تجار فلسطينيون وإسرائيليون يبيّضون تمور المستوطنات

22 نوفمبر 2014

وطن للانباء – في منطقة الأغوار، تتنافس قرى فلسطينية مع المستوطنات الإسرائيلية في زراعة التمور، خاصة ذات النوع الفاخر المعروف بـ”المجول”. إلا أن تلك المنافسة تلقى حربًا إسرائيلية من نوع آخر، حسبما يصفها مزارعون فلسطينيون.

 تتمثل المواجهة في تهريب تمور من المستوطنات إلى أسواق الضفة الغربية، وتغليفها وبيعها بأسماء عربية تخدع المستهلك الفلسطيني على أنها من إنتاج مزارع وشركات فلسطينية. تقوم بذلك سلسلة حلقات بدءا من شركات إسرائيلية مرورا بتجار وشركات فلسطينية، مستغلة ضعف رقابة السلطة الفلسطينية – وزارتا الزراعة والاقتصاد والضابطة الجمركية – رغم وجود قانون يجرّم التعامل مع المستوطنات بأشكاله كافة.

ويرصد هذا التحقيق عمليات تحايل واستخدام تصاريح نقل تمور فلسطينية وشهادات منشأ تمور تعبأ داخل مصانع في مستوطنات قبل تهريبها ثم “تبييضها” في مراكز تعبئة وشركات فلسطينية في الجهة المقابلة. كما يرصد التحقيق – الذي استمر العمل في إعداده قرابة العام – تأثير هذا التحايل وأضراره على المزارع والاقتصاد الفلسطيني.

مع بدء موسم قطف التمور عام 2013، ظهرت شكاوى من مزارعين حول وجود عمليات تهريب وتبييض لتمور من المستوطنات. على إثر ذلك جال معد التحقيق في عشرة مصانع وشركات ومزارع تمور، كما تمكن من الدخول إلى ثلاثة من مصانع تعبئة وتغليف علب التمور في المستوطنات الإسرائيلية.

في قرية مرج غزال بالأغوار الشمالية يتفقد ممدوح أبو جرار مزرعته التي تواجه منافسة شديدة من تمور المستوطنات. أبو جرار – أحد أعضاء جمعية النخيل  التي ترأسها لمدة 5 أعوام- يقول  إن الإسرائيليين “يقومون من خلال مهربين فلسطينيين بإغراق السوق المحلية بتمور مضى عليها عام مخزنة في الثلاجات، إذ كان العام الحالي والماضي من أكثر الأعوام خطورة على المزارعين الفلسطينيين”.

من جهته، يقول رئيسَ مجلسِ النخيل الفلسطيني إبراهيم دعيق – الذي تمتلكُ عائلتُه واحدًا من أكبر مصانع التمور في فلسطين- إن “مهربي التمور هم الذين كانوا يعملون مع الإسرائيليين قبل قدوم السلطة (1996)، ومعروفون لدى المزارعين وللسلطة”. لكنهم غيروا من أشكال التهريب لظهور إجراءات قانونية جديدة تمنع إدخال منتجات المستوطنات، حسبما يضيف.

في المقابل، يرى بعض مالكي شركات تعبئة وتغليف التمور التي تصدر للخارج أن الحديث عن عمليات التهريب والتبييض لتمور المستوطنات “يؤثر سلبًا على سمعة واسم المنتج الفلسطيني”. من هؤلاء رئيس مجلس إدارة شركة “فريش جيت” خضر زواهرة، الذي تصدر شركته أكثر من 250 طنًا من التمر سنويًا  لنحو 30 دولة.

ويقول زواهرة إن ذلك “يؤثر علينا في الخارج أكثر من الداخل من ناحية السمعة، حيث أن عمليات التصدير مضبوطة ولا تحتوي على تمور المستوطنات، لكن يكون التهريب للسوق المحلية”.

– عدد مستوطنات الأغوار يبلغ 21 مستوطنة، يسكنها نحو 4500 مستوطن

– عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يبلغ 144 مستوطنة، يسكنها قرابة 600 ألف مستوطن.

– عدد سكان محافظة أريحا والأغوار يبلغ 50 ألف نسمة، يعمل غالبيتهم في الزراعة.

– 55 دولة عربية وإسلامية وغربية ترفض التعامل تجارياً مع المستوطنات في الضفة الغربية لاعتبارها أرض محتلة من قبل إسرائيل منذ

عام1967.

 

ويؤكد مدير مديرية زراعة أريحا والأغوار السابق أحمد الفارس، أن تهريب التمور من المستوطنات إلى السوق الفلسطينية موجود، لكنه ينفي وجود تقصير رسمي في مكافحة التهريب والتبييض.

ويقول الفارس: “لدينا في الأغوار مستوطنات تنتج معظمها تمور، ولا أخفي عليك وجود عمليات التهريب، لكن هناك متابعة لمكافحة التهريب والحد منه”.

القانون:

ووفقا القرار بقانون رقم (4) لسنة 2010، بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات، فإن المادة الرابعة من القرار تنص على أنه “1-  تعتبر كافة منتجات المستوطنات سلعا غير شرعية وتحدد بموجب قائمة تصدر بقرار من المجلس. 2-  يحظر على أي شخص تداول منتجات وخدمات المستوطنات. 3-  يحظر على أي شخص تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات”.

وينص البند الأول من المادة رقم (14) من ذات القانون على “الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من تداول منتجات المستوطنات، وكل من شارك أو أسهم في تداولها أو ورَد سلعة أو خدمة للمستوطنات”.

كيف يتم التهريب والتبييض؟

يقول المزارع أبو جرار، إن المصانع الفلسطينية تأتي بالتمور الإسرائيلية (من إنتاج المستوطنات) وتتم تعبئتها في مصانع بالأغوار أو في أريحا وتسويقها على أساس أنها منتج فلسطيني.

ويشير دعيق إلى أن بعض المهربين يستغلون أماكنهم في المنطقة المسماة “سي” التي لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، ويقومون بالتهريب إليها.

جال معد التحقيق في ثلاثة مصانع إسرائيلية باعتباره أحد تجار التمور؛ وهي “ريمون اكسبورت في مستوطنة تومر، ومزرعة رامي كفير قرب مستوطنة مسواة، وميشك أرافيل قرب مستوطنة جلجال”.

والتقى بمسؤولي المصنعين والمزرعة، وعرض عليهم شراء خمسة أطنان تمر “مجول”، بشرط أن تكون في علب بعلامات تجارية عربية وليس عبرية، فأخبره بأن لا مانع لديهم في ذلك، لكن الأهم الحصول على المال وجني الأرباح.

في مصنع “ريمون إكسبورت”، توصل مع مسؤول المصنع إلى اتفاق مبدئي بشراء كيلو التمر من ذات الجودة العالية بـ 12 شيقل (3.2 دولار) وتعليبه تحت العلامة التجارية المقترحة، حتى يتمكن معد التحقيق من تسويقه في الضفة الغربية.

أما في مصنع ميشك أرافيل، فاتفق مع أصحابه على تصميم علبة تمر تحمل اسمًا عربيًا (تمور الأغوار) يناسب علب التمور التي يصنعها. وفي مزرعة “رامي كفير” التي تضم مصنعا صغير لتعبئة وتغليف التمور، فلم يكن لدى مسؤولي المصنع أي مشكلة بتصميم علب تمور تحمل أسماء عربية ولاصقات مكتوب عليها أنها من إنتاج فلسطيني. وحينما سأل معد التحقيق: “هل بالإمكان تصميم علبة تمور عربية لديكم ووضعها على علبة التمر”؟ أجاب أحد المسؤولين: “مقابل المصاري بصير كل اشي”.

الإجراءات والرقابة

يقول أبو جرار إن التمور تغطى “بشكل قانوني”، إذ تمنح وزارة الزراعة الفلسطينية المزارعين تقديرات وهمية أكبر من الكمية الحقيقية للمنتج، موضحًا “من الممكن أن تمنحني الوزارة تقدير 20 طن تمر، ويكون إنتاجي الحقيقي 15 طنا، ثم يأتي تاجر لشراء 15 طنا لكن بترخيص 20 طن، حسب تقديرات وزارة الزراعة. ثم يدخل خمسة أطنان إلى السوق الفلسطيني بشهادة فلسطينية تحتسب ضم سجل المنتج لدى الوزارة”.

ويضيف دعيق أن تقدير إحدى مزارعه كان قرابة مئة طن، لكن عند قطف الثمر تبيّن أن إنتاجها لم يتجاوز 68 طنًا.

في المقابل، يرفض الفارس تلك الإدعاءات، ويؤكد أنه قبل بداية موسم قطف التمر تذهب لجنة من مديرية الزراعة مكونة من 3 مهندسين إلى المزارع الفلسطينية للكشف وترصيد حجم الإنتاج، ويتم تسجيله لدى المديرية.

وفي مثال على ذلك، يقول “وجدنا أن حجم إنتاج مزرعة (س) يساوي 10 أطنان، نرصّد له في مديرية الزراعة 10 أطنان، ويمنح صاحب المزرعة تصاريح بحجم الترصيد البالغ 10 أطنان فقط”.

ويشير الفارس إلى أن قسم الرقابة الزراعية في المديرية يعمل بنظام المناوبة (الشفتات) ومكون من عناصر من الوزارة والضابطة الجمركية والمحافظة، إذ تقوم اللجان الزراعية بجولات على المصانع لرصد كميات التمور لديها وتسجيلها لدى مديرية الزراعة، ومنحها شهادة منشأ حسب الكمية التي تملكها.

إلى جانب وزارة الزراعة، يفترض أن تتولى الضابطة الجمركية ووزارة الاقتصاد مسؤولية مكافحة تهريب وتبييض تمور المستوطنات. يتركز دور الضابطة الجمركية على الإشراف على مداخل المدن وملاحقة عملية التهريب، فيما تقوم وزارة الاقتصاد بفحص قانونية المنتجات داخل الأسواق في المدن الفلسطينية.

لم يجد معد التحقيق أي حضور للضابطة الجمركية على الشارع الواصل بين قرى الأغوار المنتجة للتمور وأريحا أو حتى مدخل المدينة، ما يسمح بعملية التهريب إلى المدن الفلسطينية دون رقابة. عن  ذلك  يقول مدير دائرة الاتصال في الضابطة، المقدم نضال أبو سعدة، إن هناك “عبئًا  كبيرًا يقع على الضابطة لأنها الجهة التنفيذية الوحيدة، بسبب قلة عدد عناصرها”. حاولنا معرفة عددها إلا أن أبو سعدة رفض الحديث بالموضوع باعتبار أن ذلك غير مسموح التصريح به.

في أسواق مدينة رام الله، وجدنا علب تمور تحمل أسماء عديدة غير التي تنتجها المصانع الرئيسة، مثل تمور “الرحمن، الأراضي المقدسة، ماريا ..الخ”، فحاولنا الوصول إلى العناوين المطبوعة عليها، لكننا لم نعثر على أي أثر لها.  وكان أحدها واقعًا ضمن منطقة “المربع الأمني في محيط مقر الرئاسة الفلسطينية (المقاطعة)، وهو المكان الذي يخضع لرقابة أمنية مشددة. كما حاولنا الاتصال بأرقام الهواتف المطبوعة على العلب، فكانت مغلقة.

توجهنا إلى مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد فلم نجد بيانات بأسماء شركات هذه العلب، ما ضاعف من شبهات استخدام هذه الأسماء لتبييض تمور المستوطنات المهربة. إذ يخبرنا مراقب الشركات حاتم سرحان بأن تسجيل الشركات يتم لديهم لكن الترخيص يكون لدى الوزارات الأخرى ذات الاختصاص، مؤكدًا أنهم دائما يطالبون بتعزيز التعاون مع الجهات ذات العلاقة لأنه عمل متكامل حتى يكون هناك شركات حقيقية معروف واقعها.

حجم الإنتاج والتهريب

وفق بيانات وزارة الزراعة، فإن حجم الإنتاج الفلسطيني من التمور خلال موسم 2013 بلغ قرابة 3200 طن، وتم تصدير حوالي ألفي طن منها، بينما تبقى للسوق المحلية 1200 طن، إلا أن ذلك غير كافٍ لتلبية احتياجات السوق، وفق ما ترى مديرية زراعة أريحا.

ويقول الفارس إن حجم استهلاك الفرد من التمر سنويا وفق إحدى الدراسات بلغ حوالي 700 غرام، مؤكدًا أن ذلك غير كافٍ، ما يدفع الوزارة لاستيراد أصناف تمور لا تزرع لدى الجانب الفلسطيني.

وحسب بيانات وزارة الزراعة، فإن حجم استيراد التمور من الجانب الإسرائيلي يبلغ قرابة ألف طن على مدار العام.

مقابل ذلك، أعد مركز بيسان للدراسات دراسة عن حجم تهريب تمور المستوطنات، أظهرت بشكل واضح أن السوق المحلية بحاجة لستة آلاف طن من التمور في أقل تقدير.

السوق الأردنية الأقرب لفلسطين تستهلك سنويا 16 ألف طن تمر سنويا في بلد يفوق عدد سكانه السبعة ملايين نسمة، بمعدل استهلاك الفرد يبلغ 2.5 كيلو غرام سنويا.

وفي حال كان استهلاك الفرد الفلسطيني 2.5 كيلوغرام، فإن استهلاك الفلسطينيين في الضفة الغربية (2.8 مليون نسمة) سيبلغ 7 آلاف طن سنوياً، ما يعني أن حجم العجز في احتياج السوق من التمور 5 آلاف طن.

الأضرار

يتسبب التهريب والتبييض بخسارة المزارعين الفلسطينيين الصغار، والالتفاف على حملات المقاطعة لإسرائيل التي تتضاعف على المستوى المحلي والعالمي، بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية، منذ 1967.

يقول المزارع أبو جرار إن العام الحالي شهد بيع كيلو التمر المهرب بسبعة شواقل، بينما يباع كيلو التمر الفلسطيني بـ 12 شيقل (3.2 دولار)، إذ يلجأ المواطنون إلى شراء الأرخص، الشيء الذي يسبب خسارة للمزارعين الفلسطينيين مقدارها 5 شواقل (1.3 دولار) لكل كيلو.

إلى جانب ذلك، يرى صاحب شركة “فرشت جيت”، أن التهريب والحديث عن التبييض لهذه التمور يشوه سمعة المنتج الفلسطيني، بخاصة في بعض الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي وتركيا التي تفرض قيودا على منتجات المستوطنات.

النتيجة:

– الإجراءات والرقابة الحكومية غير رادعة لعمليات التهريب والتبييض.

– تصدير التمور بكميات كبيرة للخارج يزيد من حاجة السوق المحلي للتمور التي يتم تهريبها من المستوطنات.

– بعض التجار الفلسطينيين والإسرائيليين يقومون بتبييض التمور في المستوطنات والمصانع الفلسطينية.

– انتشار منتجات تمور لشركات في السوق الفلسطيني بأسماء غير مسجلة لدى وزارة الاقتصاد وعناوين وهمية.

– التهريب والتبييض يشكل خسارة كبيرة للمزارعين الفلسطينيين.

– تبييض تمور المستوطنات يشكل التفافا على القانون الفلسطيني وعلى حملات المقاطعة لمنتجات المستوطنات.

 

– لا أرقام أو إحصائيات دقيقة بحجم الإنتاج أو الاستهلاك المحلي، ما يصعب عملية ضبط التهريب.

– تعدد الجهات الرقابية في ضبط التمور يقلل من عملية الضبط.

تم إنجاز هذا التحقيق التلفزيوني بدعم وإشراف من شبكة (أريج) إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربيةwww.arij.net .


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *