مشروع النقل العام في عمان : سوء إدارة لأزمة متفاقمة

7 أبريل 2014

حوكمة –  مع بداية العام 2014، انتشرت لافتات في مختلف شوارع العاصمة الأردنية تسأل المواطنين إن كانوا “يريدون حلا طويل الأمد وأكثر راحة” لتلبية الإحتياجات المتزايدة للنقل العام في عمان.

وتسألك إحدى اللافتات: “هل تفقد أعصابك أثناء القيادة؟”

لافتات أمانة عمان الكبرى هي جزء من حملة علاقات عامة واسعة، بدأت في العام 2006 لكنها تعثرت لاحقا بسبب شبهات الفساد، وتهدف إلى استعادة ثقة الجمهور في برنامج النقل العام الذي تشتد الحاجة اليه.

في الثلاثة أعوام الماضية، إشتد غضب الرأي العام ضد برنامج النقل الشامل الأول للمدينة الذي أطلقه أمين عمان السابق عمر المعاني، وهو تكنوقراطي تلقى تعليمه في الغرب وإتُهم بالفساد المالي والإختلاس لكنه بُرىء لاحقاً.

المعاني دمج بين التخطيط الحضري والنقل كأحدى ابرز مهام البلدية وكان أول من أدخل خطة عمل للنقل في عمان تعِد المقيمين ب”تحول كبير في قطاع النقل خلال السنوات المقبلة.”

وفي الوقت الذي تم فيه توقيف المعاني وإدخاله السجن،  قرر رئيس الوزراء حينها معروف البخيت إجهاض المشروع رغم إنطلاق أعمال البناء. وأصر على أن قرار تعليق أو استئناف مثل تلك المشاريع يقع في نهاية المطاف في يد رئيس الوزراء.

ويوضح ايمن الصمادي، مدير مديرية النقل والمرور في أمانة عمّان الكبرى، انه “بمجرد تدخل الحكومة في ايلول (سبتمبر) 2011، لم يعد واضحا من هي الجهة المسؤولة [عن المشروع],” مضيفا أن “المشروع لم يعد يقتصر على أمانة عمان لأن الحكومة قررت فجاة تولي دور القيادة فيه.”

بعد فترة قصيرة على توليه منصبه بعد انتخابات بلدية طال انتظارها العام الماضي، وبعد تدارك مزاعم الفساد التي شابت مشروع النقل الطموح في العاصمة، عمد أمين عمان الجديد عقل بلتاجي إلى إعادة تحريك خطة سلفه بمباركة من رئيس الوزراء الحالي عبد الله النسور.

وقال بلتاجي في لقاء مع 22 عضواً من مجلس أمانة المدينة في تشرين الثاني من العام الماضي بأنه “لا توجد أية شبهة فساد في المشروع.”

ووضع بذلك حداً لمزاعم الفساد الصاخبة التي أدت الى وقف العمل بمشروع نقل “الباص السريع”، بعد الانتهاء من إنجاز إثنين من أصل 30 كيلومترا من المرحلة الأولى للشبكة.

وكانت أعمال الهندسية التفصيلية وتصميم المشروع إنطلقت في عام 2009, وبدأ بناء المرحلة الأولى في صيف عام 2010. وقد تم ترميم وإعادة رصف الشوارع وزرعت الأشجار على جانبي ممرات الباص السريع, ووُضع إطار المشهد العام لما سيكون عليه أول نظام نقل عام منظم في العاصمة.

وتُعدّ عمان الغنية بطبيعيها الحضرية المترامية الاطراف موطنا لنحو 2.5 مليون مواطن، وفق دائرة الإحصاءات العامة. وهو رقم من المتوقع أن يزيد بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف بحلول سنة 2025.

والشبكة المقترحة لمشروع الباص السريع والسكك الحديدية الخفيفة تمتد لأكثر من 90 كيلومترا، ومن شأنها ربط شرق عمان بغربها وشمالها بجنوبها. ومن المقترح أن تكتمل الاعمال بها بحلول سنة 2025. وستربط خطوط السكك الحديدية الخفيفة العاصمة بمدينة الزرقاء, والتي يقيم فيها نحو 800 الف شخص يتنقل جزء كبير منهم كل يوم إلى وظائفهم في عمان الغربية (وكانت هناك محاولات غير عملية لجذب مستثمرين لبناء شبكة السكك الحديدية والتي تم استبدالها بمشروع الباص السريع.)

وفي قراءة تفحصية للمشاكل التي تفاقمت لاحقاً في إطار إتهامات فساد كبرى، يتبدى مدى تعامل مختلف الجهات الحكومية  السطحي مع مزاعم “الفساد” المتعلقة بالمشروع. وساهمت قضية الباص السريع في تسليط الأضواء على مشكلة متوطنة في ادارة الحكم في الاردن، بدءا تمتع بعض الدوائر الحكومية بسلطات تطغى على دوائر اخرى، وصولا الى إنعدام الثقة في عملية صنع القرار.

وفي قراءة لتقارير مختلفة حول متى وأين بدأت المشاكل، تبرز رواية ثابتة تفيد بأن مشاكل تقنية طفيفة ظهرت أثناء عملية إنشاء ممرات الباص السريع, تم تسويغها لاحقا على انها بسبب الفساد المالي والاداري. وتبدت الازمة على شكل خلافات بين المهندسين في الموقع حول عدد المشرفين الذين ينبغي أن تعينهم شركة  سيجما – مهندسون مستشارون، إضافة إلى شكاوى حول إرتفاع منسوب حجرالأرصفة وعيوب طفيفة أخرى تم تضخيمها.

وإعتبر الصمادي، الذي أشرف على المشروع في مراحله المختلفة أن أسلوب تقصي الخطأ الذي إعتمده بعض أعضاء الفريق التنفيذي للمشروع، وتبنته الجهات الحكومية الأخرى، كان له تأثير سلبي على المشروع منذ البداية وساهم في تشويه صورة المشروع لدى الرأي العام قبل تحقق أي نتائج ملموسة.

وقال الصمادي إنه “في البداية كان هناك من يقول إن الباص السريع لا يتلائم مع طبيعة عمان الطبوغرافية، وبعد ان تخطوا تلك النقطة، قالوا حسناً: المشروع جيد ولكن ليس على هذه المحاور,” مضيفاً أن هذه الجهات “تقول أي شيء لتبرهن أن المشروع غير جيد أو غير مثالي، لكننا لا نريده أن يكون مثالياَ, [ففي أي مشروع بهذا الحجم] التعديلات أمر ضروري.”

في أيلول العام 2011, اي قبل شهر من قرار البخيت وقف العمل بالمشروع لأجل غير مسمى، نشرت أمانة عمان تقرير محاسبة داخلي عرضت فيه مكامن التقصير لديها. ونشرت وسائل الاعلام المحلية تفاصيله التي كشفت -في مقتطفات منه- عن مزاعم “أخطاء وانتهاكات” في الطريقة التي تم فيها طرح عقود أربع شركات: سيجما، طحان، بشناق وجدارا. وزَعَم التقرير أن قرارات أمانة عمان لم تستند إلى “مواصفات مرجعية صحيحة.”

وعرض التقرير أيضا مشاكل أخرى تتعلق بعملية تقديم العطاءات. وعلى سبيل المثال فإن جميع المراسلات ذات الصلة والوثائق والاتفاقات كانت باللغة الإنجليزية مما ساهم في سوء فهم الكثير من المصطلحات و الشروط التي “تتطلب معرفة وخبرة متخصصة.”

ولكن الجانب المالي للمشروع كان الدافع الأساسي لاحقا لتحويل أنظار الدوائر الحكومية الأخرى نحو المشروع. وفي دراسة أخرى لأمانة عمان أعدها منفرداً الرئيس السابق لمديرية المرور والهندسة في البلدية خالد حدادين وإرسلها إلى البخيت، أشارحدادين إلى ما اعتبره مهندسون المأزق الاقتصادي والتقني الرئيسي للمشروع.

وخلصت الدراسة إلى أن للمشروع عواقب “طويلة الأمد”، منها إرتفاع ديون الحكومة بسبب الفوائد المتراكمة على القرض اللازم للمشروع على مدى 10 سنوات.

وأعتبر حدادين في تقريره أن على الباص السريع أن يستوعب نقل 10,000 شخص في الساعة والإ فإن أمانة عمان والحكومة ستتحملان تكاليف تشغليه في حال قل عدد الركاب عن ذلك.

بدوره أعتبر حازم زريقات، أحد المطلعين على خطط ودراسات المشروع خلال الفترة التي قضاها في أمانة عمان الكبرى (بين عامي 2008 و2010) أن دراسة حدادين فشلت في التعامل مع عدد من المتغيرات التي تؤثر في مثل هذا التقييم، منها  أنواع الحافلات التي سيتم استخدامها وساعات الذروة المرورية مقابل الساعات العادية .

وقال إنه “في أي نظام نقل عام، سوف تضطر الحكومة إلى تحمل جزء من التكلفة، ولكننا قمنا بتصميم [نموذج التعريفية] استناداً إلى التوقعات بأن الطلب سوف يزيد تدريجياً،” مضيفاً أنه ” ليس من الخطأ أن تقوم الحكومة بدعم [نظام النقل].”

في أوكتوبر 2011, نشر ديوان المحاسبة، وهو هيئة تنظيمية لمراقبة الإنفاق العام، تقريرا كرر فيه خلاصات دراسة حدادين ووصف المشروع ب “غير المجدي” إقتصادياً وإجتماعياً بيئياُ وتقنياً.

وكشف الصمادي أن تقرير ديوان المحاسبة الذي أرسل إلى رئيس الوزراء كان نسخة مطابقة لتقرير حدادين.

وقال الصمادي “لا أعرف ما الذي حصل بالضبط، أرسل [حدادين] التقرير لرئيس الوزراء وديوان المحاسبة ودائرة المخابرات العامة. وديوان المحاسبة تبنى هذا التقرير بمجمله تقريباً.”

وقدم التقرير توصيات لدراسة مشاريع نقل “بديلة” أكثر “تطوراً” والبحث عن حلول جديدة “قد تشمل مشروع الباص السريع شرط أن يتم إختيار طرق أخرى وبتصميم أقل كلفة.” وأشار التقرير أيضاً إلى مواطن الخلل في البناء التي تناقلتها الصحف منها “إعادة تسوية أجزاء من الشوارع وإرتفاع حجر الأرصفة في بعض الأماكن.”

وتم إستخدام تقرير ديوان المحاسبة كذريعة في مجلس النواب للتحقيق في إحتمال وجود “فساد” في مشروع المدينة الشهير.

وقبل غضون شهر، تم تشكيل لجنة نيابية للتحقيق في تصميم مشروع الباص السريع قبل إستئناف أعمال البناء لضمان عدم تكبد أمانة عمان مزيداً من الديون، وفقاً لوئائق رسمية تناقتلها مصادر إعلامية.

وقال رئيس اللجنة النائب أحمد العتوم للصحفيين إن “خيبة أمل المواطنين بأعمال البناء على طول شارع الجامعة وإنتقادهم للمشروع أدى [بمجلس النواب] إلى فتح تحقيق.” وأضاف أن مجلس النواب خلص إلى أن “موقع الطرق في الأماكن المزدحمة، غير مقبول.”

وتذرع مجلس النواب بديون أمانة عمان المتراكمة والتي فاقت ال 400 مليون دينار (حوالى 600 مليون دولار) لرفض المشروع. واعتبر العتوم أنه في ضوء مديونية أمانة عمان العالية، كان من غير المنطقي أن تأخذ على عاتقها دين من الوكالة الفرنسية للتنمية من دون أي ضمانات من الحكومة.

وأنهت اللجنة النيابية تحقيقاتها في أواخر العام 2011/ وأعلنت أنه “بعد النظر في التقرير التقني الذي أعدته اللجنة الوزارية برئاسة وزير الأشغال العامة، وتقرير ديوان المحاسبة وتقرير المحاسبة الداخلي لأمانة عمان، قررت اللجنة تسليم الملف إلى رئيس مجلس النواب والذي بدوره سيحيله إلى السلطات القضائية.” رغم ذلك لم يتم نشر تفاصيل التحقيق ورفضت اللجنة النيابية الإفصاح عن نتائج تحقيقاتها للصحافة واصفة إياها ب”السرية.”

وتماشياً مع توصيات اللجنة الوزارية التي شكلها في يونيو 2011, قرر رئيس الوزراء توظيف طرف ثالث لتقييم التأثيرات المرورية للمشروع. لاحقاً وبعد مرور عام، وظفت الحكومة مجموعة من الشركات الإسبانية للقيام بهذه المهمة. وأجرى الإستشاريون الاسبانبون دراسة ذهبت أبعد من دراسة تأثير حركة المرور، وقامت مرة أخرى بإعادة تقييم “جدوى” المشروع.

في كانون الثاني (يناير) 2013، أوصى الاستشاريون بإلغاء الخط الثالث لشبكة الباص السريع المتقرحة التي تربط منطقة المحطة بساحة الجمارك. واقترحوا أيضا إما “إعادة النظر” أو “تأجيل” بناء الخط الثاني (الذي يربط المدينة الرياضية برأس العين في وسط عمان) بسبب توقعات انخفاض الطلب.ومرت تسعة أشهرعلى تلك التوصيات ولم يتم إتخاذ أي قرار رسمي حتى الساعة.

وهنا قال الصمادي: “دخلت الحسابات السياسية في أمانة عمان. يعني، هناك هجوم كبير على المشروع من كل جانب لدرجة أنه لا أحد يريد التعامل معه بعد الآن,” موضحاً أنه “على سبيل المثال، لماذا يأخذ رئيس لجنة البلدية على عاتقه مشروع يعتقد أنه مشبوه أو ذي مخاطر عالية.”

وأضاف أنه “يجب أن يكون هناك منهج ونظام يضمن أن يكون التدخل السياسي ضئيل في القرارات التي تؤخذ على المستوى التقني والمهني. وفي الوقت ذاته، يضمن الدعم السياسي للمشروع.”

معاناة شبكة عمان للنقل العام

لطالما كانت تجربة الحكومة في دعم وتنظيم قطاع النقل العام محفوفة بتضارب مصالح مجموعات مختلفة، مما ترك القطاع في حال من الفوضى. ولا تزال شبكة عمان للمواصلات مفككة وغير متماسكة رغم محاولات متكررة لإدخال نظام نقل جديد ومتكامل لتجاوز شبكة الطرقات التي تحتكرها حافلات النقل الخاصة.

فإلى جانب مئات حافلات “كوستر” (30 مقعدا) التي تجوب شوارع المدينة، تخدم عمان أيضاً شركة مساهمة عامة متعددة للنقل معروفة ب”المتكاملة” التي تعمل من خلال أربع شركات تابعة.

إلا ان تاريخ “المتكاملة” مليء بخسائر مالية. إذ سجلت الشركة العام الفائت خسائر بقيمة حوالى  28مليون دينار، عزتها إلى وقف اتفاقية الدعم مع أمانة عمان وأجور الحافلات الجائرة التي فرضتها هيئة تنظيم النقل البري وبلدية عمان.

ولكن الصمادي يؤكد أن اتفاق الاربع سنوات بين أمانة عمان والشركة لم يكن من المفترض به توفير نفقات التشغيل، ولكن تأمين رأس المال اللذي تشتد الحاجة إليه لتحسين مستوى الخدمة وتوسيع أسطول نقل الركاب. وأضاف أن دفع هذه الإعانات رهن بتلبية المتطلبات المحددة في الاتفاق والتي فشلت الشركة في الوفاء بها. فإضافةً إلى عدم الإلتزام بالمهلة المحددة للحصول على 116 حافلة جديدة, اعترفت الشركة في التقرير المالي السنوي للعام 2012 أن الأسطول الجديد الذي تم شراءه من الشركة الصينية يوتانغ “لا يتلاءم” مع طبيعة جغرافية عمان مما يزيد العبء على تكاليف الصيانة المتراكمة.

وفي أعقاب خلافات “غامضة” مع الحكومة الأردنية في عام 2013، باعت شركة سيتي غروب الكويتية, المساهم الرئيسي في “المتكاملة”, حصتها 51% للحكومة ن “لتحسين قطاع النقل العام في المملكة،” وفقا لوكالة الانباء الاردنية — بترا. وتم نقل الأسهم لاحقاً لأمانة عمان مما جعلها أكبر مساهم بحصة 61% في الشركة.

لكن ورغم أن الحكومة وأمانة عمان الكبرى اصبحا المساهمين الوحيدين، تواصل شركة “المتكاملة” مسارها الانحداري. ففي عام 2011 وصلت خسائرها إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون دينار مقارنة مع اقل من مليون دينار في عام 2010. وسجلت الشركة خسارة أخرى بقيمة تزيد عن اربعة مليون دينار في عام 2012، وألقت اللوم على المساهم الاكبر معلنة ان الحكومة وأمانة عمان فشلوا في الالتزام باتفاق الخمس سنوات الموقع في عام 2009 لدعم الشركة ب 17.2 مليون دينار من أجل “تحسين مستوى خدمة” أكبر مشغل للحافلات في عمان.

وفي آخر البيانات المالية في كانون الثاني (يناير) الماضي، أشار المدقق المالي إلى أن إلتزامات الشركة المالية فاقت قيمة ممتلكاتها الحالية بنسبة تزيد عن 12 مليون دينار،  إضافة إلى تراكم الخسائر التي تتجاوز %93 من رأس مالها، وهو مؤشر على عدم قدرتها على الاستمرار في التشغيل.

وجاء في البيان أنه “لم يتم إجراء أية تعديلات على البيانات المالية المدمجة التي قد تكون ضرورية في حال توقف الشركة عن العمل. ولم تكشف الشركة أيضاً عن خططها لتسوية التزاماتها والإجراءات الأخرى اللازمة لضمان استمراريتها.”

وينص قانون الشركات الأردني, الذي يتضمن المواد التي تنظم الهيئات العامة بوضوح على أن المردود المالي لأعضاء مجلس إدارة أي شركة مساهمة عامة يجب أن لا يتجاوز أكثر من 10% من صافي الربح، ويحد سقف المكافآت ب خمسة آلاف دينار شهريا. ويحدد أيضا أنه إذا كانت الشركة تعاني الخسائر، وهو حال “المتكاملة”, فعلى كل من أعضاء مجلس الإدارة أن يحصل على “متوسط 20 دينار لكل إجتماع مجلس الإدارة أو أي لجنة فرعية أخرى، شرط أن لا تتجاوز هذه العلاوات مبلغ 600 دينار.”

لكن البيانات المالية على مدى العامين الماضيين كشفت أن كل من أعضاء المجلس تلقى مكافأة سنوية بقيمة 30 الف دينار. كما  تلقى أعضاء مجلس الإدارة بدل النقل السنوي بقيمة الفان واربعمائة دينار، أي حوالى  600 ضعف تكلفة إستخدام خدمة الحافلات التي توفرها الشركة.

وفي يوليو 2011، قامت وزارة الصناعة والتجارة باستبدال مجلس الإدارة المعين من قبل الكويتيين، ووضعت مجلساً موقتاً في مكانه بموجب المادة 168 من قانون الشركات. ويمنح القانون الوزارة صلاحية حل مجلس إدارة أي شركة مساهمة عامة إذا تبين أنها في ضائقة مالية أو إدارية وإذا كانت خسائرها تؤثر على حقوق مساهمي الشركة والدائنين.

ورغم أن المادة 168 تحدد ولاية المجلس الموقت بستة أشهر يمكن تمديدها لفترة مماثلة مرتين فقط إلا أن مجلس إدارة “المتكاملة” الموقت لم يتغير منذ ما يقارب الثلاثة أعوام. وقدم المساهمون الكويتيون إعتراضهم على تغيير المجلس في العام 2011 ورفعوا قضيتهم أمام المحكمة العليا الاردنية لكن المحكمة رفضت الإستئناف. ومنذ ذلك الحين يتواصل مستوى خدمات الشركة بالتدني.

وفي أواخر صيف 2013، انزلقت إحدى حافلات الشركة على منحدر بعد توقف مكابحها البائدة عن العمل ما أسفر عن مقتل أحد الركاب وإصابة 16 آخرين. وأكد المتحدث باسم ادارة الشرطة ان السائق فقد السيطرة على الحافلة عند فشل المكابح على منحدر حاد في شارع المصدار.

وبعد بضعة أشهر إشتعلت النيران في حافلة أخرى على خط الجامعة الهاشمية، وهو خط مدعوم من الحكومة لمساعدة الطلاب للتنقل إلى جامعاتهم النائية بتكاليف معقولة. وإشتعلت النيران في الإطارات الخلفية مما دفع السائق لإيقاف الحافلة وإجلاء جميع الركاب، وتصاعد الدخان الأسود فيما اجتاحت النيران مجمل الخافلة، وفق وسائل الإعلام المحلية.

الصيانة الرديئة وعدم توفر قطع الغيار ليست سوى بعض من مجموعة عقبات تواجهها شركة الحافلات.

وقال سائق حافلة فضل عدم الكشف عن هويته  إنه “عندما تتوفر قطع الغيار، فهم يقومون بإصلاح الحافلة. وإذا لم تتوفر فننتظر حتى يحصلوا عليها، فالأمر يعود إلى الشركة، وأحيانا نستخدم قطع غيار مستعملة.”

رحلة قصيرة واحدة على إحدى تلك الحافلات كفيلة بالكشف عن عمق ومدى المشاكل التي تواجهها الشركة. فالحافلات لا تلتزم بجدول زمني محدد، ولا تعمل على خطوط ثابتة. فترة إنتظار الحافلة في محطة مؤقتة في حي خلدا لا تقل عن العشرين دقيقة. ويعد الطلاء الأصفر والأحمر على عمود كهرباء المؤشر الوحيد على وجود محطة للحافلات. وينتظر السائق الركاب للتوافد إلى الحافلة فيما يدخن سيجارة، فيما ينهمر الركاب علىيه بوابل أسئلة عن أفضل الطرق للوصول إلى وجهاتهم، بسبب عدم وجود خرائط ترشدهم، فيجيبهم بصبر.

أقل من عشرة ركاب يستقلون الحافلة قبل أن تبدأ في رحلة طويلة تتقطعها محطات معتادة وأخرى غير منتظمة. محطات كثيرة للتعداد.

 خارج مقر المفوضية السامية للامم المتحدة للاجئين في  خلدا، إستقل رجل الحافلة وإنهال على السائق باستفسارات حول أنسب الطرق للوصول إلى السفارة السورية في منطقة عبدون الراقية. أوضح السائق أن الطريق الوحيد هي بالترجل من الحافلة في نهاية الطريق 18 كيلومترا في زهران،  وسط عمان، ثم أخذ سيارة أجرة لمسافة 8 كيلومترات إلى وجهته.  إنكفأ الراكب بنفسه في زاوية الحافلة.فالسفارة تبعد عن خلدا 10 كيلومترات لكن تكلفة سيارة الاجرة هي اربع أضعاف تكلفة الحافلة.

إضافة إلى دور الدليل, يعمد السائق على جمع أجرة الحافلة من الركاب والتي تقتصر على نصف دينار، مما يضطره احيانا الى ارجاع الباقي من المبلغ. ويوضح السائق أن تبادل المال وصرافته بين السائق والركاب يعد انتهاكاً واضحاً لقواعد الشركة،  التي تمنع السائقين من صرف المال للركاب. ويوجد على كل حافلة صندوق تعرفة بمثابة وعاء معدني بدائي غير مجهز بآلية عد المال الذي يدخله.

وقال السائق أن نظام التذاكر الذي تم إعتماده تحت رعاية المستثمرين الكويتيين كان يعمل بكفاءة أكبر ويخفف من عبء جمع التعرفة عن السائق. ولكن مجلس الإدارة الجديد قرر إلغاء التذاكر ونظام البطاقة الذكية في عام 2011 مبرراً ذلك بأن كل راكب يجب أن يدفع وفقا لمسافة رحلته ولكي لا ” تتساوي أجرة المسافات المتفاوتة.”

ولا تزل الحافلات تعمل على خطوط عشوائية مع غياب خطوط نقل ثابتة. وكل حافلة تقوم برحلة كاملة من بداية الطريق حتى نهايته ومن ثم تتحول إلى طريق أخرى.

وأعرب السائق عن ارتباكه وزملاه وتسائل “ما هو النظام التي تريدنا الشركة أن نعمل وفقه؟” مجيباً نفسه “لا أعرف.”

وأضاف أن الخطوط ينبغي أن تكون ثابتة، لأن الركاب يعتمدون بشكل كبير على السائقين للحصول على معلومات وتوجيهات “وليشعروا بمزيد من الراحة في التعامل مع سائقين مألوفين.” وقال إن “الأهم من ذلك [فان الخطوط الثابتة] أكثر فعالية لانها تمنح السائق القدرة على توقع أوقات الذروة على طريقه المخصصة.”

وسائل النقل العام في عمان لا زالت تفتقر التنظيم الفعال

 في خمسينيات القرن الماضي، أشرفت وزارة الداخلية والبلديات على سلطة منح وإصدار التراخيص لمشغلي الحافلات الخاصة. واستمرت هذه الممارسة لمدة أكثر من خمسة عقود، حتى تم تعيين هيئة تنظيم قطاع النقل العام في عام 2001 بهدف تخطيط و تنظيم وسائل النقل العام.

 تم تغيير اسم الهيئة لاحقاً لتصبح “هيئة تنظيم النقل البري.” لكن رغم  تغيير الاسم، إستمرت معاناة المدينة من التناقض بين التخطيط الحضري والهندسة المرورية في تعامل أمانة عمان الكبرى وإدارة النقل مع ملف النقل العام.

 وفي عام 2007، تم تمرير قانون جديد يمنح أمانة عمان مسؤولية تخطيط وإدارة النقل العام. لكن بسبب تفشي البيروقراطية الهائل في البلدية، لا تزال دائرتا وسائل النقل والمرور كيانين منفصلين وفي بعض الحالات، متناقضين.

 وتكمن مشكلة نظام الحافلات في شكله الحالي بعدم قدرته على تقديم أي حافز للركاب. ويعتبر زريقات أن العقود الموقعة بين أمانة عمان و مشغلي الحافلات تهدف بمجملها  إلى

زيادة عدد الركاب في الرحلة الواحدة، وبالتالي زيادة حجم الإيرادات دون تقديم خدمة نقل جيدة.

أما الصمادي فقال إنه يجب ايجاد “ركيزة لدعم وسائل النقل العام،” مضيفاً  “إننا نعمل على ذلك، وهناك أناس يخافون من ذلك بصراحة ويقولون كيف يمكنني كقطاع حكومي منح مال للقطاع الخاص.” وخلص الصمادي إلى أنه رغم أن “هذا القطاع خاص لكنه يوفر خدمات في المجال العام بطريقة ما.”

بدوره حمّل وزير النقل السابق علاء البطاينة شبكة الحافلات الإرتجالية مسؤولية إحباط جهود الحكومة المتكررة لدعم و تحسين قطاع النقل الذي أصبح قطاعاً تجارياُ مفتوحاً بدلاً من أن يكون قطاعاُ مؤسساتياً خاصا.

وختم قائلاً إن “[أصحاب الحافلات من نوع ‘كوستر’] يرثون تراخيص الحافلات، ويتعاملون معها كممتلكات خاصة.”

تم إعداد هذا التحقيق من قبل فريق مشروع حوكمة، وهو برنامج اعلامي استقصائي أطلقته مؤسسة طومسون رويترز في الاردن بالشراكة مع شبكة “أريج” إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *