مسار تهريب صقور مهاجرة نادرة من ليبيا إلى الخليج
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفي قلب الصحراء الليبية مترامية الأطراف، وقع صقر في فخ كان منصوباً له منذ ساعات، وانطلقت بعدها صيحات الفرح بين الصيادين الذين راحوا يتفحصون صيدهم العالقة مخالبه في الشباك.
مشاهد الفرح نفسها تكررت، عندما تجمّع الصيادون لبيع “صيدهم الثمين” في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2021، في مزاد شعبي بمدينة طبرق الليبية (1250 كيلومتراً شرق العاصمة طرابلس)، انتهى بالإعلان عن بيع الصقر بمبلغ مليونين و250 ألف دينار ليبي (460 ألف دولار أميركي، بسعر الصرف الرسمي وقتها)، إلى التاجر الليبي محمد السعداوي.
اجتذب المزاد اهتمام وسائل الإعلام، التي وصفت صفقة بيع الصقر “بالأغلى في العالم”.
وبعد انحسار التغطية الإعلامية، لم يبقَ الصقر طويلا في حيازة السعداوي؛ فسرعان ما نُقل إلى خارج الحدود الليبية.
هذا الصقر مدرج في الملحق الأول من معاهدة “سايتس”، كونه مهدداً بالانقراض؛ وبالتالي يحظر صيده والاتّجار به، إلا أن هذه المعاهدة يُضرب بها عُرض الحائط؛ ففي موسم هجرة الصقور من كل عام، تنصب على امتداد الشرق الليبي شباك اصطياد الصقور، التي تسمى محلياً باللفافة. فاقم من هذا الوضع ارتفاع ثمن هذه الطيور، وغياب الشرطة البيئية، والدور الرقابي لوزارة البيئة الليبية، المتعذّرة بنقص الإمكانات.
عملية اصطياد الصقور والاتّجار فيها لا تتوقف عند الحدود الليبية؛ إذ تمتد إلى سلسلة من تجّار وسماسرة ومهربين، تنتقل بالصقور عبر الحدود الليبية إلى البلاد المجاورة، أو حتى أبعد من ذلك.
في هذا التحقيق، تتبّعنا عبر المصادر المفتوحة -المتمثلة في قواعد بيانات الرحلات الجوية، والطائرات، وأدوات تحديد الزمان والتوقيت، ووسائل التواصل الاجتماعي- رحلة صقر طبرق، من ليبيا مروراً بمدينتي مرسى مطروح والإسكندرية المصريتين؛ وصولاً إلى إمارة أبوظبي.
رحلة عبر الحدود
بعد ساعات من المزاد، تنقّل صقر طبرق في حلقات هذه السلسلة؛ قاطعاً نحو 370 كيلومتراً من طبرق إلى مدينة مرسى مطروح المصرية.
حينها، ظهر الصقر مستقراً على رسغ تاجر مصري، يُدعى ناجي بو الربعية. لم تدم إقامة الصقر في مرسى مطروح طويلاً؛ حيث انتظرته رحلة أخرى برفقة “بو الربعية” على متن طائرة، كما يظهر في الفيديو الذي نشره عبر صفحته على “فيسبوك”، بتاريخ السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
كما نشر عدد من أقرباء “بو الربعية” مقطع فيديو للصقر على “فيسبوك” يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، يُظهر احتفاءهم بوصول “طير طبرق” من ليبيا.
عند فحص صورة الصقر في المزاد الليبي، والصقر الذي يظهر مع “بو ربعية”، يُرجّح الباحث في جامعة فلوريدا، ومسؤول برنامج حماية الصقور في المجر ماتيس برومر، أن الصورتين تُظهران الصقر نفسه؛ إذ إنهما لصقر من نفس الفصيلة والنوع والجنس.
وتُظهر الصورتان صقراً من فصيلة “شاهين”، ونوعه أنثى في عامها الأول.
