تحقيق: غسان صالح
أمل الشفاء رافقه خمس سنوات وهو يتناول أدوية للعلاج من مرض ألمّ بكليتيه ليتبدد في لحظة أخبره فيها الطبيب ان كليتيه قد توقفتا عن العمل.
انضم بعدها «مرشد» إلى قائمة المصابين بمرض القصور الكلوي النهائي في سورية، والمقدر عددهم بأكثر من 5900 مريض، يفاقم وضعه وجود 2000 مريض منهم يحتاجون لنحو 300 جهاز كلية صناعية وفق المقاييس العالمية في بلد يتوفر فيه حالياً 140 جهازاً لغسل الكلى، بينما ينضم إلى الركب ما بين 1200 إلى 1400 مريض جديد سنوياً..
وتشير الإحصاءات العالمية إلى ان وسطي حدوث الفشل الكلوي النهائي هو 54 مريضاً لكل مليون نسمة ثلثهم يحتاج لجلسات الغسيل.
مرشد، 33 عاماً، لا يحيا حياة الشباب العادية، أثناء جلسات الغسيل يراقب خروج دمه من جسده إلى جهاز التنقية والعودة، ولمدة تزيد عن ثلاث ساعات لثلاث مرات في الأسبوع، يعيش بحذر وتقتير شديدين، فشرب كمية ماء عادية من الحنفية سيضطره إلى جلسة غسيل اسعافية ما يعرض حياته لخطر أكبر.
حالته تزداد سوءاً
لا أمل لمرشد إلا بزرع كلية تتم مجاناً في ثلاث مشاف عامة في سورية هي: تشرين والمواساة والكلية الجراحي، حيث بدأت هذه العمليات عام 1972 عندما صدر القانون رقم 31، لكن الاختبارات والتحاليل التي أجراها أقاربه المتبرعون لم تعطِ النتائج المطلوبة حسب طقوس قطف الكلية، بما فيها دراسة حالة المريض والمتبرع من قبل لجنة، ومن ثم إعطاء الموافقة وتخصيص جلسة علمية لمناقشة كل حالة حصلت على الموافقة ليتم بعدها تحديد البروتوكول العلاجي العالمي التي يلتزم المشفى بتطبيقها.. فهل يمكن لهؤلاء المرضى أمثال «مرشد» العثور على متبرع حي من غير الأقارب دون الاضطرار إلى دفع مبالغ من المال لشرائها من متبرعين بطريقة غير مشروعة في أغلب الأحيان؟!.
وفق قانون زرع الأعضاء الجديد رقم 30 لعام 2003 المعدل لقانون رقم 31، فإن التبرع يجب ان يكون دون لقاء مادي وإلا اعتبر اتجاراً بالأعضاء.. وبيّنت المادة السابعة من القانون عقوبة ذلك بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة من 50 إلى مئة ألف ليرة سورية (1000 – 2000 دولار تقريباً).
علم مرشد عن طريق مرضى آخرين ان بإمكانه العثور على متبرع من غير الأقارب فيما لو نشر إعلاناً في الصحف -وهو أمر لا يمنعه القانون- عن حاجته إلى كلية مقابل 350- 400 ألف ليرة سورية (7000 – 8000 دولار تقريباً) تدفع للمتبرع، كما ان بإمكانه إجراء العملية خارج سورية بالقيمة نفسها وهو مبلغ لا يملكه على أية حال، كذلك وجد على باب مشفى الكلية الجراحي في دمشق أكثر من 15 إعلاناً عن الحاجة إلى كلية دون ذكر المقابل.
من أين يأتي بكلية؟!
في عام 2001 تم إنشاء مركز لزرع الكلية في مشفى الكلية الجراحي، وبحسب د. رانيا ديراني، مديرة المشفى، تم إجراء أكثر من 290 عملية زرع وبنسبة نجاح من 85 – 90٪، ولم تفشل سوى حالتين بسبب الاختلاطات ورفض الجسم للكلية المزروعة، وبلغت نسبة التبرع من الأقارب 70٪، فمن أين جاءت الكلى المتبقية؟!.
جاءت من متبرعين من غير الأقارب بموجب تعهد يكتبه المتبرع ويوضع في إضبارة المريض، ويعتمد المشفى عليها لإجراء العملية دون التدخل بتفاصيل أخرى.
على الرغم من الحظر القانوني، تؤكد د. رانيا وقوع حالات سمسرة واتجار بالكلى، حيث تم توقيف عدد من المشتبه بهم، وكانت أجهزة الشرطة قد كشفت عن إلقاء القبض على شبكة سمسرة واتجار بالكلى من بينها ثلاثة أطباء محليين يعملون في مشاف خاصة.. بالنسبة لمرشد لم يتبقَ له سوى باب زرع الأعضاء من الوفيات الدماغية الذي يعد الحل الأمثل لعلاج المصابين بالأمراض العضوية الانتهائية، إلا ان ذلك لم يطبق بعد في سورية رغم تشريعه بموجب القانون رقم 30، فزرع الأعضاء ما زال مقتصراً على المتبرعين الأحياء وفي مجال الكلى فقط، حيث أجريت نحو 335 عملية من متبرعين أحياء في مشافي المواساة والكلية وتشرين وبعض المشافي الخاصة التي سمح لها بذلك، وجرى في عام 2004 عملية زراعة واحدة خارج القطر.
باب الأمل موارب
حالة مرشد رغم سوئها تبقى أفضل من حالة الشاب نزار (36 عاماً) المصاب بقصور كبد نهائي، فهو لن يستطيع البقاء حياً إلا بزرع كبد في بلد تدل الأرقام التقديرية ان ما بين 2 – 7٪ من سكانه مصابون بقصور كبد، وهذا يفترض وجود حوالي 750 ألف مصاب.. وحسب التوقعات الطبية فإن 20 بالمئة منهم سيعانون من القصور الكبدي النهائي، وسيحتاجون لإجراء زراعة كبد.
وتدل التقديرات الطبية إلى ان 90٪ ممن لا يحظون بفرصة الزرع سيموتون خلال سنة واحدة، وتشير الإحصاءات العالمية إلى ان نسبة الإصابة بالمرض هي من 5 إلى 10 بالمئة، حيث يموت سنوياً حوالي مليون مصاب، لكن هذا النوع من العمليات ما زال غير ممكن في سورية لعدم توافر الشروط القانونية والإمكانات الطبية وغياب ثقافة مجتمعية تشجع ذلك.
وفقاً لأرقام مشفى دمشق وحدها، فقد دخل إليها في الفترة من 1 حزيران 2006 ولغاية نهاية آذار 2008 نحو 32 مريضاً بقصور الكبد، توفي منهم ستة وبنسبة 27٪ تقريباً، وهذه حقائق ترعب نزار الذي بدا محبطاً وشاحباً ومرهقاً، وهو يراجع مشفى دمشق بين الحين والآخر، على أمل حدوث معجزة ما.. هذا الأمل يحاكي مرشد ونزار ممن يعانون من قصور في الرئة والقلب، حيث كانت أمراض القلب وجهاز الدوران سبباً لوفاة 49 بالمئة من إجمالي عدد المتوفين بأمراض والبالغ عددهم 53325 في عام 2005 لترتفع إلى أكثر من 50 بالمئة في عام 2007.. جميع هؤلاء سيواجهون مصيراً مأساوياً إذا أغلق باب الأمل في وجههم.. فهل يبقى هذا الباب مقفلاً؟!.. ولماذا؟مدير عام مشفى دمشق الدكتور عصام حريراتي، يرى ان الزرع من الوفيات الدماغية ضمن الواقع والإمكانات الحالية غير ممكن بالمطلق ولا في اي مشفى في سورية، لتحقيق ذلك لا بد من توافر عدة شروط أهمها ما يتعلق بالنواحي القانونية والطبية.
البنية القانونية
برأي د. ديراني، مديرة مشفى الكلية، فإن القانون رقم 30 لعام 2003 والذي سمح بإجراء عمليات الزرع من الوفيات الدماغية لم يكن كافياً لأنه فسح المجال واسعاً للتبرع من الأحياء دون ان يحدد صفة قرابة المتبرع الحي، وقد سمح النص القانوني بالتبرع من حي إلى حي دون اشتراط صفة القرابة.
وترى د. ديراني ان ذلك جاء على حساب التبرع من الوفيات الدماغية، إذ لو ان القانون اشترط صفة القرابة وضيق مساحة التبرع من الأحياء لكان هناك ضرورة للبحث عن حلول ومنها الزرع من الوفيات الدماغية.. تقول د. ديراني في مقابلة مع صحيفة «البعث»: «لقد سرنا عكس دول العالم التي بدأت بموضوع التبرع من الوفيات الدماغية، ثم انتقلت إلى التبرع من الأحياء».
أما الدكتور أحمد العجة، وهو أحد الذين عملوا على صياغة القانون 30، فرأى ان القصور يكمن في التعليمات التنفيذية والقرارات الناظمة للقانون التي صدرت عن وزارة الصحة وليس في القانون ذاته، ودليله على ذلك ان القانون القديم لم يمنع التبرع من غير الأقارب، ولكن لم تصدر له قرارات ناظمة.. وحتى على صعيد الترخيص للمشافي بإجراء عمليات الزرع -والتي يجب ان تحدد بموجب القرارات الناظمة- فإن أول ترخيص لم يعطَ إلا هذا العام، حيث ظلت المشافي تقوم بعمليات زرع الكلى دون ترخيص طوال تلك المدة حتى صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 5 للعام 2008، ومنع بموجبه المشافي الخاصة من إجراء عمليات الزرع دون ترخيص بموجب اقتراح وزارة الصحة لدواعي تطبيق الشروط وتنظيم الزرع رغم مساهمتها بأكثر من 180 عملية زرع منذ السماح لها بالزرع عام 2004، وجاء القرار على ما يبدو على خلفية ما أثير حول السمسرة والاتجار بالكلى وعدم توافر الشروط المطلوبة بالمشافي الخاصة ومن بينها غرف العزل والتعقيم.
ويرى د. العجة ان القانون الجديد ساهم في حل مشكلة موافقة أقارب المتوفى، إذ كان القانون القديم يشير إلى الوفية الدماغية بعبارة الجثة مشترطاً موافقة الأقارب جميعاً لإجراء عملية الزرع، وهو شرط تعجيزي لأنه من المحال ضمان موافقة كل الأقارب.. القانون الجديد يشترط موافقة أحد الأقارب من الدرجة الأولى، وفي حال عدم توافر ذلك، فموافقة أحد الأقارب من الدرجة الثانية او الاكتفاء بوصية المتوفى بهذا الشأن.
هذه الأمور وضحتها المادة الثالثة من القانون رقم 30 الذي صدرت له ثلاثة قرارات ناظمة 21، 22، 73، وحددت الشروط الواجب توافرها لإجراء عمليات الزرع من الأحياء ومن المتوفين دماغياً، لكن هذه القرارات لم تكن كافية برأي د. ديراني، إذ ان المسألة تحتاج إلى إطار قانوني أكبر وأشمل، وقد يكون ذلك من خلال إصدار قانون إحداث البنك الوطني للتبرع بالأعضاء من الأحياء ومن المتوفين دماغياً، تليه تعليمات تنفيذية واضحة وصريحة تعطي المباشرة بتفعيل الزرع من الوفيات الدماغية.
البنية الطبية
وبحسب د. ديراني أيضاً فإن البنية الطبية الموجودة حالياً غير كافية، رغم ان القانون 30 قد وضع شروطاً لها، إذ لا يوجد في سورية مراكز للعناية المشددة وفق المعايير العالمية التي يتطلبها الزرع من الوفيات الدماغية، كما لا تتوافر الكوادر الطبية والتمريضية والفنية القادرة على التعامل بشكل سليم مع الوفية الدماغية ومع عمليات القطف التي تتطلب احتياجات لنقل الأعضاء بدءاً من الحافظات وانتهاء بالطائرات، وهي جميعها غير موجودة، إضافة إلى ذلك لا توجد أرقام وقواعد بيانات خاصة بالمرضى المحتاجين.
مدير مشفى المواساة الدكتور سمير عنزاوي يوافق على هذا الرأي، معتبراً ان الزرع من الوفيات الدماغية يحتاج إلى إمكانات طبية وتجهيزات هائلة لا يتوافر منها إلا القليل، وبدونها لا يمكن تفعيل الزرع من الوفيات الدماغية.. في حين يرى الدكتور بسام جوخدار، رئيس قسم العصبية في المشفى انه حتى على صعيد اختصاص التشريح الذي يحتاج إليه في إقرار الوفية الدماغية فهو غير متوافر.
وكان القانون 30 قد أشار صراحة إلى ضرورة وجود الاختصاصيين، والثابت وفق مديرية المشافي في وزارة التعليم العالي انه لا يوجد في سورية سوى اختصاص زرع الكلية، أما في مجال زراعة الكبد فهناك طبيب واحد فقط، مع ذلك فقد سعى القانون إلى حل هذه الإشكالية عندما أقر البند السابع فيه بإمكانية الاعتماد على شهادات علمية او خبرة معترف بها من قبل اللجنة الفنية ووزارة الصحة.. لكن الحديث عن توافر إمكانات ضخمة هو من باب تبرير العجز وفقاً للدكتور العجة، الذي يرى انه من الممكن الانطلاق بمرحلة أولى شرحها في مشروع قدمه إلى وزارة الصحة منذ سنوات، تعتمد على تطبيق التجربة في مشفى واحد في دمشق، بعد توفير المطلوب من كوادر طبية وفنية وقواعد بيانات، وبعد تقييم التجرية ونجاحها يمكن تعميمها على باقي المدن السورية.
لكن وبالاطلاع على تجارب دول مجاورة في زرع الأعضاء من الوفيات الدماغية، يتبين ان هناك شروطاً ومعايير خاصة قد وضعت لكل حالة على حده، لقطف وزراعة الكبد والرئة والقلب، ولكل منها تجهيزاتها وقراراتها الخاصة.. أما القانون السوري رقم 30، فقد جمع العديد من الشروط ولكل الحالات في التعليمات التنفيذية رقم 73.
التقبل الاجتماعي
في الوقت الذي يعرّف فيه القانون الوفية الدماغية: بأنها غياب غير عكوس (غير قابل للتراجع) لكل وظائف الدماغ، فإن إقرارها يتطلب لجنة تشكل لهذه الغاية، لكن حتى الآن، وكما أوضح الدكتور جهاد الأشقر، مدير صحة دمشق -وهي الجهة المخولة بتشكيل اللجان- فإنه لم تشكل سوى لجان زرع الكلى من الأحياء، حتى ان عدد الوفيات الدماغية في سورية يبقى غير معروف، لكن طبيب العصبية المناوب في مشفى دمشق يقول: انه لا يمر شهر إلا وتحدث وفيتان دماغيتان وأحياناً أكثر، لكن لا أحد يتقبل من ذوي المتوفى فكرة أخذ عضو من الوفية، وهناك رفض مطلق، كما لاحظ غير مرة عندما يثار هذا الموضوع ولو مروراً معهم.
سالم كان يزور قريباً له في قسم العناية العصبية، وقد دخل مرحلة السبات وفق الملامح الأولية، ولم يسمع مطلقاً بموضوع الزرع من الوفيات الدماغية، ولو حدث ذلك وطُبق فإنه لا يتخيل ان يوافق أحد من أقاربه على إجرائه لأن هذا برأيه مخالف للشرع.
الشيخ محمد وليد فليون، باحث في مركز الدراسات الإسلامية بدمشق، أكد انه لا تعارض بين ما يقره الطب وما تراه الشريعة، وقد استنبط مؤخراً معطيات جديدة بناءً على النصوص الموجودة ومنها، كما شرح، قول الصحابة للنبي محمد (ص) في المعارك: «نفسي لنفسك فداء، وروحي لروحك وقاء».. وإذا كانت الروح والنفس أغلى ما يملك المرء فكل شيء دونها أقل قيمة منها.. ومن ذلك أيضاً، كما يشرح الشيخ فليون، اتخاذ أحد الصحابة لأنف من فضة بعد ان جدعت أنفه في معركة، فأمره رسول الله (ص) ان يتخذها من الذهب.. «ومن المعلوم» كما يقول فليون: ان «استعمال الذهب محرم على الرجال في الإسلام»، ولكن حين أقر الطب بأن الذهب هو المعدن الصالح الوحيد، فقد أقره الدين وهو بمثابة القاعدة لكل شيء، فما يقره الطب يقره الدين.
بنك العيون الحاضر الغائب
ما ينطبق على الكلى والكبد وغيرها من الأعضاء ينطبق على العيون.. شادي (21 عاماً) مصاب بتدن شديد مع اضطراب في الرؤية (آفة بالقرنية)، وهو ضمن لائحة الانتظار التي تضم أكثر من 5500 مريض (60٪ منهم مصاب بالعينين).. ووفقاً للإحصاءات التي ما زالت بالصفة التقديرية، هناك أكثر من 26 ألف مصاب بتدن شديد في الرؤية، وأكثر من 47 ألفاً مصابون بآفة في القرنية في سورية، وتعد آفات القرنية السبب الرئيس الثاني للعمى وبنسبة 37 بالمئة حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.. شادي ما زال يأمل ان تتم زراعة قرنية له لتعود إليه الرؤية، لكن ذلك يظل معجزة على حد تعبيره نظراً للواقع الحالي في زراعة القرنيات في سورية.
هذا الواقع يقول: ان عام 2007 لم يشهد إجراء أية عملية زرع قرنية، وان مشفى العيون متوقف تقريباً عن الزرع من عام 2005، والسبب كما توضح الدكتورة مي أباظة مديرة المشفى، هو عدم توفر القرنيات التي كانت تؤمن عن طريق بنك الأنسجة الدولي (Tissue Bank International)
T.B.I الذي توقف عن إرسال القرنيات والسبب -وفقاً للبنك- هو عدم توفر ما يكفي منها، ومنذ عام 1998 وحتى الآن، أجريت 1500 عملية زرع قرنية.. الاستثناء الوحيد حدث في مشفى العيون عام 2006، حيث تم تأمين قرنية من خلال مصدر محلي، إذ وافق أبناء أحد المتوفين على التبرع بقرنية والدهم، وجرى إرسال فريق طبي إلى المنزل وقام بقطف القرنية وأجريت العملية.
إن أخذ قرنية من وفية دماغية لا يعد أمراً أساسياً بالنسبة لزرع القرنيات عموماً، كما تقول د. أباظة، ولكنه مساعد بكل تأكيد، والسبب ان قطف القرنية يمكن ان يتم بعد 12 ساعة من وفاة كاملة، ولا تتم الحاجة إلى استئصال كامل للعين، كما ان ذلك لا يحدث تشوهاً لعين المتوفى.. وترى د. أباظة ان التبرع بالقرنيات من الوفيات الكاملة او الدماغية يحتاج إلى توعية كبيرة وخلق ثقافة جديدة عند أفراد المجتمع تمتد لسنوات، وحتى الآن هذا الأمر غير مطروح بشكل جدي.
وكان القرار الناظم للقانون 30 لعام 2003 قد حدد في مادته الرابعة الفحوصات الواجب إجراؤها للمرضى المرشحين لزراعة القرنية وشروط زرع القرنية، وضمن الإطار القانوني فإن تأمين القرنيات صار مرتبطاً ببنك العيون السوري الذي أحدث عام 2007 بموجب المرسوم التشريعي رقم /3/، وأعطي البنك صفة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ويرتبط بوزير الصحة ويجوز بقرار من مجلس الوزراء إحداث فروع له في المحافظات السورية، ويهدف البنك إلى القيام بقطف القرنيات او العيون وفحصها وتوزيعها وتنظيم عمليات الموافقة على زرعها وحفظ الأغشية الأمينوسية والصلبة وفق أحكام القانون 30 لعام 2003.. ولكن وحتى لحظة إعداد هذا التحقيق، فإن بنك العيون الواقع بجانب المشفى لا يعدو كونه باباً يفتح لساعات ومن ثم يغلق بمفتاح يحمله موظف وحيد فيه، وهو مديره الحالي الدكتور رضا سعيد، الذي أوضح انه جرى افتتاح البنك كبناء عام 2004 اي قبل مرسوم إحداثه بثلاث سنوات، ولكن حتى الآن لم يفعّل ولا يوجد فيه كادر رغم وجود تجهيزات طبية فيه مثل جهاز تقييس الخلايا وجهاز التعقيم والبراد.. الخ، ولا يحتاج إلا لمواد وتجهيزات بسيطة يمكن استكمالها فور تسلم الموازنة التي يحتاج إقرارها وتسليمها إلى وقت طويل، إضافة لكثير من الإجراءات الإدارية وفقاً للدكتور سعيد.
ولدى محاولة الاستفسار من وزارة الصحة عن الأسباب التي تحول دون تفعيل البنك، وفيما إذا كان السبب تقصيراً او ضعفاً في الإمكانات والموارد البشرية او المادية، لم يتم الحصول على إجابات.
د. سعيد يرى ان الحاجة ماسة إلى تفعيل البنك، خاصة وان زرع القرنيات شبه متوقف منذ خمس سنوات في القطاع الحكومي لعدم توافرها، وفي القطاع الخاص تُجرى بعض العمليات التي تؤمن حاجتها من خلال الاستيراد الذي يحتاج إلى ضوابط وهي مسؤولية البنك الذي ما زال يفتقر إلى وسائل اتصال.
رصيد البنك الحقيقي هو توفير القرنيات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من مصادر محلية وفقاً لرأي د. سعيد الذي أكد على ضرورة وضع خطة عمل في حال تم تأمين المطلوب من كوادر وتجهيزات، وتعتمد الخطة على مشروع يشجع الناس على التبرع بالقرنيات من الوفيات، وذلك ضمن حملات إعلامية وإعلانية كبيرة، لأنه كما قال: إذا لم يتم خلق قناعات بذلك لدى الناس، فإن البنك لن يقوم بمهامه مطلقاً.
وعلى أمل ان يحدث ذلك، يبقى مرشد ونزار وشادي وغيرهم الكثيرون بالانتظار.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net و اشراف الدكنور مروان قبلان
Leave a Reply