ذهبت مع الريح ….ملايين الدنانير لمحاربة الفقر تتبخر تاركة خلفها أطلال مشاريع على الورق و عائلات بلا مأوى
تحقيق استقصائي يكشف عن هدر رسمي لملايين الدنانيير من أموال المنح الاوروبية لمحاربة الفقر في الاغوار الشمالية
الإتحاد الأوروبي: لم تكن هناك اعتبارات كافية تشرح سبب طرح بعض ” المشاريع التنموية” من قبل الحكومة
عمان نت وجريدة الغد – مبنى مهجور يقبع فوق تله، ما ان تجتاز أسواره حتى تتراءى لك آليات معطلة ومركبة نقل ألبان مبردة متوقفة لا تعمل. قصة المكان تعود لسبع سنوات مضت عندما قدمت وكالة تنمية ألمانية منحة إلى جمعية محلية في احد مناطق الأغوار الشمالية قدرها 270 الف يورو لإنشاء مصنع للألبان. (خارطة تبين تقسيمات الأغوار الشمالية).
على أطلال المصنع يقف أحمد ابو صهيون عضو جمعية وقاص التعاونية ويحدثنا عن سيرة فشل مشروعهم الأوحد: “أجبرت الجمعية على تشغيل المصنع بوقت معين رغم ان كوادرها لم تكن جاهزة للإدارة والعمل”. ويضيف: “رغم نداءاتنا المتكررة لوزارة التخطيط بأننا غير مستعدين إلا أنهم أصروا على افتتاحه، لنفاجأ بأن إصرار الوزارة كان بسبب زيارة لجلالة الملك بتاريخ 11/3/2003 . وكانوا حريصين على افتتاح الملك له بصرف النظر عن جهوزية العمل”.
“بعد يومين أغلق المصنع لثلاثة شهور وأجبرنا على دفع رواتب الموظفين دون أي عائد لنا. وبعد معاودة التشغيل اكتشفنا أن آلة التعليب – التي أحضروها من تركيا مستعملة- لم تكن تعمل، ما راكم الديون على الجمعية وانتهى الأمر بتوقف المصنع”، على ما يستذكر الرجل بحسرة.
وزراة التخطيط انكرت ان الكادر لم يكن مؤهلا لحظة البدء بالمشروع، إلا انها أقرّت بأن المصنع الآن “بحالة سيئة جدا”، وعلّلت ذلك “بضعف قدرات الجهات المحلية المشرفة على المشروع، وبالأخص من النواحي الإدارية والمالية والتسويقية. وتراكم الديون التي تجاوزت (50) ألف دولار.
هذا المصنع كان بين سبعة مشاريع تم تتبعها في هذا التحقيق– ستة منها متعثرة – صرفت عليها الحكومة وعلى مشاريع أخرى ثلاثة ملايين دولار في الأغوار الشمالية، بهدف مواجهة ثنائية البطالة والفقر. لكن الفقر يتصاعد إلى معدل 28،6 % بحسب آخر تقديرات لدائرة الإحصاءات العامة لعام 2008.
ولم تشغل المشاريع التي تتبعتها كاتبتا التحقيق أزيد من 81 فرصة عمل، رغم ان اعداد العاطلين عن العمل 13الف نسمة، إذ تقدر نسبة البطالة في الإغوار ب 14 % من القوة العاملة بين السكان المقدر عددهم ب 97 الف نسمة. (جدول يبين المشاريع وعدد العاملين فيها).
توصل هذا التحقيق إلى أن فشل “مشاريع محاربة جيوب الفقر” يعود إلى سوء التخطيط، ضعف إدارة ورقابة الجهات الداعمة/ الممولة للمشاريع – وهي المؤسسات الحكومية ومن ورائها الجهات المانحة. كما أن آليات تنفيذ المشاريع تبيح إعادة تضمينها إلى مستثمرين من خارج المنطقة ما يحرم سكانها من الانتفاع منها والعمل فيها. كل ذلك ساهم في رسم عدة مشاريع على الورق فقط دون ترجمتها على أرض الواقع. والمؤسف أن الترويج الحكومي لها يفوق عادة ما تدره واقعا. ،
ولمست كاتبتا التحقيق أن معظم سكان اللواء لا يعرفون بوجود مثل هذا النوع من المشاريع. استطلاع رأي أظهر أن ست عائلات من عشر لا تعرف شيئا عن مشاريع محاربة الفقر هناك.
وزارة التخطيط اصدرت عام 2004 دراسة مسحية لواقع مناطق الفقر رهنت حل مشكلتها بإنفاق ما يقارب 112 مليون دولار، على جيوب الفقر البالغة آنذاك 22 جيب فقر. بعد سبع سنوات انفقت وزراة التخطيط وحدها 86 مليونا وفق أرقام زودتنا بها، والمفارقة ارتفاع عدد الجيوب من 22 الى 32، بحسب المسح الأخير لدائرة الإحصاءات العامة عام 2008.
متنزه سياحي أضحى وكرا للأطفال المدمنين
بتاريخ 11-7- 2011 زار وزير التخطيط جعفر حسّان لواء الأغوار الشمالية للإطلاع على سير تنفيذ مشاريع تنموية هناك، بحسب بيان صحفي عن الوزارة. من بين المواقع التي جال فيها الوزير متنزه تديره جمعية المتقاعدين العسكريين،) الواقع ضمن بلدية طبقة فحل. في البيان الرسمي وصف هذا الموقع “بالمتنفس للأطفال والعائلات القاطنة هناك”.
لم يلحظ بيان الزيارة بأن المتنزه تحول وكرا يجتمع فيه أطفال مدمنون على شم الآغو وتعاطي الكحول، بحسب اعترافات الاطفال المدمنين انفسهم. في مضافة المشارع تلتقي كاتبتا التحقيق مع جمهرة أطفال يتوسطهم طفل بدا في حالة فقدان وعي. فهو للتو تناول جرعة من الآغو الذي “يشعره بالانبساط”، حسب تعبيره. الغلام الملقب “بأسود” لا يتردد عن مصارحة أي سائل عن ممارساته الإدمانية ويقرن تركه شم الآغو ببناء ملعب في منطقته. فالمتنزه المذكور أعلاه لا يتعدى كونه تجمعا له ولأقرانه من الصبية المنحرفين.
جوله بسيطة في الموقع تؤكد روايات الأطفال؛ علب الآغو وأعقاب السجائر تملأ المكان وحتى الألعاب الكهربائية مهترءة وتفتقر لأدنى أدوات السلامة (مرفق صور لعلب الآغو والسجائر وللألعاب القديمة).
صورة وردية ترسمها الجدوى الإقتصادية التي تروج لها وزراة التخطيط عبر مركز تعزيز الإنتاجية “إرادة”، الذراع الحكومية المكلفة وضع دراسات جدوى للمشاريع التنموية الصغيرة والكبيرة.
صافي أرباح سنوية للمتنزه قدر بحسب الجدوى الأولية عام2006 ب 31 ألف دولار في السنة الأولى على أن يقفز بعد السنة الثالثة الى 32 الفا. بعد سنتين تصدر وزارة التخطيط نشرة مفصلة حول واقع المشاريع في لواء الأغوار تنحدر فيه صافي ارباح المشروع إلى مايقارب ال9 آلاف دينار اي بواقع 30 دينارا شهريا للمساهمين البالغ عددهم 360 عضوا.
دراسات جدوى أخرى حصل راديو البلد عليها لمشاريع مثل مصنع كرتون توقعت عام 2007 ايرادات تبدأ ب 68 الف دينار دولار وتصل الى 100 دولار في السنه الخامسة. ايرادات لم تر النور في ظل توقف المصنع منذ أربع سنوات.
سلوى بامية المدير العام للحديثة للدراسات الإدارية – شركة خاصة تعنى بدراسات جدوى المشاريع – ترى أن “الفجوة الكبيرة بين ما يرد في دراسات الجدوى الإقتصادية وبين ما تؤول إليه المشاريع لا حقا، قد يدل على “خلل في إعداد الجدوى من الأساس”.
الدراسة التي اعدّتها الهيئة التنسيقية للتكافل الإجتماعي (مؤسسة حكومية مستقلة) عام 2010 تشير في نتائجها المتعلقة بجيوب الفقر إلى “ضعف في اعداد الجدوى الإقتصادية أو عدم وجودها لبعض المشاريع الأخرى”.
مدير قسم تعزيز الإنتاجية لدى وزارة التخطيط المهندس محمد العضايلة يبرر التفاوت بين بعض دراسات الجدوى وما هو واقع ب”اعتماد تلك الدراسات عادة على متغيرات ومدخلات قد تتغير خلال الفترة بين اعداد الجدوى وتشغيل المشروع على الأرض”.
مصنع (الأمل ) للكرتون متوقف منذ عام، 2007
لدى دخولك هذا المصنع لا تجد سوى غرفتين ضمن شقة وأربع ماكينات داخل مبنى جمعية المكفوفين في بلدية معاذ بن جبل. عام 2006 بدأ العمل في مصنع للكرتون ضمن باقة برنامج قدرات للتنمية المحلية المدار من قبل مؤسسة نور الحسين والممول من وزارة التخطيط بكلفة لا تتجاوز ال 50 ألف دولار، وبرأس مال تشغيلي لا يزيد عن 2500 دولار.
يوسف ابو زيبد العضو في جمعية مكفوفي معاذ بن جبل، المسؤولة عن هذا المصنع، يؤكد أن سبب توقف المصنع يعود إلى رداءة بعض الماكينات انخفاض رأس المال التشغيلي المخصص من وزارة التخطيط ومؤسسة نور الحسين عن رأس المال الفعلي المستحق.
في ذات السياق تكشف ورقة رسمية من لجنة العطاءات لدى برنامج قدرات – الذراع المسؤولة عن المصنع في مؤسسة نور الحسين – زودنا بها رئيس الجمعية السابق أنور المشرقي أن جميع الماكينات جديدة إلا أن “المكبس (أحد الآلات) لم يكن جديدا وكان دائم التعطل، ما كان يعوق سير الإنتاج لمرات متكررة”.
إلا ان مدير برنامج قدرات في مؤسسة نور الحسين ” موسى الصيفي نفى وجود “أسباب إدارية أو فنية وراء تعثره”، معللا ذلك بأن مؤسسته أجبرت على ترك المشروع بيد الجمعية بعد سنتين على تشغيله، بموجب عقد مع وزارة التخطيط ينهي عمل الجهة المشرفة بعد عامين فقط وهي فترة غير كافية حسي قوله.
سوء إدارة المشروع من قبل الإدارات المشرفة، هو ذات المبرر المكرور على لسان وزارة التخطيط لتعليل توقف وفشل هذا المشروع ايضا ليحمل المجتمع الفقير المسؤولية أيضا.
إلا ان الخبير في إحصاءات الفقر الدكتور احمد ابو حيدر يرى اخفاق المجتمع المحلي في إدارة مشاريعه هو ذنب يتحمل تبعاته “الممول والمشرف للمشروع، فهو المنوط بتأهيل المجتمع في المناطق الفقيرة حتى يصبح قادرا على إعالة نفسه”.
مشاريع منجزة و ناجحة رسميا ، فاشلة ومهجورة فعليا
مشروع لشقق فندقية ب 380 ألف دولار يظهر “على ورق” وزارة البلديات المسؤولة عنه ويؤكد رئيس بلدية معاذ بن جبل السابق علي الدلكي أنه من المشاريع الناجحة.
لكن بعد زيارة ميدانية على أرض الواقع وجدت كاتبتا التحقيق أن الشقق الفندقية الواقعة في منطقة الحمة في الشونة الشمالية ليست سوى مبنى واحد شبه مهجور لم ينته تشطيبه بعد. مرفق صور للمبنى.
يندرج هذا المشروع ضمن برنامج مكافحة الفقر الممول من الإتحاد الاوروبي والموجه لبلديات الاغوار الأربع بكلفة اربعة ملايين و600 ألف يورو، وزع على كل بلدية بالتساوي ما يقارب 303 الف يورو.
إكتفت البلدية بعد تشييد البناء تضمين المشروع المتعثر والحمة أيضا لمستثمر خارج منطقة الغور مقابل 21 الف دولار سنويا، على ان يرتفع بعد ثلاث سنوات الى 31 الفا، بحسب تصريح رئيس لجنة بلدية معاذ بن عماد جبل أبو العباس.
لزم عطاء بناء الشقق الفندقية بحسب أبو العباس للمستثمر بموجب العقد المبرم بينه وبين البلدية التي تشير المادة ال 27 منه ان اي مشروع تنموي جديد ينشأ في حدود الحمة يبقى في عهدة المستثمر على ان يتم رفع الإيجار وفقا لغايات ونوع المشروع، وحمل رئيس اللجنة مسؤولية تشغيل البناء على المستثمر الجديد.
رئيسة تحرير صحيفة الغد جمانة غنيمات ترى ان سياسة تضمين المشاريع التنموية “دليل على فشل السياسة الرسمية في جعل المجتمع المحلي في المناطق الأقل فقرا قادرا على إدارة مشاريعه بذاته” وان تلك السياسة ماهي الا “وسيلة للخروج بأقل الخسائر”.
ولا تقتصر سياسة التضمين الحكومية للقطاع الخاص على مشروع الإستراحة السياحية فقط، فهناك مجمع متعدد الأغراض وصالة للأفراح في بلدية معاذ بن جبل ايضا مولته وزارة التخطيط بنصف مليون دينار واشرفت على تنفيذه مؤسسة نور الحسين وتم منحه لجمعية اهالي الغور التعاونية، ثم تم تضمينه للقطاع الخاص.
محمد الزعبي مدير التنمية المجتمعات المحلية في مؤسسة نور الحسين يبرر الامر “بعجز الجمعية عن إدارة مشروعها بنفسها لذا فإن استقطاب قطاع خاص لإدارتها يعتبر الأسلم لضمان نجاح المشروع” ويضيف:”لتعميم الإستفادة من المشاريع وضعنا شرطا على الجمعيات المدعومة بأن لا يقل عدد أعضاءها عن ال 150 شخصا”.
وبتلك السياسة فإن الصالة والمجمع ضمنا بالفعل لمستثمر من خارج الغور في منتصف عام 2011 بمردود على المنطقة لا يزيد عن 42 الف دولار فقط وهي قيمة الإيجار السنوي للصالة والمجمع توزع بين الجمعية والبلدية.
ومع قلة الربح إلا أن جمعية اهالي الغور التعاونية “صاحبة المشروع” لم تحصل على حصتها حتى الآن رغم ان الإتفاقية بين الأطراف المستفيدة بدأت بالعمل تحت إدارة المستثمر الجديد.
يعلل رئيس الجمعية عدنان قطيش عدم تحصيل الجمعية اموالها للان بعجزها الوفاء بشرط مؤسسة نور الحسين برفع الأعضاء إلى 150 عضوا. يقول قطيش: “الناس هون مش لاقية تاكل من وين تجيب 500 دولار ثمن سهم الجمعية للإنضمام لها “؟
بحسب الناشطة الإجتماعية الهام المشرقي “لم يساهم هذا المشروع في تشغيل ابناء اللواء؛ المناصب الإدارية جميعها ذهبت لموظفين خارج المنطقة، كما ان اقبال السكان على الصالة ضعيف لارتفاع اجورها التي تصل من 700 الى 800 دولار في الليلة الواحدة “.
يدافع جمال حداد مدير الصاله عن توظيفه لكوادر من خارج المنطقة “بعدم وجود ايدي عاملة مؤهلة في اللواء.
وتبدو تلك سياسة التضمين مكروهة حتى حكوميا، كما يشرح مدير قسم تعزيز الإنتاجية محمد العضايلة “فالجوء للقطاع الخاص يعتبر آخر وسيلة للجهة المشرفة لحماية المشروع من الفشل او التعثر.
مشاريع قائمة على الورق فقط وأخرى بلا فائدة
ساحة يتوسطها ثلاثة مبان كبيرة غير مشطبة ما تزال على حالها منذ اكثر من عامين. المشروع المفترض هو سوق مركزي ممول من الإتحاد الأوربي بموجب برنامج مكافحة الفقر من خلال التنمية، والموجه لدعم البلديات في المناطق الأكثر فقرا.
المشروع الممول بقيمة 654 ألف يورو، منها 100 ألفا كانت دعما من وزراة الشؤون البلدية والباقي من الإتحاد الأروبي، بدأ العمل به منذ العام 2007 والى الان لم يكتب له التمام. أوراق وزراة التخطيط الرسمية تصف المشروع بالقائم وانه تم انجاز 75% منه .
عند مواجهة محمد العضايلة مدير قسم تعزيز الإتتاجية في وزارة التخطيط ، بحقيقة تعثر السوق، نوه ان دور وزارته هو التشبيك فقط بين الأطراف التي دعمت المشروع وأن وزراة البلديات هي المسؤولة المباشرة عنه
لدى الرجوع للبلديات، يبرر رئيس بلدية طبقة فحل السابق محمود الرياحنة تعطل المشروع بحاجة البلدية لنصف مليون دينار اضافية لإنهائه “فتكلفة المشروع الحقيقية تتجاوز المليون وتقديم كلفة المشروع سابقا بأقل من النصف هو للحصول على منحة الإتحاد الأوربي المقتصرة على نصف مليون فقط” حسب قوله .
كما لو ان سلسلة المشاريع المتعطلة لا تنتهي، فهذا مصنع للحقائب في الشونة الشمالية زارته كاتبتا التحقيق في أيار 2011 ، لم يكن يعمل لعدم قدرة جمعية وادي الريان للسيدات على تأمين رواتب للموظفات بحسب مديرتها نجاح أبودان.
بعد شهرين نشرت وزارة التخطيط بيانا اكدت فيه ان الوزير جعفر حسان زار المشغل باعتباره من المشاريع الناجحة في اللواء واطلع على سير العمل هناك.
بدورها وزيادة في التاكد زار راديو البلد المشغل مرة اخرى قبل نشر التحقيق بأقل من شهر و كان متوقفا عن العمل كذلك.
مبنى كبير آخر مهجور، في بلدة وادي الريان التابعة لبلدية شرحبيل بن حسنة، كان عبارة عن مخزن”للأعلاف ومستلزمات الإنتاج الزراعي “هجره اتحاد المزارعين فرع الأردن منذ ما يقارب العشرين عاما بعد فشله في ادارته بحسب مدير عام الاتحاد فرع وادي الأردن باسل شحادة.
ورغم كبر حجم المبنى وتعدد منافعه إلا انه والى الآن على ذات الحال .(صورة للمبنى ) بعد ان عاد لحضن سلطة وادي الأردن مالكة المبنى بحسب شحادة.
حاولنا الرجوع لمدير سلطة وادي الاردن قيس عويس للإستعلام عن مصير المخازن المهجورة إلا انه احالنا لموظف اخر في السلطة، حولنا بدوره لموظف ثالث ليرجعنا الأخير لاتحاد المزارعين “علنا نجد ما نريد ” حسب قوله.
الإتحاد الأوربي يقر بأوجه بقصور
لدى سؤاله عن تقييمه للمشاريع الممولة من قبله في الأغوار الشمالية رد مكتب الإتحاد الأروبي في الأردن بأنه “لا يوجد تقييم مفصل لمثل هذا النوع من المشاريع، إلا أن التقييم العام يرى بأنه لم تكن هناك اعتبارات كافية تشرح سبب طرح تلك المشاريع من قبل الحكومة، وأضاف ان إدارات البلديات لم تكن مؤهلة لإستيعاب مثل تلك المشاريع التي ساهمت وللأسف بشكل قليل في التنمية”.
واقع مخالف للرأي الأوروبي تجده في التقييم الرسمي لمشاريع محاربة الفقر؛ حيث تشير ارقام وزراة التخطيط الى أن نسبة المشاريع المتعثرة لا تتجاوز ال 22% وانها أقل من المعايير العالمية المعتمدة البالغة 50%.
ورغم التفاؤل الحكومي إلا أن دراسة لواقع التنمية في الأغوار الشمالية اعدتها وزراة التخطيط عام 2007 ، تشير خلاصتها الى “تعثر بعض المشاريع التي حصلت على منح من الجهات المانحة ووزارة التخطيط، وذلك لغياب الرقابة على أعمال هذه المشاريع وضعف القدرة الإدارية للقائمين على عليها”.
دارسة رسمية اخرى اجرتها الهيئة التنسقية للتكافل الإجتماعي صدرت عام 2010 تحدثت عن تعثر للمشاريع المخصصة لمحاربة الفقر في المناطق الأقل حظا منها الأغوار الشمالية .
الفقراء غير مستفيدين من تلك المشاريع
ينفي علي-ثلاثين عاما- الشاب العاطل عن العمل علمه بأي من المشاريع القائمة في بلدته،”لا أعلم شيئا عنها ولا أملك مبلغا ماليا كافيا كي اكون عضوا في تلك الجمعيات التعاونية التي تستحوذ عادة على المنح الحكومية والمشاريع التنموية “.
في منطقة المشارع اجمع قرابة 30 شابا من العاطلين عن العمل في لقائهم بكاتبتي التحقيق على الجهل بالمشاريع التنموية في قراهم وارتسمت ملامح الدهشة على وجوههم فور معرفتهم بالأرقام المالية المنفقة عليها .
هذا ما أظهرته نتائج استطلاع اجرته كاتبتا التحقيق على 80 عائلة في الأغوار الشمالية، إذ اجاب 64 % منهم بعدم معرفتهم بالمشاريع التنموية المقامة في الغور.
موسى الصيفي مدير برنامج قدرات في مؤسسة نور الحسين -المؤسسة الأكثر نشاطا في لواء الأغور الشمالية- يقر بأن التركيز في تلك المشاريع يكون على الفئات الأكثر تعلما والأكثر وعيا وهم عادة من يقبلون على تأسيس جمعيات تعاونية أو حتى خيرية، فالفقراء المعدومين برأيه “يصعب في كثير من الأحيان الوصول اليهم كما تعتبر استجابتهم للمؤسسات المشرفة والداعمة ضئيلة جدا” .
منطق يتجلى لدى تتبعك للهيئات التأسيسية في كل من الجمعيات الخيرية والتعاونية؛ ففي ورقة حصلنا عليها من مديرية التنمية الإجتماعية فرغ الأغوار الشمالية للأعضاء التـأسيين للجمعيات الخيرية الحاصلة على تمويل، كشفت أن خمس من بين سبع جمعيات حاصلة على دعم تربط بين اعضائها التأسيسة علاقات قرابة وتشابه في أسماء العائلات، ويتكرر الأمر كذلك بالنسبة للجمعيات التعاونية البالغ عددها 12 جمعية تعاونية تهيمن على إدارتها عائلات محدودة معروفة بنفوذها بحسب معلومات محصلة من منظمة تعاون اربد (مظلة جمعيات غور الشمال التعاونية) بناء على طلب كاتبتي التحقيق .
دراسة اجرتها الهيئة التنسيقية للتكافل الإجتماعي عام 2010 تشير احدى نتائجها المتعلقة يجيوب الفقر الى أن المشاريع التنموية التي تقدم للمنظمات التعاونية تخدم خصيصا لوجهاء المنطقة ولا تستهدف الأشد فقرا.
بعد ستة أشهر من التجوال ذهابا وإيابا في منطقة الأغوار الشمالية، ودّعت كاتبتا التحقيق المكان وهما تحتفظان بذات صور سوداوية عن سكانها.. شباب محبط متسكع على أطراف الطرقات، اطفال مشردون لفظهم الفقر من مدارسهم، نساء يفترشن الأسواق بحثا عن لقمة عيش. ويفاقم هذا المشهد البائس مشاريع مهجورة أو غير فاعلة تزيد من حال الناس هناك يأسا وبؤسا.
أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة اريج (اعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية) واشراف الزميل سعد حتر .
Leave a Reply