كما يؤكد البحث التقني في شركة “Imaging Forensics”، أن المقاطع المصوّرة التي جمعها “فريق التحقيق” غير مركبة؛ وعلى الأرجح فإن المعالم الجسدية للصقر -وفقاً للمقاطع المصورة في ليبيا وفي مصر- لا تُظهر صقراً مختلفاً.
وصرح التاجر الليبي محمد السعداوي، في أحد المقاطع المنشورة على “فيسبوك” بتاريخ الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أنه سلّم الصقر إلى “بو الربعية”.
يوضح “السعداوي” مزيداً من التفاصيل، على الصورة التي تجمع بين الصقر وبو الربعية، بالقول إن الأخير استلم الطائر في مرسى مطروح، وسافر به على متن طائرة خاصة من مطار برج العرب في الإسكندرية إلى دولة الإمارات.
فيما رفض “بو الربعية” التعليق على الفيديوهات والصور، التي تُظهره بصحبة الصقر.
نشر التاجر المصري فيديو الصقر داخل إحدى الطائرات الخاصة، عند الساعة الثانية عشرة، صباح يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وتعكس النوافذ على يمين الطائرة ضوء الشمس؛ ما يعني أن الطائرة أقلعت صباح يوم ما، بين الثاني والسادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
وتكون الشمس على يمين الطائرات المصطفّة في مطار برج العرب، بين السابعة صباحاً ونحو الثانية عشرة ظهراً. وبعد إقلاع الطائرة؛ تتجه إلى الشمال قبل أن تنحني شرقاً باتجاه الإمارات، وهذا يعني أنه خلال هذه الفترة، تنعكس الشمس على النوافذ اليمنى للطائرة.
ولم تظهر في الفيديو إلا الوجهة الداخلية للطائرة، التي بدت بالفعل طائرة خاصة.
أسفر تتبّع هذه الطائرة -بالتعاون مع قسم البحث بمنظمة “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)- مطابقتها للطائرات التي تنتجها شركة صناعة الطائرات Bombardier.
ثم لجأنا إلى تحليل الخصائص الشكلية للطائرة من الداخل؛ لنجد أنها تتطابق مع طائرات Bombardier Global Express.
البحث في النطاق الزمني عن إقلاع طائرات من هذا النوع من مصر، عبر قاعدة بيانات “Flight Aware”، أفضى إلى طائرة خاصة من فئة “Bombardier Global Express”، أقلعت من مطار برج العرب، في التاسعة من صباح يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، ووصلت إلى إمارة أبوظبي.
وتشير قاعدة البيانات نفسها، إلى أن هذه الطائرة قدمت من مطار مكتوم بدبي إلى مطار برج العرب، فجر اليوم نفسه.
وباللجوء إلى صور الطائرة المسجّلة في قاعدة البيانات -BD-700-1A-10- وجدنا تطابقاً كاملاً بينها وبين معالم الطائرة التي استقلها “بوالربعيه”؛ كما تُظهر الصور التالية.
هذه النتائج ينكرها “بو الربعية”، متجاهلاً ما نشره هو وأقاربه على “فيسبوك” عن استلامه الصقر وسفره به؛ وفي الوقت نفسه لا ينفي عمله لصالح أحد المسؤولين في إمارة أبو ظبي، وأنه كان يستقبل بعض الإماراتيين في رحلتهم للصيد في مرسى مطروح.
دفعنا نفي “بو الربعية” إلى العودة مرة أخرى إلى المشتري الأول للصقر -السعداوي- الذي أكد أنه سلّم الصقر لـ”بو الربعية”، لينقله من مطار برج العرب إلى الإمارات، حيث جرت “مراسم تسليم الصقر”.
الأبواب الخلفية
ينطلق هذا الصقر مع غيره في خريف كل عام في رحلة من الشمال إلى الجنوب، حيث يلتمس في إفريقيا الدفء بعيداً عن شتاء أوروبا القارس. وتمر الطيور المهاجرة عبر مسارين؛ أحدهما شرقاً بمحاذاة نهر النيل، والآخر غرباً؛ يمتد من تونس عبر ليبيا والسنغال وصولاً إلى جنوب إفريقيا.
ووفق الدكتور هلال الحرير، المحاضر بكلية الموارد الطبيعية وعلوم البيئة بجامعة عمر المختار بمدينة البيضاء؛ فإن ليبيا تمر بها أربعة إلى ثمانية أنواع من الصقور المهاجرة كل عام، في حين يستوطنها أربعة أنواع.
يصنف هذا الصقر من نوع صقور الشواهين، الذي يطلق عليه محلياً اسم “أبحرية”؛ إشارة إلى قدومه من الشمال عبر البحر المتوسط.
يؤيد الدكتور ألستر فرنكا، مدير المجموعة البحثية “الطيور الجارحة في القطب الشمالي” بجامعة ألبرتا الكندية، ما خلص إليه الدكتور برومر بأن هذا الصقر “شاهين”، واسمه العلمي Peregrine Falcon.
وبالبحث حول هذا النوع من الصقور؛ وجدنا أنه مسجل في الملحق الأول من معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (سايتس).
وتنص المعاهدة على أن الأنواع المدرجة في الملحق الأول هي الأكثر عرضة لخطر الانقراض، ويجب منعها من التجارة الدولية بشكل كامل، إلا إذا كان الغرض من الاستيراد غير تجاري.
ووضعت الاتفاقية استثناءات تنظر فيها السلطات المختصة، قبل إعطاء تصاريح النقل.
“تسمح السايتس بتداول صقر شاهين المندرج في الملحق الأول من الاتفاقية لأغراض غير تجارية، حال إذا لم يكن مصدره الحياة البرية، بل أحد مراكز التربية”، بروفيسور إريكا لومان، مديرة مركز تحالف القانون الدولي للحيوانات والبيئة، بمدرسة القانون كلاريك ولويس بالولايات المتحدة الأميركية.
الجدل حول “شاهين” في “السايتس”
في 2016، تقدّمت كندا باقتراح بنقل فصيلة الشاهين من الملحق الأول إلى الملحق الثاني من اتفاقية سايتس.
تمحورت أسباب تقديم الطلب حول استقرار أعداد “الشواهين” في العالم، بعد حظر استخدام المبيدات الحشرية العضوية مثل: مادي دي دي تي، التي أدت إلى تناقص أعداد صقور الشاهين، بعد الحرب العالمية الثانية.
قوبل هذا المقترح بالرفض من عدة دول، على رأسها دول الاتحاد الأوروبي؛ لأسباب تتعلق بمخاوف من “زيادة الاتّجار غير الشرعي” في هذه الأنواع.
تقول المنظمة الدولية للمدافعين عن الحيوانات، إن شبكة الحفاظ على بقاء الأنواع، التي هي عضوة فيها، عارضت هذا المقترح، بسبب استمرار التجارة غير المشروعة في الشواهين؛ ما يوضح عدم تطبيق أي تدابير احترازية ضرورية بعد، في بعض البلدان.
ووقّعت ليبيا على هذه المعاهدة عام 2003، وسبقتها مصر في التوقيع عام 1978.
ويترتب على ذلك، سن قوانين محلية تتماشى مع المنصوص عليها في معاهدة “سايتس”.
وبينما يجرّم القانون المصري عملية الصيد، والتجارة للحيوانات البرية من دون ترخيص؛ اقتصر القانون الليبي على حظر الصيد غير المرخص.
المادة 23 من اللائحة التنفيذية لقانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994
تحظر حيازة الطيور المنصوص عليها في الملحق 4 ونقلها أو التجول بها
الفقرة (ب) من الملحق 4
الطيور التي تحدّدها الاتفاقيات الدولية التي تنضم إليها مصر.
