900 ألف متر مكعب مخلفات صرف صحي تنتجها الدولة سنويا ولا تخضع للرقابة مزارع: غلاء الكيماوي واختفاء " سماد الكتكوت " يجبرنا على استخدام أسمدة مخالفة

20 أكتوبر 2009

تحقيق / السيد خضري – “صحة المواطن وتوفير حياة آمنة له” هي إحدى الوظائف الأساسية للدولة التي نص عليها الدستور. وحيث أن وظيفة الدولة دستوريا من ناحية، هي حقوق للمواطن من الناحية ألأخرى، فإنه – وفى هذا الإطار – تم إصدار القوانين التي تضمن سلامة المواطن و تعلنها حربا شعواء على المبيدات المتسرطنة، وهي الجهود الوقائية المحمودة للحفاظ على أرواح المواطنين، وميزانية الدولة في آن واحد.

إلا أن المفاجأة تتمثل في أن عددا من الوزارات قررت فتح باب جديد لتدمير صحة المواطنين، والذي يتمثل في الأسمدة العضوية الناتجة عن المخلفات البشرية المفترض أنه تمت معالجتها، في حين أنها غير صالحة لهذا الغرض؛ بل هي تؤدى لتدمير الصحة بشكل كبير.

” اليوم السابع ” تكشف عن أحد مصادر الإصابة بمرض السرطان الذي تنتجه الدولة في محطة الجبل الأصفر – أضخم محطة معالجة للصرف الصحي بالشرق الأوسط – وذلك قبل أن تبيعه لمواطنيها متباهية بقدرتها على الاستفادة من مخلفات الصرف الصحي في إنتاج أسمدة عضوية .

2 مليون و900 ألف متر مكعب من مخلفات الصرف الصحي الصلبة – المعروفة بالحمأة – تنتجها مصر سنويا. وفى سبيل تعظيم الاستفادة من هذه المخلفات كسماد عضوي، فإنه تتم معالجة مليون و840 ألف متر مكعب منها فقط، بينما يتم صرف مليون و100 ألف – مع مياه الصرف الصحي- من دون معالجة، أو بالتخلص منها عن طريق الردم، وذلك وفقا لتقرير المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية .

وقد وضعت الدولة ترسانة من القوانين والاشتراطات التي تنظم الاستخدام والتداول الآمن للحمأة، والتي من بينها عدم تجاوز نسبة الرصاص عن 300 مليجرام في كل كيلوجرام من هذه المخلفات، على أن تستخدم فقط في زراعة الغابات الشجرية والنباتات التي لا تؤكل نيئة .

حجم ما تنتجه محطة معالجة الجبل الأصفر – التي تتكون من محطتين هما: “عقد 16″ و “عقد19″ – من الحمأة يقدر بـ 300 طن يوميا، أي ما يعادل 109500 طن سنويا من المخلفات الصلبة، ناهيك عن مياه تكفي لري 150 ألف فدان من الزراعات الخشبية أو النباتات التي تستخدم في أغراض صناعية فقط، إضافة إلى غاز الميثان الناتج من تفاعلات معالجة الحمأة والذى يستخدم في توليد 70 % من الطاقة المشغلة للمحطة ذاتها .

اهتمام الدولة بتعظيم الاستفادة من مخلفات الصرف الصحي له ما يبرره، إلا أن غير المبرر هو عدم مطابقة الحمأة للمواصفات، وضعف الرقابة على أماكن استخدامها، وهو الأمر الكفيل بإصابة المواطنين بالعديد من الأمراض؛ أخطرها سرطان الكبد والفشل الكلوي، ناهيك عن تسمم النبات، والحيوان، وتلوث الأرض الزراعية .

” اليوم السابع ” حصلت على نتائج تحليل عينات من الحمأة الناتجة عن محطة”عقد 19″ التي تديرها شركة ديجرمون الفرنسية. البداية الزمنية للتحليلات كانت فى شهر يناير 2008 وقد جاءت مطمئنة إلى حد ما، حيث بلغت نسبة الرصاص في هذه العينات 160 مليجرام في كل كيلو جرام . إلا أن نتائج تحليلات عينات الشهور التالية بلغت حدودا كارثية بارتفاع تجاوز كل المستويات المسموح بها، وذلك اعتبارا من شهر أبريل 2008 حيث بلغت 1250 مليجرام في كل كيلو جرام، وذلك قبل أن تتضاعف في شهر أغسطس لتصل إلى سبعة آلاف و700 مليجرام في كل كيلو جرام .

وقد كشف عاملون في محطات شركة الصرف الصحي عن سبب هذا الارتفاع في نسبة الرصاص، والذي تمثل في استقبال محطة عقد “19″ حمأة قادمة من منطقة شبرا الخيمة المعروفة بتلوثها بالصرف الصناعي لشركات البترول والإطارات والمنسوجات والمسابك والخزف الصيني والزجاج والبلور. وأوضح هؤلاء العاملون أن السبب في ذلك، وجود عطل في محطة رفع الحمأة بمنطقة “القلج” يمنع ضخ الحمأة القادمة من شبرا لأحواض التركيز بمحطة “الجبل الأصفر القديمة”، ليتم تحويلها قبل دخولها على محطة القلج لكى تدخل مع المياه الخام القادمة من محطة “الخصوص “إلى “عقد 19″ .

وعلى الرغم من تأكيد العاملين على وجود العطل، إلا إن المهندس عبد القادر حمدي نائب رئيس شركة الصرف الصحي نفى ذلك قائلا :” لا يمكن دخول الحمأة القادمة من شبرا إلى محطة الجبل الأصفر”!

“ممنوع الاقتراب من منطقة الحمأة، فالمنطقة تقع تحت سيطرة الأمن القومي “، قالها موظف العلاقات العامة المرافق لنا أثناء زيارتنا للمحطة! أما عن السر في وقوع المنطقة تحت سيطرة وتأمين جهاز الأمن القومي، فيتمثل في كونها منطقة انبعاث غازات، و بالتالي فإنه يمنع دخول أي شخص بها مرتديا الساعة، أو حاملا ولاعة أو أجهزة التليفون المحمول، درءا لخطر الحرائق والانفجارات .

إلا أن قائمة الممنوعات – خلال زيارة المحطة – تطول لتشمل: منع تصوير الأشخاص، أو الإشارة إلى أسمائهم، ومنع أي تصريحات صحفية إلا للمهندس حسن خالد رئيس الجهاز التنفيذي لمشروع الصرف الصحي للقاهرة الكبرى، وذلك حسب ما جاء على لسان مرافقي.

المسئولون بالجهاز التنفيذي لمشروع الصرف الصحي – الذي تخضع محطة الجبل الأصفر له – تمسكوا بنتائج تحاليل جهاز الرصد البيئي، والتي تؤكد مطابقة الحمأة للمواصفات قائلين :” لا يمكن بيع الحمأة قبل التأكد من سلامتها وتحليل عيناتها “، إلا أن ” اليوم السابع ” حصلت على نتيجة تحليل لعينة من الحمأة الجافة بعقد 19 ، أجراها مركز الرصد البيئي التابع لوزارة الصحة في شهر سبتمبر الماضي ، بلغت نسبة الرصاص بها 7365 مليجرام لكل كيلو جرام ، كما حصلت على خطاب صادر في 10 يوليو 2008 كشفت فيه شركة ” ديجرمون ” الفرنسية عن تجاوز نسبة الرصاص في الحمأة المعايير المسموح بها ، رغم معالجتها للحمأة.

” قضية التعامل مع مياه الصرف الصحي أصبحت قضية امن قومي وليست رفاهية “، هكذا يرى الدكتور رضا حجاج أستاذ التخطيط البيئي والبنية الأساسية بجامعة القاهرة، مشيرا إلى انه في ظل شح المياه الذي تعانى منه مصر، فإن شبكة الصرف الصحي لا تغطي سوى 5% من الريف المصري، و30 % على مستوى الجمهورية، وبالتالي فإن هناك 95% من الصرف الصحي يتسبب في تلوث الأراضي والنيل في الريف، في حين أن 70% من إجمالي هذا الصرف الصحي يتسبب في نفس النتيجة على مستوى الجمهورية.

الدكتور حجاج يعود فينتقد تعامل الدولة مع ملف الصرف الصحي، قائلا :” لا توجد سياسة واضحة لملف الإسكان في مصر، وبناء عليه فإنه لا توجد سياسة واضحة للتعامل مع مياه الصرف الصحي “. وطالب حجاج بفصل الإدارة عن الملكية في هذا المجال، مبررا ذلك بأنه لا يعقل أن تتبع شبكات الصرف الصحي لوزارة الإسكان، وأن تكون الوزارة هي جهة الرقابة في نفس الوقت .

مسار الحماة الناتجة من محطة الجبل الأصفر، كشف عنه مواطنو الإسماعيلية عبر شكواهم المتكررة للدكتور إبراهيم الجعفري عضو مجلس الشعب بالإسماعيلية، حيث أكدوا على استخدام مزارعي الخضر والفراولة بمناطق التل الكبير، وقطاع المحكمة، والقصاصين للحمأة القادمة من محطة البركة وعقد 16 بالجبل الأصفر و بحر البقر في الشرقية .

“الكيماوي سعره غالي في سوق السوداء وسماد الكتكوت قضت عليه أنفلونزا الطيور “. بهذه الكلمات، أكد الحاج محمود إبراهيم – 65 عام- المزارع بمنطقة القصاصين بالإسماعيلية على انعدام الرقابة على استخدام الحمأة، معللا أسباب استخدامه للحمأة المعروفة في الإسماعيلية بـ”البلطي” بقوله:” فدان الفراولة يحتاج كل 15 يوم إلى شيكارة كيماوي لوري 46% ، أشتريها من السوق السوداء بـ 150 جنيه، في حين أن سماد كورونيا نترات مستوردة تبلغ قيمة الشيكارة 70 جنيه أستخدمها كل 5 أو 10 أيام لكل نصف فدان “، أما إضافة الحمأة إلى التربة فيجعله لا يستخدم سوى شيكارة كيماوي واحدة فقط “.

إلا أنه بالرغم من ذلك، فإن الحاج محمود لا يثق في جودة ثمار الفراولة التي يزرعها بعد استخدام الحمأة، حيث يقول :” الحمأة تمد الخضار بالطاقة خاصة في البرد، لكنها كثمرة لا أقتنع بها. ولو أي متخصص أجرى تحاليل معملية على هذه الثمار، فستظهر له عدم صلاحيتها “.

ويضيف الحاج محمود:” الفراولة ما بقتش زى زمان ، وأنا مش راضي عنها لكني مضطر، و ما فيش حد بيراقب علينا أو يوفر لنا الكيماوي بسعر رخيص”.

المعلم سعد الشرقاوي أحد تجار الحمأة بالإسماعيلية يقول :” عندي 100 عربية شغالة في نقل السبخة -يقصد الحمأة – والتجار بيحملوا من محطة الجبل الأصفر عقد 16 ، ويذهبوا بها لمزارع وادي النطرون والإسماعيلية “. المعلم سعد أكد عدم وجود رقابة على استخدام الحماة بقوله :” منذ عشر سنين جبت نقلة من الجبل الأصفر عقد 16 لأراضي مستصلحة في سيناء يزرع فيها الزيتون، والآن أنا أشتري الحماة من محطات أخرى أرخص في السعر وأخف في الوزن فلا تضر الشاحنات “.

إلا أن الأمر الذي يثير الفزع هو تأكيد موظف العلاقات العامة – لكاتب التحقيق – أثناء زيارة المحطة أهمية الحمأة في زراعة المانجو، قائلا: ” عندنا مزارع في الإسماعيلية كلها مانجو، نستخدم في زراعتها حمأة المحطة لأنها تعتبر سماد عضوي جيد ومفيد “.

الخوف من تضرر مزارع منطقة الجبل الأصفر من الحمأة – بعد أن تضررت نفس هذه المنطقة من الري بمياه الصرف الصحي المحملة بالمعادن الثقيلة – هو ما أكده عبد الله عليوة عضو مجلس الشعب والتي تقع محطة الجبل الأصفر في نطاق دائرته، حيث يقول:” المعادن الثقيلة تتسبب في تفتيت الأراضي الزراعية، وانتقال هذه الملوثات للإنسان عن طريق الخضر والفاكهة التي تروى بمياه الصرف الصحي، يؤدي إلى إصابة الأهالي بالسرطان “.

ووفقا لتقرير المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية، فإنه على مدار 60 عاما تم استخدام مياه الصرف الصحي غير مضاف لها صرف صناعي فى ري أراضي منطقة الجبل الأصفر، إلا أن الثابت أن الحمأة المنتجة حديثا ترتفع فيها كمية المعادن الثقيلة، نتيجة الصرف الصناعي واستخدام الكثير من أدوات النظافة المحتوية على المعادن. التقرير أشار في بدايته إلى أهمية الحمأة في الزراعة، إلا انه حذر في نهايته من الإسراف في استخدامها، وتسببها في زيادة تركيز المعادن الثقيلة بالتربة .

“أي زيادة في نسبة المعادن الثقيلة مثل الرصاص ولو جرام واحد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الكبد أو التخلف العقلي “، قالها مسئول بوزارة الإسكان رفض ذكر اسمه، مشيرا إلى أن جميع أنواع الحمأة يتم بيعها للتجار لاستخدامها في تسميد النباتات الشجرية وفقا للقانون، لكنها في الواقع تستخدم لزراعة النباتات المثمرة.

ورغم أهمية الحمأة كسماد عضوي في الزراعة، إلا أن المصدر السابق حذر من التهاون في عمليات المعالجة، مطالبا بوضع دراسة جدوى اقتصادية تحدد النباتات التي سيتم زراعتها، وتوفير الأفراد المدربين على التعامل معها.

” القوانين في مصر قائمة وواضحة، ولكن هناك تهاونا في تطبيقها “، قالها الدكتور بهجت السيد علي أستاذ الأسمدة العضوية المتفرغ بمركز البحوث الزراعية، مشيرا إلى أن الفلاح يبحث دوما عن الأرخص؛ فيشتري الحمأة، كبديل للمبيدات الكيماوية المرتفعة التكلفة. وأضاف الدكتور بهجت :” قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 وقرار 100 لسنة 1967 الخاص بالأسمدة العضوية حدد كمية ” البترويت” – التي تسمى حديثا بالحمأة – المسموح استخدامها في الزراعة “. وأوضح الخبير الزراعي أنه من المفترض ألا يتم بيع سوى 5 أطنان من الحمأة للفدان الواحد في السنة، لمن يملك حيازة أراضي، وذلك حتى لا ينتج عن كثرة الاستخدام زيادة تركيز للمعادن الثقيلة في التربة، وهو ما يؤدي لتسمم النباتات .

” لو أن عنصرا واحدا مخالف للكود المصري، فإن الحمأة تصبح غير صالحة للاستخدام”، وذلك وفقا للدكتورة فايزة نصر الأستاذ بقسم بحوث المياه بالمركز القومي للبحوث، حيث يتم تحليل عينات الحمأة شهريا. أما عن ضوابط استخدام الحمأة في الزراعة، فتقول الخبيرة :” الحماة مخصصة بالدرجة الأولى لزراعة الأشجار والنباتات التي لا تؤكل نيئة وذات القشرة الكثيفة، إلا أن الخطير في الأمر هو استخدام الحماة في زراعة الخضروات والفاكهة التي تؤكل مباشرة ” .

د. سميح عبد القادر منصور أستاذ علم المبيدات والسموم والخبير بالاتحاد الدولي للسميات يقول :” منذ ثماني سنوات ونحن نحذر من مخاطر استخدام الحمأة التي تحتوي على معادن ثقيلة بنسب عالية تؤثر على الميكروبات والديدان النافعة للأراضي الزراعية من ناحية، وتتسبب في إصابة صحة التربة بالخلل من ناحية أخرى، فضلا عن امتصاص الثمار للمعادن الثقيلة من ناحية ثالثة” . وأوضح منصور أن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا تعترف بمسمى المسرطنات في علم السموم !

مخاطر ارتفاع نسبة لرصاص والزنك حددها الدكتور سميح بأنها تؤدى للإصابة بأورام وسرطانات، كما أنها تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، مؤكدا على أنه من الصعب إزالة آثار هذا الارتفاع بغسل الثمار لتراكمهما داخل الثمرة نفسها. ويرى الدكتور سميح أن زيادة الرصاص في الحمأة له بعد آخر؛ فكمية الرصاص الداخلة لجسم الإنسان عن طريق الثمار المزروعة بالحمأة قد تكون قليلة، لكنها مكونة من خليط من المواد السامة، ينتج عنها ما هو أخطر من السرطان. ولمزيد من التفسير، يقول الدكتور سميح:” كل الأدوية المتعلقة بمعالجة السموم تعالج نوعا واحدا، حتى السرطان أصبح له علاج، إلا أن التسمم الناتج عن السموم المركبة، فيؤدي إلى انقلاب الجنين ليخرج المولود غير محدد ذكر أو أنثى، إضافة إلى التأثير على جهاز المناعة، فضلا عن الإصابة بالفشل الكلوي و أمراض الكبد والجهاز العصبي والتأثير على الغدد الهرمونية وهي أخطر من السرطان وتسبب تشوهات” .

استخدام الحمأة الملوثة بالرصاص يرفضه تماما الدكتور وحيد إمام رئيس الاتحاد العام للجمعيات العاملة في مجال البيئة قائلا :”الأشجار الخشبية إذا تم حرقها يخرج الرصاص منها ويصيب الإنسان عن طريق الشم أو ملامسة الجلد ” . مضيفا أن السعة الاستيعابية لمحطات الصرف يؤدي لتراكم المعادن الثقيلة في الحمأة؛ فعندما يقوم مصنع مثلا بصرف الكمية المسموح بها من الحديد أو الرصاص على شبكات الصرف الصحي، في الوقت الذي يقوم فيه مصنع آخر بإخراج نفس الكمية المسموح بها، وذلك قبل أن يقوم ثالث بنفس الأمر، ويلتقي الثلاثة في محطة واحدة فلابد أن تتجاوز نسبة الرصاص الحدود الآمنة

الدكتور إمام وصف العناصر الثقيلة بأنها لا تتفاعل في الطبيعة، وتنزل كرسوبيات تصبح نسبتها بعد عشر سنوات عالية جدا، وهو ما يعرف بعملية التراكم في الحماة، والذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الرصاص أو المعادن الثقيلة في التربة بمرور الزمن .

تناول الثمار المزروعة في تربة ملوثة بالرصاص، يتسبب في ارتفاع نسبة تركيز الرصاص في كبد الإنسان، الأمر الذي يضاعف من فرص الإصابة بسرطان الكبد في مصر سنويا لتصل إلى 23 ألف حالة سنويا، وفقا لما ذكره الدكتور حمدي الباسل الأستاذ بالمعهد القومي للتغذية

ولكن الأخطر في ارتفاع نسبة الرصاص في التربة هو ما ذكره الدكتور محمد رشيد وجيه أستاذ الوراثة بكلية الزراعة والمقيم بكندا حاليا، والذي قال لـ اليوم السابع: ” الرصاص من المعادن الثقيلة ذات الأثر السمي التي تسبب تأثيرا طفريا يؤدي تراكمه إلى حدوث الأورام والإصابة بالسرطانات على المدى الطويل” .

تقرير المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية الصادر خلال دورته الحادية والعشرين، حذر أيضا من استخدام الحمأة معتبرا أنه مهما كانت كفاءة معالجة الحماة عالية وفعالة، إلا أنها لا تحقق التخلص الكامل من الملوثات الخطيرة ، وفي مقدمتها العناصر الثقيلة والكائنات الحية الدقيقة الممرضة ، والتي تتسبب في أمراض كثيرة للإنسان خاصة أمراض الجهاز الهضمي.

ووصف التقرير العناصر الثقيلة بمصدر الخطورة في الحماة، والذي يؤدي إلى تراكم العناصر السامة في التربة بدرجة لا يمكن التنبؤ بها ، حيث إن تجميع المواد السامة يتم بمعدل بطيء جدا ، ويحتمل أن لا تتفاقم إلا بعد مرور أكثر من 50 عاما في حالة استخدام الحمأة كسماد .

ورغم تأكيد التقرير على أهمية الحماة المعالجة في تسميد الأراضي الزراعية ، إلا انه حذر من التهاون في نسبة المعادن الثقيلة بها .

السؤال عن دور جهاز شئون البيئة في الرقابة على استخدامات الحمأة يجيب عليه الدكتور مجدي علام مساعد رئيس جهاز شئون البيئة قائلا :” الجهاز لا يراقب، ولكن من حقه وفقا للقانون تفويض رؤساء الأحياء والمدن وهيئات الصرف الصحي لمراقبة استخدامات الحمأة كمخلفات صلبة التي من المفترض عدم استخدامها، إلا في زراعة الغابات الشجرية بهدف الحصول على الأخشاب وليس الثمار”.

إلا أن الرجل يعود فيقول إنه في حال الإبلاغ عن أي شكوى، فمن حق جهاز البيئة أخذ عينات من الحمأة وتنفيذ العقوبات على المخالفين في حال ثبوت مخالفتها للمواصفات الموضوعة .

وأضاف الدكتور علام انه لا يجوز بيع الحماة الموجودة داخل محطات الصرف الصحي ، إلا في وجود مندوبين جهاز شئون البيئة ووزارة الصحة لضمان خلو الحمأة من الميكروبات، والتأكد من مسارات استخداماتها ، مطالبا الجمعيات الأهلية والمواطنين بالإبلاغ عن حالات الاستخدام الخاطئ للحمأة ، نظرا لانتشارها في مساحات شاسعة يصعب على الجهاز وحده مراقبتها وضبط استخداماتها.

الدكتور وحيد إمام رئيس الاتحاد النوعي للجمعيات العاملة في مجال البيئة وعضو صندوق حماية البيئة، يعلق على التصريحات السابقة ، بأن الاتحاد اتخذ قرارا بتشكيل الشبكة المصرية للرصد البيئي، شارك فيها أربعة آلاف جمعية أهلية بالتعاون مع وزارة البيئة، والتي من بين مهامها الإبلاغ عن المخالفات البيئية، ومنها الاستخدام الخاطئ للحمأة، وفي حال عدم اتخاذ الحكومة رد فعل مناسب سيتم اللجوء للقضاء استنادا للمادة 103 من قانون 4 لسنة 1994 .

الملاحقة القضائية وفقا للدكتور إمام يمكنها أن تصل إلى المحكمة الدستورية، استنادا إلى المادة 59 من الدستور التي جعلت من حماية البيئة واجبا وطنيا، وهو الواجب الذي يقوم بتنظيمه القانون. ورغم نص الدستور والقوانين على حماية البيئة، إلا أن تداول الحماة الغير آمنة – رغم وصفها في القانون بالمادة الخطرة – لم يحدد القانون العقوبة المترتبة عليه، وإنما تركها للقياس على غيرها من القضايا المشابهة، داعيا إلى ضرورة اللجوء للمحكمة لحصول على حكم يردع المتهاونين في استخدام الحماة غير الآمنة ليمكن القياس عليه فيما بعد .

الغريب أن تلجأ الدولة للاستعانة بخبرات أجنبية لإدارة وإنشاء محطات الصرف الصحي- كما هو الحال في محطة الجبل الأصفر- وتتجاهل الحلول الوطنية التي قدمها مجموعة من أساتذة الجامعات والجمعيات العلمية بابتكارهم جهاز للرقابة والتحكم وحماية شبكات الصرف الصحي؛ وهو الجهاز الذي يقوم بحجز المواد الصلبة والعالقة والرمال، كما يقوم بترشيح (فلترة) المياه بما يؤدي إلى منع انسداد خطوط الصرف الصحي وحماية الشبكة من التلف والتآكل، وتخفيض تكاليف معالجة مياه الصرف الصحي لأقل من النصف مع عدم خلطها بمياه الشرب .

خالد عبد الفتاح محمد مدير المكتب الوطني المشرف على إنتاج الجهاز قال لـ ” اليوم السابع ” :” الجهاز كان سيوفر 2 مليار جنيه سنويا على خزانة الدولة، كما يتيح 200 ألف فرصة عمل جديدة، وقد تم تجربته والتأكد من كفاءته ، إلا أن القائمين على الصرف الصحي تعللوا بارتفاع تكلفة استخدامه ” !

ورغم تقدم المكتب الوطني بمذكرة يعرض فيها تركيب الجهاز لدى شركة الصرف الصحي للقاهرة الكبرى مجانا، مقابل تحصيل 80 % من إجمالي الوفرات المحققة نتيجة استخدام الجهاز، إلا أن الشركة رفضت دون إبداء الأسباب .

الشاهد، أنه في ظل نفي المسئولين بالجهاز التنفيذي للصرف الصحي وجود أي تجاوزات لنسبة الرصاص في الحمأة، فإنه ترتب على ذلك عدم التخلص منها خلال الشهور الماضية، واستمرار بيعها للتجار، لتنتشر الحمأة بكل ما تحمله من ملوثات في مزارع الخضر والفواكه والموالح ، ولكي تتوه المسئولية بين وزارة الإسكان والبيئة .

ففي الوقت الذي تتباهى فيه الدولة بوجود محطة الجبل الأصفر – أكبر محطة صرف صحي بمنطقة الشرق الأوسط – والتي يفترض أنها الأكثر كفاءة – بإدارتها الفرنسية – وقدرتها على معالجة الحمأة، نجد أن نتائج تحليل عينات الحمأة تخالف الحدود المسموح بها، بغض النظر عن النفي التقليدي للمسئولين. فأين ذهبت هذه الكميات؟ وما مصير الحمأة الناتجة من محطات المعالجة الأخرى ؟ وما حجم الملوثات الموجودة بها ؟ ولماذا الاستعانة بالخبرات الأجنبية، رغم وجود الحلول الوطنية ؟

كل هذه، وأسئلة أخرى تصرخ طالبة إجابات عاجلة…

قالوا عن الحمأة

•أ.د محمد السعيد صالح الزميتي

رئيس قسم وقاية النبات

الأطفال أكثر تأثرا بالرصاص الذي يكون غالبا تسمما صامتا لا تظهر أعراضه ، ويتسبب الرصاص في اعتلال المخ وخاصة لدى الرضع والأطفال، الإجهاد وضعف بوظيفة الكلى ،الأنيميا المعروفة بأنيميا تسمم الرصاص ، يؤثر على وظائف الغدد الصماء ، ويؤدي لارتفاع ضغط الدم .

•د.مروة أبو بكر النجار

الجمعية المصرية لتنمية الثروة السمكية والحفاظ على صحة الإنسان

الحمأة تحتوى على مواد مسرطنة واختلاط الحمأة بالمبيدات الحشرية يسبب طفرات جينية وأمراض وراثية حادة تجعلنا نتساءل أيهما أشد ضررا الخضر والفاكهة المسمدة بالحمأة والمصدرة من دولة لعدة دول ؟ أم قنبلة نووية واحدة ؟ والإجابة أننا باستخدام الحمأة الخام كسماد ننشر الأمراض الوراثية الطفرات الجينية على مساحة أكبر بمئات المرات من طاقة قنبلة نووية واحدة !!

وثائق التحقيق


  • تعليقاتكم

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *