شباك اليمن الخاوية

29 نوفمبر 2021

صيادو المهرة والمكلا يمنعون عن رزق البحر

اعتاد الصيادون اليمنيون الإبحار على شواطئ يصل طولها إلى أكثر من 2500 كيلومتر. ممتدة عبر واجهتين بحريتين، من البحر الأحمر إلى بحر العرب، مروراً بمضيق باب المندب. مئات السنين، لا بل أكثر، وأجداد سامي مرعي وغيره من الصيادين يمخرون عباب البحر، من دون قيد، بحثاً عن رزقهم.

منذ عام 2016، وشباك سامي مرعي خاوية. اعتاد سامي، الذي يقيم في مدينة المكلا عاصمة حضرموت شرق اليمن، النزول إلى البحر لمدة 15 عاماً، إلى أن تم منعه من الإقتراب من مناطق على سواحل مدينة الشحر، حيث يعتاش من مينائها أكثر من أربعة آلاف صياد.


إلى الشرق قليلاً من حضرموت، تقع محافظة المهرة، وفيها أبو عباس المهري الذي يمتهن الصيد منذ تسعينيات القرن الماضي، مُنع أيضاً من الاقتراب من أماكن محددة في البحر، ونتيجة هذا المنع الذي تضرر منه الصيادون، “تجد الصياد، غير قادر على توفير قوت يومه”، حسب ما يقول المهري. ويضيف أن بعض الصيادين الذين يصل دينهم إلى 400 أو 500 ألف ريال يمني يعجزوا عن السداد.

أصل الحكاية

بدأ التدخل العسكري في اليمن من قبل التحالف المؤلف من مجموعة دول عربية في آذار/مارس 2015، بطلب من الحكومة المعترف بها دولياً. وخلافاً لما أعُلن عنه في البداية من أن العمليات العسكرية قد تستمر من أسابيع إلى شهور، تحوّل دعم القوات الحكومية في مواجهة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، إلى حضور عسكري مباشر لأبرز دولتين في التحالف، السعودية والإمارات العربية المتحدة، في محافظات لا تواجد للحوثيين فيها، كحال المحافظات الشرقية: حضرموت والمهرة.

التدخل كان له أضرار مباشرة على الصيادين اليمنيين. تأتي مدينة المكلا في صدارة المدن المتأثرة، حيث يقول الصيادون إنهم مُنعوا من الاقتراب من البحر في المنطقة الواقعة بين مطار الريان وميناء الضبة النفطي، بمبرر وجودها “قرب مواقع عسكرية ونفطية”، وذلك اعتباراً من نيسان/أبريل 2016، تاريخ انتشار قوات التحالف والقوات اليمنية المدعومة منها في المدينة.

تظهر صور الاقمار الاصطناعية قوارب الصيادين مرمية على شواطئ مدينة المكلا التي تغنى بها الشعراء، في دلالة على غياب النشاط البحري في المناطق المحظورة، منذ أن قامت قوات التحالف بإصدار تعليمات تمنع الصيادين من الوصول للبحر، والدخول الى أعماق معينة وبالتالي حرمانهم من مصدر رزقهم، علما أن غالبيتهم لا يعرف مهنة إلا الصيد.

وعلى الرغم من تأكيدات المعنيين من صيادين ومسؤولين على المنع، إلا أنه لم يتسن لمعدة التحقيق الوصول إلى نسخة من التعليمات أو القرارات الصادرة عن التحالف بهذا الشأن، بقدر كونها تعليمات نافذة لا يختلف حولها اثنان.

Document1
Document1
Document1

بحث هذا التحقيق واقع الصيادين اليمنيين في منطقتي المهرة والمكلا استناداً إلى الإجراءات التي بدأت منذ عام 2016، وتشير البيانات التي قامت معدة التحقيق بتحليلها للفترة من 2003 الى 2019 إلى تراجع كمية وقيمة إنتاج اليمن من الأسماك بشكل عام . إذ بلغت نسبة الثروة السمكية المستخرجة خلال العام 2004 عشرة بالمائة، من إجمالي كمية إنتاج الأسماك خلال الفترة من 2003-2019، فيما كان إجمالي إنتاج الأعوام من 2015 حتى 2019 ما نسبته 4 بالمائة فقط .

Made with Flourish



وتظهر بيانات الفترة التي سبقت الحرب وتشمل الأعوام 2003-2014، أن المهرة وحضرموت أنتجتا ما يقرب من ثلثي إجمالي الناتج المحلي للبلاد من الأسماك، إذ تحتل المهرة المرتبة الأولى في الإنتاج السمكي خلال الفترة ذاته بما يزيد عن ثلث إجمالي إنتاج البلاد، وتأتي حضرموت بالمرتبة الثانية بإنتاج ربع الكمية.

Made with Flourish



بعد إجراءات منع الصيد في المناطق المذكورة، لجأ الصيادون إلى الأساليب السلمية بما فيها تنظيم الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بإنهاء الحظر، لكن قوات التحالف والجهات الأمنية المحلية الموالية لها، واجهتهم بالقمع والتهديد، كما يقول الصياد أبوعبدالله.”عندما نقوم أو نعتزم عمل وقفات احتجاجية يتم تهديدنا بالاعتقال من قبل الاستخبارات التابعة للمنطقة الثانية (القوات اليمنية) وذلك بإيعاز من قوات الإمارات المتواجدة في المطار” . كما أنه ووفقاً للصياد سامي مرعي، فإن محاولاتهم التواصل مع مسؤولي السلطة المحلية تفشل .

ويضيف مرعي والذي كان يملك قاربين، إن قرارات الحظر “انعكست علينا بالضرر، والدخل ما عاد يساعد والصياد ما يشتغل صيد لوحده”. ويضيف “بعدما تم اغلاق البحر من قبل التحالف تركت مزاولة المهنة واشتغلت في مهن ثانية من شان نعيش، نشتغل فرزة أو محل سندوتش ونمشي.. نمشي” .

نقاط عسكرية على سواحل المهرة

يظهر تحليل صور الأقمار الصناعية لمحافظة المهرة استحداث التحالف 11 موقعا عسكريا، على طول الشريط الساحلي، وبالقرب من 11 مركز إنزال سمكي من بين 12 مركزاً هي إجمالي مراكز الإنزال في المحافظة. تم إنشاء أول قاعدة عسكرية قرب مركز نشطون في أب/ أغسطس 2018 وأول معسكر قرب ميناء قرحيت السمكي في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته. وواصل التحالف إنشاء المعسكرات خلال عام 2019، مضيفا ثماني معسكرات جديدة وعدد من القواعد العسكرية. وبحسب تأكيدات ابو عباس المهري فإن وجود هذه النقاط، زاد من حدة الحصار على الصيادين ومنع الأسمدة الزراعية من الدخول، بالإضافة إلى التحكم بكل ما يمر إلى المهرة بحراً .

حرك الماوس علي المواقع في الخريطة

قواعد ومواقع عسكرية مراكز إنزال سمكي

رئيس ملتقى الصياد التهامي بمحافظة الحديدة محمد الحسني، أوضح أن خسائر الصيادين ليست في ضياع مواسم الصيد فقط، بل يضاف اليها تعرضهم للاعتقال، مشيراً إلى أن هناك أكثر من ١١٠٤ صياد اعتقل من جانب التحالف، على حد قوله .

وتظهر بيانات “المشروع اليمني” الذي وثق غارات جوية للتحالف خلال الفترة من 2015-2019، أن نصيب الصيادين وقواربهم والبنية التحتية الخاصة بالصيد من الغارات كان 52 غارة جوية توزعت بين محافظتي الحديدة وتعز، وأدت إلى مقتل 125 صياداً، وإصابة 75 آخرين .

وأفاد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نُشر في آب/ أغسطس 2019 بمقتل 47 صياداً ييمنياً على الأقل، جراء خمس هجمات، شاركت فيها سفن حربية ومروحيات، كما أشار التقرير نفسه، إلى احتجاز أكثر من 100 صياد يمني من قبل القوات السعودية لفترات تتراوح من 40 يوما إلى عامين ونصف، في مراكز الاحتجاز والسجون في السعودية ، ووثق التقرير شهادات لمعتقلين سابقين أفادوا بتعرضهم لـ”التعذيب أثناء الاحتجاز في السعودية” .