"الحرز بوست" الفيس بوك يقودك للسجن في مصر

1 مارس 2021

من شرفة منزله المطلة على ميدان الأربعين بمحافظة السويس، ضبط محمد سعيد (٣٠ عاماً) هاتفه على وضعية البث المباشر عبر حسابه الشخصي على فيس بوك. وجه الكاميرا نحو المتظاهرين ورجال الشرطة في الميدان تلبية لدعوة تظاهر مساء 20 أيلول \ سبتمبر (2019) أطلقها المقاول والممثل المصري محمد علي من أسبانيا.

محاولة سعيد توثيق التظاهرة كانت كافية لحضور قوات الأمن إلى منزله بعد أقل من 48 ساعة، ليوثق سعيد بالكاميرا ذاتها لحظة توقيفه.

يقبع سعيد منذ تلك اللحظة وإلى تاريخ كتابة التحقيق في 23 نيسان \ أبريل 2020 داخل زنزانة انفرادية بسجن بورسعيد متهماً بالإنضمام إلى جماعة إرهابية، واستخدام حساب خاص على شبكة الانترنت بهدف ارتكاب جريمة إذاعة وإشاعة أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب في نفوس المواطنين!

سعيد الذي دفعه الحماس لتوثيق التظاهرة عبر حسابه على فيس بوك لم يكن الوحيد الذي أوقف من دون أن يشارك في التظاهر، وإنما شاركه نشطاء وسياسيون وصحفيون وأساتذة جامعات، منهم المدون والمبرمج علاء عبد الفتاح ومحاميه محمد الباقر الذي أوقف داخل نيابة أمن الدولة خلال التحقيق مع عبد الفتاح. وإلى جانبهم أستاذا العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة وحازم حسني، إضافة إلى الرئيس السابق لحزب الدستور خالد داوود، والمحامية ماهينور المصري، وغيرهم المئات أوقفوا بعد تفتيش هواتفهم ومتابعة نشاطهم على فيس بوك، ضمن حملة شنتها السلطات في الثلث الأخير من شهر أيلول \ سبتمبر الماضي استهدفت قرابة أربعة آلاف شخص، بحسب إحصاء المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ووجهت إلى غالبيتهم تهمة استخدام حساب خاص على الإنترنت مع تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية أو مشاركتها أهدافها.

يأتي فيس بوك في صدارة منصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً في مصر، حيث يستخدمه ما يزيد عن 40 مليون مصري بحسب تقرير «كراود أنالايزر» لمواقع التواصل الاجتماعي لعام 2019.

الاستهداف الأمني لمستخدمي فيس بوك، من النشطاء في مجالات السياسة وغيرها، أو المواطنين العاديين الذين تصنفهم السلطة كمعارضين، بات ظاهرة خلال السنوات الأخيرة في مصر.وبات توقيف شخص ما، بسبب نشره لرأي أو صورة أو فيديو على حسابه في فيس بوك، أو حتى مجرد التفاعل مع منشورات على حسابات أخرى عن طريق “like” و “share”، أمرًا معتاداً، تتبعه ملاحقات قضائية بتهم تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 10 سنوات، مع امتلاك السلطة لتقنيات تمكنها من توسيع دائرة المراقبة الجماعية للمستخدمين من ناحية، وتضمين القوانين صياغات فضفاضة من ناحية أخرى.

في هذا التحقيق نسلط الضوء على خمس حكايات لمواطنين عاديين، وضعتهم السلطة في خانة خصومها السياسيين بسبب منشوراتهم على فيس بوك، واستخدمت في مواجهتهم ترسانة من القوانين و تقنيات المراقبة الجماعية، لتصادر حقهم الدستوري في التعبير عن الرأي، ما أجبر غالبيتهم على مغادرة الواقع الافتراضي، وكتم آرائهم، آملا في العودة إلى خانة مواطن عادي من جديد.

محمد سعيد: ضحية البث المباشر

بعد سبعة أشهر من القبض عليه، مازال محمد سعيد محبوسا احتياطياً على ذمة القضية رقم 1338 لسنة 2019، بعدما وجهت له نيابة أمن الدولة العليا أربعة اتهامات، هي: مشاركة جماعة إرهابية أغراضها، وإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج أفكار تلك الجماعة، ونشر أخبار كاذبة، إضافة إلى الانضمام لمجموعة لتنظيم تظاهرة من دون ترخيص.

قبل تظاهرات 20 أيلول \ سبتمبر لم يكن لسعيد أي نشاط سياسي، كان يمتلك منفذاً لبيع السلع الكهربائية المعمرة في منزله الكائن بميدان الأربعين بمدينة السويس، بحسب محاميته هدى عبد الوهاب التي أوضحت أن لسوء حظ سعيد فإن قناة الجزيرة وقنوات الإخوان نقلت عن صفحته تلك التظاهرات، ما تسبب في توقيفه وتعرضه للتعذيب داخل سجن بورسعيد.

وتضيف عبد الوهاب أن على عكس أكثر من ثلاثة آلاف شخص قبض عليهم وقتها، وضموا لنفس القضية لم يخل سبيله ولم يدرج اسمه على أي من قوائم إخلاءات السبيل حتى تاريخ كتابة التحقيق”23 نيسان \ أبريل 2020″