عرائس تخضع لفحص العذرية تحت وطأة الجهل

16 يونيو 2010

بترا/سهير جرادات- دخلت العروس “أمل”، التي لم يمض على زفافها سوى بضع ساعات، إلى المركز الوطني للطب الشرعي في عمان برفقة والدتها وعريسها ووالدته، وعلى استحياء وقعت طلبا لفحص العذرية .

خيم الوجوم على وجوه مرافقي العروس عندما دخلت الى غرفة الفحص لتنضم إلى أكثر من مائة وخمسين حالة تم فحصها في مراكز الطب الشرعي في العاصمة وشمال وجنوب المملكة خلال العام الماضي ، بحسب قيود رسمية وذلك انصياعا لمواريث مجتمعية بالرغم من مخالفتها للشرائع السماوية والحقائق الطبية لمجرد عدم ظهور علامة العذرية (النزف الدموي نتيجة تمزق غشاء البكارة ) عند أول اتصال جنسي.

وقد يكون الرقم اكثر من ذلك بسبب مراجعتهن لعيادات اطباء النسائية والتوليد الخاصة ولدى القابلات القانونيات حيث اثبتت الدفاتر والسجلات الخاصة بالقابلة القانونية هدى الزاغة التي مارست المهنة على مدى 59 عاما خلال الفترة بين (1941 – 2000 ) ،. اجراءها الفحص لعدد من النساء لا تتجاوز 30 حالة على مدى سنوات عملها برغبتهن وبناء على طلب الزوج ،أو ولي الامر ،أو بالطلب من قبل الجهات القضائية او من قبل شيوخ العشائر

وأظهرت في الدفاتر الصيغة التي كانت تكتب بها نتيجة الفحص لتقديمها للجهة الطالبة ” اشهد انا القابلة القانونية هدى الزاغة بأني اجريت الفحص والمعاينة اللازمة على الانسة “.

” فوجدتها بنتا بكرا والله شهيد على ذلك “.

عودة الى غرفة الانتظار المكتظة جلس زوج أمل، “عامل الطوبار” الثلاثيني، يدخن بعصبية وبجانبه والدته التي جلست على احر من الجمر لمعرفة سجل العروس قبل الاقتران لمجرد عدم ظهور علامة العذرية عليها بنزفها بعد الاتصال الجنسي , مقابلهما جلست ام العروس وحيدة مطأطئة رأسها وهي تدعو الله: “أن يستر على ابنتها واسرتها وان لا يفضحهم بين الناس” .

وبعد هنيهات “شمخ “الرأس عاليا على صوت الطبيب الذي اعلمها بنتيجة الفحص مؤكدا أن ” الغشاء تمزق حديثا”.

فانفرجت أساريرها.

وأبلغ طبيب الارشاد النفسي الزوج “أن غشاء بكارة عروسته ذات فتحة كبيرة قد لا يسيل معها الدم بالشكل المتوقع” قبل أن تتعلق عروسه بكتفه متوجهين لعشّهما في مدينة الزرقاء، 25 كيلو مترا (شرق عمان) .

وطأة الجهل

بالرغم من التقدم العلمي والحضاري الذي شهدته المملكة منذ تأسيسها عام 1921، الا أن هذا التقليد لازال منتشرا في الريف والمدينة رغم تحريمه شرعا لأنه يلحق “الاثم بجميع الاطراف المشتركة باجرائه ” وهم ( الزوج والزوجة والطبيب الذي يجري الفحص ويلحقه عقوبة تعزيرية)، من وجهة نظر شرعية يؤيدها مفتش المحاكم الشرعية بدائرة قاضي القضاة عضو اللجنة الاستشارية للدليل القانوني للزواج الشيخ سليم علي المصري ,الا ان القانون لا يعاقب ايٍا من اطرافه وكذلك لم تتقدم اي جهة تشريعية للمطالبة بوقف اجرائه.

وتجيز المادة ( 115 ) من قانون الاحوال الشخصية اجراء فحص غشاء البكارة (العذرية في حال ادعت الزوجة علة الزوج ب ( العنة) ايِ عدم مقدرته على الوصول اليها وبعد امهال الزوج عاما كاملا ، ليصدر القاضي الشرعي امرا” باحالة الزوجة الى قابلة قانونية لاجراء الفحص للتحقق اذا تم الدخول بها ام لا ” بحسب الشيخ المصري.

تبين سجلات المحاكم الشرعية في المملكة خلال الفترة (2002-2006) ان عدد قضايا التفريق بسبب “العنة” بلغت 12 قضية، من إجمالي قضايا التفريق البالغة (4202) قضية علما بأن عقود الزواج وصلت إلى (281981) عقدا .

من جانبه قال عضو المحكمة الكنسية للروم الارثوذكس الخوري سالم مدانات ان عدد الحالات التي تقدمت لابطال الزواج بسبب عدم عذرية الزوجة قليلة جدا، لافتا إلى أنها “لم تتعد حالتين خلال اخر عامين.

” واللذين شهدا مئات الأعراس.

واشار الى ان المادة (249) من القانون البيزنطي أعطت الزوجة حق طلب الطلاق إذا كان الزوج ( عنيا) أي غير قادر على القيام بمهامه الزوجية لكن بعد مرور ثلاث سنوات من الزواج

واوضح الشيخ المصري ان من حق الزوجة التي تعرضت الى اجراء فحص غشاء البكارة اقامة دعوى تفريق للضرر بالمحاكم النظامية في حال شعورها بالاساءة ، لما سبب لها النفور من الزوج الذي شكك بعذريتها وجعلها ضحية الاتهامات بسقوطها بالرذيلة فقط لعدم وضوح علامات العذرية ، وتعرضها لضغوط نفسية واجتماعية دفعتها الى الموافقة على اجراء الفحص من قبل الطبيب.

وقال ” ان المحاكم الشرعية لم تنظر في مثل هذه القضايا إذ لم تتقدم احداهن بدعوى تفريق للضرر والاساءة”.

واكد مستشار الطب الشرعي بالمركز الوطني للطب الشرعي بوزارة الصحة الدكتور هاني جهشان أن الزوجة البالغة الثامنة عشرة من عمرها تتقدم بطلب اجراء الفحص ، في الوقت الذي يتقدم به ولي أمر الزوجة ( الزوج) بطلب اجراء الفحص لزوجته التي لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها .

حدد قانون الاحوال الشخصية الاردني لسنة 2006 سن الزواج بثماني عشرة سنة وسمح للقاضي في احوال معينة استثنائية ولظروف خاصة ، أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة للذكر والانثى ،”دون ان يحددها “.

واوضح الشيخ المصري ، ان تعريف الزوجة البكر حسب الدليل القانوني للزواج الذي صدر عام 2006 عن دائرة قاضي القضاة والمجلس الوطني لشؤون الاسرة لم ينص على وجود او زوال غشاء البكارة ” هي الفتاة التي لم يسبق لها الزواج او تم العقد عليها ،ولم يتم الدخول الحقيقي وقصد به ” المعاشرة ” والتقاء بين انثى ورجل ، ولم يقصد به وجود او زوال غشاء البكارة.

واكد ان عدم وجود غشاء البكارة لا يبرر للزوج طلب فسخ العقد ما لم يشترط في العقد ان تكون بكرا، بحسب ما قال, فاذا وجد الزوج غير ذلك فعلى الزوج ان يقيم دعوى بطلب فسخ عقد القران امام القاضي، الذي بدوره يطلب احالة الزوجة الى القابلة للنظر اليها وبيان الرأي الطبي بذلك .

واظهرت دراسة اجراها المركز الوطني للطب الشرعي انه تم اجراء “56 ” حالة فحص بيان حالة غشاء البكارة للمتزوجة حديثا على مدى خمس سنوات منها “36 “حالة كان غشاء البكارة سليما كما تضمنت “10 ” حالات تعاني من تمزقات قديمة قد تكون خسرتها حسب رأي الاطباء الشرعيين بسبب عارض مرضي او عرضي بتعرضها لحادث او نتيجة اتصال جنسي قديم وست حالات أخرى تمزقات حديثة لاتصال جنسي لم يمض عليه اكثر من 36 ساعة ، واربع حالات كان غشاء البكارة سليما وبه بعض الكدمات .

اثنتان من بين ثماني عرائس تمت مقابلتهن خلال اعداد هذا التقرير قلن انهما آثرتا الطلاق على مواصلة العيش في بيت زوجية يفتقد إلى أعمدة الثقة بسبب أصرار العريس على اجراء فحص العذرية.

رغم تأكيد الأطباء أن معيار العذرية ينطبق عليهن، آثرت خمس عرائس الإبقاء على الحياة الزوجية رغم تعاستهن، فقط لتجنب مواجهة تعليقات المجتمع القاسية.

مآسي عرائس

“حياة” واحدة من بين 24 حالة على الاقل راجعن مركز الطب الشرعي لاقليم الشمال بوزارة الصحة العام الماضي – بواقع حالتين شهريا – بحسب مديرها الدكتور علي شوتر, ويضم الاقليم محافظة اربد ذات المليون نسمة، ثاني محافظة بعد العاصمة عمان بعدد السكان.

وبين شوتر ان اثبات عذرية الانثى وسلامة غشاء البكارة يتطلب المعاينة خلال ساعات لمشاهدة علامات الإصابة في منطقة الاعضاء التناسلية مثل ( نزف، تمزق غشاء البكارة، التكدم، أو وجود حيوانات منوية) ، ويصعب تاريخ اثبات زوال العذرية إذا تأخر الفحص لعدة أيام أو أسابيع.

تمتزج مشاعر الفرح بدموع الحزن على محيّا “حياة ” وهي تحاول التقاط أنفاسها بعد أن تكسرّت أحلامها في ليلة العمر، وباتت عاجزة من شدّة صفعات شريك حياتها عن الإجابة على سؤال “من أخذ عذريتك !؟”.

ظلت هذه العروس الجامعية غارقة بدموعها حتى صباح اليوم التالي، لتكون أول مراجعة تدخل المركز الوطني للطب الشرعي (إقليم الشمال) بمحافظة اربد 80 كيلو مترا شمالي عمان , لتخضع “لفحص العذرية” ، الذي اثبت ان عذريتها ما زالت موجودة”، حسبما استذكرت “حياة”

تملّك “حياة ” شعور خاطىء بأن مشكلتها قد انتهت , إلا أن الزوج لم يكتف بقراءة المركز الحكومي وعاود الكرة من جديد بحثا عن مسببات اختفاء “علامة العذرية”، تدفق الدم.

وهكذا يجدّد الضربات لعروسه، ثم يلجأ الزوجان لطبيب خاص، فيؤكد لهما “وجود الغشاء على حاله ” يبقى العريس حانقا حتى يشرح له الطبيب حقيقة علمية تتعلق بنوع (مطاطي) من غشاء البكارة لا تفقده المرأة عند المعاشرة “.

ورغم استياء “حياة” من حادثة “يوم الدخلة “وعدم رضاها عن الحالة الاشكالية التي وضعت فيها كعروس، الا انها تتمسك بشريك حياتها وترفض الانفصال عنه، خوفا من المجتمع ونظرات زملائها بالعمل , فهي تجاوزت العقد الخامس ما دفعها للموافقة أخيرا على عامل دهان موبيليا هربا من “العنوسة”، بحسب قولها.

من جانبه اكد مدير مركز الطب الشرعي لاقليم الجنوب بوزارة الصحة الدكتور أعوض الطراونة ان الحالات التي تراجع المركز في الجنوب لا تتجاوز واحدة اسبوعيا ، وبحد اقصاه لا يصل الى خمسين حالة سنويا .

مقابل المركز، جلست “سماح” داخل بيتها المتواضع تستذكر ما حدث معها ليلة زفافها قبل 19 عاما , وقتها عزمت والدتها على ان تقضيها معها في بيت الزوجية إلى جانب حماتها للتأكد من ظهور علامات العذرية التي وضعت على “محرمة قماش” , بعدها غادرت الأم في صبيحة اليوم التالي لتزف الخبر إلى الوالد الذي كان ينتظر على أحر من الجمر للاطمئنان على سمعته.

وترى “سماح” أن ما جرى عرف اجتماعي معروف لدى العديد من العائلات في إحدى قرى الجنوب لذلك فهي “لا تشعر بالحرج من ذكر هذه القصة”.

انواع الاغشية

اجراء فحص غشاء البكارة لا يثبت عذرية المرأة كما يعتقد خطأ ، انما يبين أنه لم يمارس معها الجنس بالسابق ” ، بحسب الدكتور جهشان الذي اوضح انه يعود لنوع الغشاء الذي يسمح بحصول المواقعة الجنسية دون أن يتمزق، ولوجود اختلافات بيولوجية طبيعية في التركيب التشريحي لكثافة الغشاء واختلاف قطر فتحته من انثى الى أخرى.

قال اطباء الامراض النسائية ان هناك عدة أنواع لغشاء البكارة ,واشارت دراسة عالمية نشرتها مجلة “اللانست “البريطانية الى أن 16 % من النساء المتزوجات لا يفقدن غشاء بكارتهن إلا بعد الولادة الأولى.

واوضح الدكتور الطراونة أن غشاء البكارة قد يزول ( خلقيا، أو بسبب مرض أو عارض سقوط)، او التعرض لاحتكاك جسم “راض” او “حاد” يسبب اصابة منطقة الاعضاء التناسلية ، خاصة صغيرات السن ، اللواتي يلعبن على المراجيح والالعاب أو ركوب الدراجة الهوائية.

وبين ان المركز اجرى فحص العذرية لطفلة عمرها ست سنوات اثر سقوطها على احدى شمعات البناء احدثت جروحا قطعية في منطقة الاعضاء التناسلية افقدتها عذريتها لتهتك غشاء البكارة لتجرى لها عملية ترميم للمهبل .

وجرى ايضا فحص العذرية لفتاة جامعية بعد تعرضها لجرح قطعي في منطقة الاعضاء التناسلية جراء حادث سير حسب الطراونة الذي اكد ان الحالتين حصلتا على تقرير طبي بالحالة الصحية لكل منهما باعتبارهما بكرا.

واظهرت نتائج دراسة للمركز الوطني للطب الشرعي اجريت على (211) غشاء بكارة سليما خلال ثلاث سنوات ، لبيان الاختلافات البيولوجية الطبيعية في التركيب التشريحي لغشاء البكارة، صنف منها (122)غشاء بكارة واسع الفتحة يمكن معها حصول المواقعة الجنسية دون ان يتمزق الغشاء ، مما يصعب معه تحديد إمكانية المواقعة الجنسية .

وبين ان بعض الحالات جرى اجراء فحص العذرية لها بالمركز لاثبات عدم تعرضها لاستغلال جنسي لتغيب الفتاة عن منزل ذويها او لتعرضها لاغتصاب او اي نوع من الاستغلال الجنسي تحت ما يعرف باسم ” جرائم الشرف ” حسب قول الدكتور جهشان.

ودعا الشيخ المصري الجهات المعنية الى وقف اجراء ” فحص العذرية ” الا بأمر من المحكمة او من خلال تحويل من القاضي للطبيب الشرعي لما قد يسببه من اضرار اجتماعية ونفسية ، قائلا انه ” ولعدم تقدم اي زوجة بدعوى تفريق للضرر النفسي الناجم عن اجبارها على اجراء ” فحص العذرية ” لم تتقدم الدائرة ببيان الحكم الشرعي ليصار الى وقفه .

واكد اخصائي الطب النفسي الدكتور جمال الخطيب ان اجراء فحص غشاء البكارة يحدث “شرخا بالعلاقة الزوجية” التي تبدأ بداية غير متوقعة للزوجة يولد لديها شعورا بالطعن بشرفها.

“لا تستطيع العروس ان تتجاوزه او تتقبله بسهولة وقد تستمر تداعياته لفترة طويلة تغيب معه الثقة بين الزوجين ويدخل الشك لقلب الزوج لقلة المعرفة بالعلاقة الجنسية والجهل”.

“أمل وحياة وسماح” نماذج من النساء اللاتي انصعن لاجراء فحص غشاء البكارة (العذرية) خوفا” من التقاليد الاجتماعية العقيمة التي لا تستند الى علم او دين ، ولكن من ينهي معاناتهن وغيرهن مستقبلا بمنع اجراء “فحص العذرية “الا في الحالات التي اكدت عليها الشريعة والقوانين والمواثيق الطبية ولاثبات حالات الاعتداء الجنسي .

تم إعداد هذا التحقيق بدعم وإشراف من شبكة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية -أريج ” -وباشراف الزميل سعد حتر

وثائق التحقيق


  • تعليقاتكم

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *