اغتصاب الأطفال في سوريا..ثغرات قانونية لا تساعد الضحايا

22 سبتمبر 2022

اغتصاب الأطفال في سوريا.. ثغرات قانونية لا تساعد الضحايا

أمسكت الطفلة “نور” ذات السبعة أعوام، قلماً، وحدّقت بالصفحة البيضاء، ثم بدأت أناملها بالرسم. طُلب منها أن ترسم أفراد العائلة، وكانت أعين أمها والأخصائية النفسية، محدقة على ما سترسمه.

كان الاعتقاد أن الطفلة سترسم أباً، وأماً، وأخوات، لكنها رسمت الأم والجدة بجانب بعضهما، وعلى جانب آخر، رسمت شخصاً بعيداً، سيتكشف فيما بعد أنه خال الطفلة الذي كان يتحرّش بها.

قبل أن يُطلب من “نور” هذه الرسمة، كان حالها قد انقلب، فمن طفلة مفعمة بالحيوية والنشاط، إلى طفلة أصابها الخمول والشرود، وأصبحت تخاف من السلام على الذكور حتى إن كانوا أقاربها، بحسب ما قالته سلام درويش الأخصائية النفسية للطفلة خلال حديثها معنا.

أشارت سلام، إلى أن الطفلة عاشت بمنزل عائلة أمها، ووالدها فُقد خلال الحرب السورية. حاولت الأم مراراً معرفة ما الذي حلّ بطفلتها، من دون جدوى.

كانت والدة نور تذهب إلى جمعية خيرية للحصول على مساعدات، وسألت خلال زيارتها للمؤسسة عما إذا كان هنالك معالج نفسي لمساعدتها على معرفة ما الذي أصاب طفلتها، وهناك التقت “سلام”، وروت لها التغيرات الحاصلة على “نور”. وكان الاعتقاد بداية أن الأمر له علاقة بفقدان الأب.

كان اللقاء الأول بين سلام ونور صعباً، ففي البداية لم تتقبل الطفلةُ الأخصائية النفسية، ولجأت الأخيرة لاتباع طرق تناسب الأطفال وتكسر الحواجز معهم.

عقب جلسات عدة تبيّن للأخصائية النفسية أن الطفلة تعاني من “رهاب اجتماعي”، يجعلها تخشى التواصل مع الآخرين. وأضافت: “بعد دراسة مفصلة للطفلة وأنواع الألوان والحيوانات والشخصيات التي تحبها، أجرينا بعض الأنشطة لمعرفة من هو الشخص الذي ألحق الأذى النفسي بها”.

كانت الرسوم أبلغ من باح بسرّ “نور”، إذ لجأت سلام إلى نشاط كان عبارة عن إشارة مرور، فيها الضوء الأحمر، والأخضر، والأصفر. الأصفر كان يرمز لأكثر شخص تُحبه، والأخضر للأشخاص الذين تحبهم بدرجة أقل، والأحمر للذين لا تحبهم.

عند حديثها عن اللون الأصفر ذكرت الطفلة الأم والجدة، وفي اللون الأخضر ذكرت أولاد خالتها، لكن عند حديثها عن اللون الأحمر لمعرفة الشخص الذي لا تحبه، ذكرت الطفلة “خالو”.

سألوا الطفلة عن سبب عدم محبتها لخالها فبكت، ثم أجرت الاخصائية نشاطاً مشابهاً بجلسة أخرى، وتم وضع مجموعة من الكلمات لمعرفة أي منها تحبها الطفلة وتلك التي تكرهها.

ذكرت الطفلة أن الكلمة التي لا تحبها هي “حبيبتي يا خالو”، وقالت “سلام”: “عرفنا عندها أن هناك مشكلة تجاه خال الطفلة”.

“صُدمت الأم بعد كلام طفلتها، واستبعدت أن يكون شقيقها هو من يؤذي طفلتها لأنه كان في مقام والدها، ودخلت في بكاء إلى حد الانهيار”، تقول سلام، متأثرة بحالة الأم وهي تروي لنا ما حصل.

بعد جلسات أخرى تحدثت الطفلة لـ “سلام”، وذكرت أنه عندما تكون نائمة بالليل تصحو وتجد خالها أمامها، وأنه في بعض الأحيان تكون في الحمام، ويدخل عليها خالها قصداً دون أن يقرع الباب. كانت الطفلة تشعر بالانزعاج وهي تجلس في حضن خالها أو عندما يُلاعبها. استنتجت سلام أن “الطفلة تعرضت لتحرش من قبل الخال”.

نقلت سلام عن الطفلة خلال حديثها معها أنها كانت “ترى أشياء كبيرة يخرجها خالها”، في إشارة إلى العضو الذكري، وأنها كانت تخاف في تلك الأثناء. وعند حديثها عن هذه الأمور كانت الطفلة تعود للبكاء مجدداً.

كان تقبل الأم لحقيقة تعرض طفلتها لإيذاء جنسي من قبل خالها صعباً للغاية، لكنها في النهاية تقبلّت الحقيقة المرة.

ما تعرضت له نور جزء من معاناة أكبر، ضحيتها أطفال سوريون ذكور وإناث، تعرضوا لاغتصاب أو تحرش إما من أقاربهم أو غرباء. ولم تسعفنا الجهات الرسمية في سوريا، ولا الجمعيات القليلة المعنية بالطفل، في معرفة عدد الحالات المشابهة لحالة نور، إذ لا توجد إحصائيات رسمية في سوريا عن التحرش بالأطفال واغتصابهم.

ثغرات قانونية تضعف موقف الضحية

تقول المحامية رهادة عبدوش، إن ما يفتقده الضحايا وعائلاتهم وجود قانون يحمي الضحية عندما تقرر التبليغ عن انتهاك جنسي، وحتى بعد تقديم الشكوى. وأشارت إلى عدم وجود غرف خاصة بجرائم الأسرة.

هذا الكلام أكدته أيضاً المحامية شمس سليمان، وقالت إنه خلال فترة عملها -على مدار 7 سنوات في محاكم دمشق-، تابعت 9 قضايا لحالات اغتصاب لفتيات تحت سن الـ 18.

تقول سليمان، إن القانون السوري يتيح تقديم بلاغ عند حدوث اغتصاب، لكنه لا يوفر الحماية للمبلغ. وأضافت: “من يريد التبليغ قد يكون عرضة للانتقام، والتشهير”، خصوصاً إذا كانت عائلات الضحايا لا تريد الكشف عما تعرض له أبناؤها.

تعتقد سليمان أن الخوف من التبليغ يزداد في المناطق العشائرية، “لكون هذا النوع من القضايا مرتبط بالشرف ويُنظر إليها ضمن خانة الفضائح، ولذلك يتم التستر عليها”، واعتبرت أن “هذا الأمر يعد سبباً رئيسياً في موت الكثير من قضايا التحرش واغتصاب الأطفال بعيداً عن أروقة المحاكم”.

تُشدد المحاميتان عبدوش وسليمان، على أهمية سرّية الشكوى، وعدم الكشف عمّن قدّمها، وأن تكون كل الإجراءات سرية وحمائية. وأشارت عبدوش إلى ضرورة نقل الطفل أو الطفلة الذين تم الاعتداء عليهم لمكان خاص لحمايتهم.

أخبرت أم “نور” الأخصائية النفسية بأنها اضطرت للبقاء في منزل العائلة الذي كان خال “نور” يعيش به أيضاً، لأنه لم يكن لديها مكان آخر للعيش فيه.

الحيلة الوحيدة التي كانت في يد الأم أنها زادت من حذرها، وصارت تنام بجانب طفلتها إلى جانب إقفالها باب الغرفة، الأمر الذي عرضها لانتقادات من عائلتها التي لم تعلم بتعرض “نور” للتحرش من قبل خالها.

بعد فترة غادر خال “نور” المنزل، بسبب زواجه، وأدى ذلك الى تخفيف الضغط والتوتر لدى الطفلة.

بحسب ما قاله لنا المحامون الثلاثة، فإن أسباب صمت الضحايا الأطفال وعائلاتهم على الانتهاك متعددة، ومن بينها الخشية من عدم تحصيل الحقوق عبر القضاء، والخوف على السمعة “وتجنب الفضيحة” والانتقام.

لكن هنالك ثغرات أخرى تدفع الضحايا وعائلاتها للصمت، إذ يؤكد المحامون الذين تحدثنا معهم، غياب وجود جمعيات تنموية لحماية الأطفال ورعايتهم بسوريا.

تبرز مشكلة أخرى في التعامل مع الضحية، “بدءاً من المخفر الذي يتم اللجوء إليه، والذي لا يعرف كيفية التعامل مع الضحايا الأطفال”، وعدم معرفة المحققين كيفية التعامل مع الأطفال المتعرضين للتحرش أو الاغتصاب، بحسب عبدوش.

“على سبيل المثال ينبغي ألا يُسأل الأطفال أكثر من مرة عما تعرضوا له، ويجب ألا يُسألون بغياب أخصائيين نفسيين بصحبتهم، فضلاً عن ضرورة وجود أناس مختصين يتوجهون بالسؤال للأطفال”. وتضيف المحامية أن “هذه الأمور تخلق تردداً لدى العائلات التي تعرض أطفالها لانتهاك جنسي من التقدم بشكوى”.

هذه الثغرة لاحظها أيضاً المحامي محمد المحمود خلال عمله بدمشق، وقد تحدث لنا مفضلاً عدم ذكر اسمه الحقيقي، عن قصورا بدور القضاء. ورأى أن القضاء يكتفي بالنظر قانونياً بقضايا التحرش والاغتصاب، لكنه يغفل الجانب الصحي والنفسي للطفل أو الطفلة أو عائلاتهم.

يؤكد المحامي أنه لم يسمع أو يطلع على محاكمات بقضايا اغتصاب كان القاضي قد خصص فيها خبير صحة نفسية أثناء استجواب الضحية حفاظاً على سلامتها.

المحامية عبدوش أكدت أيضاً هذه المعلومة، وأشارت إلى افتقار القضاء السوري، لأخصائيين نفسيين يحققون بالجرم، لكن يتم الاستشهاد برأيهم كخبراء، ويأخذ القاضي بهذا الرأي.

يوضح المحامي محمد أن الدولة عليها التزامات بتوفير مراكز دعم للأطفال، وأنه ينبغي أن يكون هنالك مراكز تابعة للدولة مهمتها رعاية الطفل وصحته النفسية.

على الرغم من أن الحرب في سوريا مستمرة منذ العام 2011، إلا أن القضاء في المناطق التي ظلت تحت سيطرة الحكومة لم يتوقف، واستمر في النظر بالقضايا، وهو ما تعكسه إحصاءات رسمية عن القضايا التي حكم بها القضاء منذ 2011 حتى 2022.

صادقت سوريا على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تشرح مسؤوليات الحكومات تجاه الأطفال وتطالبهم بحماية الأطفال وحقوقهم بكل السبل الممكنة من خلال سن التشريعات واتخاذ كافة التدابير الخاصة بذلك، ويقول المحامي محمد: “لكن لا يتم الالتزام بالاتفاقية”.

ينص البروتوكول الاختياري لقانون حماية الطفل على أنه “يجب أن توفر الحكومات خدمات دعم قانوني وغيرها من أشكال الدعم للأطفال الضحايا (..) ويجب تقديم الدعم الطبي والنفسي واللوجستي والمالي الضروري للأطفال للمساعدة بإعادة تأهيلهم وإدماجهم”.

كما ينص البروتوكول على أنه “بوسع الأطفال من البلدان التي صادقت على البروتوكول السعي للحصول على العدالة إذا لم تتمكن المنظومة القانونية الوطنية من توفير الإنصاف عن الانتهاك”.

عندما يكون المبلغ هو المعتدي

في الجزء الأول من تحقيقنا الذي تحدثنا فيه عن حالات تحرش واغتصاب بالشمال السوري، كان طفل قد تعرض للاغتصاب من والده.

ما فعله الأب يُسمى “سفاح القربى”، كما أشارت إليه المحامية رهادة. وفي مثل حالة هذا الطفل فإن ثغرة في القانون ستؤثر على قدرة الضحية في اللجوء للقضاء* لو قرر ذلك، أو فيما لو علم أقارب الطفل بانتهاك والده له وقرروا اللجوء للقضاء.

توضح المحامية عبدوش ذلك بقولها: “عندما نتحدث عن الأطفال، فالأكيد أن المبلغ عن حدوث انتهاك جنسي لهم هو ولي الأمر، ويمكن قبول التبليغ حتى الدرجة الرابعة من القرابة، لكن الأولوية للأب”.

أشارت إلى وجود كثير من الحالات عن “سفاح القربى”، وأكدت أن هذه القضايا لا تصل للقضاء، خصوصاً عندما يكون ولي الأمر هو الجاني.

ثغرة أخرى تتعلق بقضايا “سفاح القربى”، عندما يكون الاعتداء قد وقع من أب على ابنته، وتُشير عبدوش إلى أنه “في حال وصلت القضية للقضاء وكانت الفتاة التي تعرضت للاعتداء من والدها قد أصبحت بالغة فإن العقوبة لا تقتصر على الأب فقط، بل حتى على الفتاة وفق جريمة سفاح القربى”، التي تصل عقوبتها إلى 3 سنوات.

“لا يُنظر لهذه الفتاة تحت ولاية والدها، وأنه ليس بمقدروها فعل شيء وأنها مضطرة لقبول ما يريد والدها فعله معها، ولذا هذا اسمه “إكراه” وبالتالي “اغتصاب”، تقول عبدوش.

معاقبة القانون في هذه الحالة للفتاة قد يؤثر على قرار الفتيات اللواتي يتعرضن لاعتداء من أبائهن في اللجوء للقضاء، ليس خوفاً من افتضاح الأمر، بل أيضاً خشية من السجن.

ويطالب محامون في سوريا بأن يتم اعتبار تعدي الأب أو الأم على أبنائهم اغتصاباً، وليس سفاح قربى، لأن هذه الجريمة في القانون السوري هي جنحة، وعقوبتها في الحد الأعلى 3 سنوات، أما الاغتصاب جناية تصل عقوبتها 21 عاماً.

في القانون السوري أيضاً، تسقط قضايا التحرش والاغتصاب بالتقادم، فإذا ما أراد رجل أو سيدة محاسبة من انتهكهم جنسياً عندما كانوا أطفالاً، فلن يكون بإمكانهم ذلك، بحسب ما تؤكد “عبدوش”، وتطالب بألا يكون لهذه القضايا “مدة تقادم”، كما هو معمول في دول أوروبية.

قصور بتعريف الاغتصاب وإحصائيات غائبة

حاولنا في هذا التحقيق أن نقدم بلغة الأرقام صورة عامة لقضايا التحرش واغتصاب الأطفال بسوريا، لكن لم نجد إحصائيات رسمية عنها، فمن خلال المصادر المفتوحة، وصلنا لإحصائيات من القضاء السوري.

تضم الإحصائيات الممتدة من 2007 إلى 2021 قائمة بالجرائم التي أصدر القضاة أحكاماً بخصوصها، وتضمنت طوال هذه السنوات حالتي اغتصاب فقط في العام 2019، ولم يوضح فيهما القضاء ما إذا كان الضحايا أطفالاً أم كباراً.

تواصلنا مع الهيئة العامة للطبابة الشرعية، والهيئة السورية لشؤون الأسرة التابعة للحكومة، وسألناهما عما إذا كانت لديهما إحصائيات وعن سبب عدم نشرها، لكن لم نتلقَ رداً حتى ساعة كتابة هذه السطور.

قادنا التقصي وراء أسباب غياب الإحصائيات، إلى خلو نص قانون العقوبات السوري، من ذكر كلمة “اغتصاب” الدالة على حدوث انتهاك جنسي.

تقول عبدوش، إن القانون السوري يعتبر الاغتصاب بأنه فعل “يتم من رجل على أنثى فقط”، ويمثل هذا قصوراً بالتعامل مع جرم الاغتصاب الذي يقع على الأطفال الذكور.

هذا التعريف للاغتصاب أضيق نطاقاً من التعريف المُعتمد لمنظمات عالمية ودول كثيرة حول العالم كفرنسا، فالقانون الفرنسي يعرف الاغتصاب بأنه “كل اختراق جنسي مهما كانت طبيعته، يُرتكب على الغير بالعنف، أو الإكراه، أو التهديد أو المفاجأة”، وهو فعل يتم على الذكور والإناث.

كذلك تُعرف منظمة “أطباء بلا حدود” الاغتصاب بأنه “فعل إجبار شخص على اتصال جنسي (…) وقد يحدث بين أشخاص من نفس الجنس، ومن جنسين مختلفين”.

نظراً للتعريف المعتمد بسوريا للاغتصاب، فإنه عند النظر بقضايا ديوان المحاكم يصعب العثور بالدعاوى على كلمة اغتصاب، وبدلاً منها، نجد هتك عرض، ومداعبة، وملامسة”، أي أننا أمام تغير في التوصيف الجرمي.

ويطالب حقوقيون في سوريا بأن يكون التعامل مع تعريف الاغتصاب وجرائمه، كما هو معمول به في القوانين العالمية.

تغيير الوصف الجرمي

تستبعد المحامية سليمان وجود إحصائية دقيقة لأعداد حالات الاغتصاب والتحرش بالأطفال، وترى أن من أسباب ذلك، القوانين التي تؤدي لتغيير “الوصف الجرمي في المحاكم”، إذ تُصنف بعض حالات التحرش ضمن خانة “الأفعال المنافية للحشمة”، ولذلك يغيب وجود إحصائيات واضحة حولها.

أضافت أن عدم ذكر القضاء السوري للإحصائيات “أمر غير طبيعي”، توقعت أن يكون القضاء قد وضع حالات هذه القضايا تحت مسميات أخرى “للتستر على العدد الحقيقي من حالات الاغتصاب بالبلاد”.

هذه الثغرة التي أشارت إليها المحامية سليمان، تتوضح أكثر فيما نوهت إليه المحامية عبدوش، التي قالت إنه بالقانون السوري لا وجود لكلمة “تحرش” بل تسمية لجرائم أخرى، مثل “فعل منافي للحشمة، وهتك عرض، وأفعال منافية للحياء”.

لا تمثل هذه الثغرات وحدها كل الأسباب بعدم وصول القضايا للقضاء، وتُشير عبدوش إلى “غياب وجود توعية، وجهل بطريقة تقديم الشكوى، والوصول للنيابة، إضافة إلى أن الناس لا يملكون قناعة بأنه يمكن أخذ حقهم عبر القضاء”، فضلاً عن التكاليف المالية لتوكيل محامٍ.

بدوره، يؤكد المحامي محمد وجود قضايا انتهاكات جنسية للأطفال، وقال إنها موجودة بمحكمة الجنايات بدمشق. وأوضح أن المواضيع الحساسة بسوريا عادة لا يكون لها ذكر بالإحصائيات، مؤكداً أنه رغم اطلاعه على العديد من القضايا، إلا أن القضاء لم يصدر إحصائيات عنها، وقال إن القضاء يعتبر وجودها معدوماً.

من يهتم بالأطفال؟

يغيب عن سوريا وجود خطط رسمية أو حملات إعلامية لمواجهة التحرش واغتصاب الأطفال، وخلال تقصينا وجدنا أن منظمات غير حكومية معنية أجرت بعضاً من ورش التوعية بقضايا التحرش، مثل “مشروع طريق النحل”، وهي جهود لا تندرج ضمن خطة رسمية.

في الدول المجاورة لسوريا، وجدنا حملات نُظمت بجهود رسمية لمواجهة الانتهاك الجنسي، كلبنان الذي أطلقت فيه الهيئة الوطنية لشؤون المرأة حملة “مش بسيطة” لمواجهة التحرش، وفي الأردن حملة “ما تسكتوش التحرش جريمة”.

كذلك شهدت بلدان عربية أخرى حملات رسمية لحماية الأطفال، كالمغرب الذي أطلق في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 حملة لحماية الأطفال من العنف والاستغلال.

على المستوى الإعلامي تقصينا عبر تقنيات البحث المتقدم في ثلاثة من أبرز وسائل الإعلام الرسمية، هي موقع وكالة الأنباء الرسمية، وصحيفة “الثورة”، وصحيفة “تشرين”، خلال الفترة من 2010 حتى 2022.

أردنا معرفة حجم وجود أخبار، أو تقارير، أو تحقيقات حول اغتصاب الأطفال بسوريا والتحرش بهم. أكثر ما وجدناه أخبار تتعلق بالاغتصاب والتحرش بدول أخرى، وقليل منها تحدثت عن سوريا.

في المقابل، وجدنا تقارير بمواقع ليست رسمية تعمل في سوريا، وكانت تركز على دور المجتمع باستمرار هذه الجرائم.

آلام مستمرة

ما تعرضت له الطفلة “نور” ترك أضراراً نفسية عليها، وأصبح يتملكها خوف من الآخرين، وهناك أطفال آخرون يعيشون معاناة مشابهة، ويزداد الوضع سوءاً عندما يحدث الاغتصاب.

لا نعرف حقيقة كم عدد الأطفال السوريين الذين يعانون الآن، والذين سيعانون بقية حياتهم جراء تعرضهم للتحرش أو الاغتصاب. وتبقى الإجابة في عهدة القضاء والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتقليل أعداد الضحايا ومساعدتهم.