المادة 57 من قانون 15 لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة في ليبيا:
لا يجوز لأي شخص أن يصطاد إلا بعد الحصول على ترخيص أو إذن من جهات الاختصاص، بالشروط التي تحدّدها التشريعات النافذة. كما يُمنع الصيد في غير الأوقات التي يسمح فيها بذلك؛ بشرط عدم استعمال العقاقير أو الوسائل البكتيرية أو الجراثيم أو بعض أنواع الطعم التي تؤذي الحيوانات البرية. ويُحظر الصيد في المناطق المحمية التي تتكاثر فيها الحيوانات والطيور البرية إلا لأغراض البحث العلمي، وبشرط الحصول على ترخيص بذلك، وفقا للتشريعات النافذة. ولا يجوز ترك كلاب الصيد في تلك المناطق، وتعتبر مناطق محمية الغابات غير الطبيعية والغابات المحفوظة ومحطات التجارب الزراعية.
ووفق المحامي البيئي أحمد الصعيدي، فإن القانون المصري خوّل لوزارة الزراعة وجهاز شؤون البيئة التابع لوزارة البيئة اختصاصات إصدار تصاريح نقل الصقور، وفي حال نُقلت من دون تصريح، يجب مصادرتها.
وهذا ما حدث قبل عام من رحلة صقر طبرق؛ عندما أحبطت جمارك قرية البضائع بمطار برج العرب تهريب ثمانية صقور حية نادرة، على متن طائرة متجهة إلى الإمارات.
وإذ يقر وزير البيئة الليبي في حكومة الوحدة الوطنية، إبراهيم العربي، بضرورة تحديث قوانين الصيد في ليبيا؛ إلا أنه يوضح أن النهج نفسه تنتهجه وزارة البيئة إزاء تجارة الصقور، فيجب إصدار تراخيص قبل سفرها للخارج؛ ولكنّ نقص الإمكانات يحول دون الرقابة على هذه التجارة.
بحثنا في قاعدة بيانات التجارة التابعة لـ “سايتس”، التي تُسجّل بها تراخيص نقل الصقور؛ لنكتشف عدم تسجيل أي حركة تصدير شرعية للصقور من ليبيا منذ عام 2015.
ليبيا
منذ عام 1977: صدّرت ليبيا 13 صقراً
عام 2015: آخر صقر صُدّر من ليبيا
مصر
منذ عام 1980: صدّرت مصر 387 صقراً
عام 2011: آخر صقر صُدّر من مصر
هذا يعني أن هذا الصقر خرج من ليبيا، ووصل إلى مصر ومنها إلى الإمارات بشكل غير شرعي، وهو ما يؤكده “السعداوي” قائلاً: “كل هذه الطيور تخرج من ليبيا عن طريق التهريب”.
التقميط للتهريب
حصلنا على فيديو وصور لعملية إعداد الصقور للتهريب. تمر هذه العملية بمرحلتين؛ الأولى عبر لف الصقر بقماش ودوبار أبيض، وإظهار رأسه فقط لحماية ريش الصقر.
يلي هذه المرحلة حقن الصقر بمادة مخدّرة تشل حركته لإخفائه عن الأعين.
اللافت للنظر، أن هذا الأسلوب في التهريب، يتطابق مع ما تُظهره صور الصقور التي سبق أن ضبطتها السلطات المصرية في مطار برج العرب، عام 2020.
يقول السعداوي إن هذه التدابير الاحترازية، بالإضافة إلى طول الطريق والعوامل الجوية، تتسبب في إجهاد الصقور، لدرجة تصل إلى موت بعضها أثناء الرحلة.
وبمجرد إتمام عملية إعداد الصقور للتهريب، يأخذ الصقر طريقه إلى الخارج. وتتنوع الطرق بحسب كل مهرِّب، فأحد المهرِّبين يقول لنا إنه يتسلل بالصقور عبر منفذ تهريب في واحة جغبوب جنوب شرقي ليبيا، ومنه يسلك طريقاً مسافته 90 كيلومتراً، متوجهاً نحو واحة سيوة المصرية، ومن هناك تذهب الصقور إلى مرسى مطروح أو القاهرة.
هذا الطريق لا يفضله “السعداوي”، فهو يرسل الصقور عبر منفذ السلوم وامساعد البريين (الجمرك). وإن تنوعت الطرق، تظل وجهة صقور “السعداوي” واحدة: “كل الطيور تذهب إلى الخليج”.
المحطة الأخيرة
تنتعش تجارة الصقور في دول الخليج، حيث تُنظّم لها المزادات والمسابقات ورحلات الصيد.
وتأتي الإمارات على رأس الدول المستوردة للصقور في العالم؛ إذ سجّلت قاعدة بيانات “سايتس” استيراد الإمارات خلال عام 2021، عشرين ألفاً و365 صقراً، أبلغت هي عن استيراد تسعة آلاف و898 صقراً؛ في حين أبلغت الدول المُصدِّرة عن بيعها عشرة آلاف 467 صقراً إلى الإمارات.
هذه الأرقام من إجمالي نحو 32 ألفاً و420 صقراً، أبلغت الدول المستوردة والمصدّرة عن الاتّجار فيها.
تليها قطر التي أبلغت عن استيرادها ألفاً و622 صقراً، في حين أبلغت الدول المصدّرة لها عن بيعها ألفاً و763 صقراً.
قطر والإمارات وقعتا على معاهدة “سايتس”؛ ومن ثمّ وضعتا اشتراطات لاستيراد وتصدير الصقور، تتماشى مع نصوص المعاهدة.
شروط استيراد الصقور في الإمارات:
استخراج شهادة تصدير أو إعادة تصدير سايتس من الدولة المُصدِّرة
استخراج شهادة استيراد سايتس من وزارة التغير المناخي والبيئة
شهادة صحية تثبت خلو الصقر من الأمراض
التأكد من وجود حلقة معدنية مغلقة برجل الصقر
شروط استيراد الطيور والحيوانات البرية في قطر:
إفادة بالموافقة صادرة من إدارة الحماية والحياة الفطرية (سايتس) لبعض الأنواع
الفحوصات المخبرية للأنواع التي تتطلب ذلك والصادرة من بلد الاستيراد
وفي قطر تُجرى مزادات الصقور علانية في “سوق واقف” القطري.
ما نقلته قناة الريان القطرية، من فاعليات المزادات في موسمي الهجرة في 2015 و2017، يُظهر بيع ثلاثة صقور ليبية.
بيع أول صقر ليبي في مزاد عام 2015، بمبلغ 80 ألف ريال قطري (22 ألف دولار تقريباً). عُرض هذا الصقر في المزاد على أنه “شاهين” قادم من طبرق الليبية.
يحدّد صالح بورزيقة الشلوي، مدير منظمة الحياة لحماية الكائنات البرية والبحرية، نوع هذا الصقر بأنه شاهين أوروبي “أقرع”؛ أي يملك رأساً أبيض، ما يجعله نادراً.
في حال نُقلت هذه الصقور وفق إجراءات شرعية؛ فيجب أن تكون مسجّلة في قاعدة بيانات “سايتس”، ولكنّ سجلات قاعدة البيانات، لم تدرج قطر ضمن البلاد التي استوردت صقوراً من ليبيا، في أي عام مضى.
يضاف إلى ذلك نفي وزير البيئة، إبراهيم العربي، إصدار الجهات المختصة الليبية تصاريح سفر صقور طوال السنوات الماضية.
ولا يخفي العربي علمه بعمليات التجارة غير الشرعية في الصقور، بين ليبيا ودول الخليج، مبدياً أسفه من عدم تفعيل شرطة البيئة، المنوط بها التصدي لمثل هذه الممارسات.
فيما يقر خالد بن سفيان، مسؤول مزادات الصقور في معرض أبو ظبي الدولي للصيد والفروسية، بأن صقور الشاهين المهاجرة، تأتي من ليبيا إلى الإمارات بالتهريب عبر مصر؛ نظراً إلى توقيع ليبيا على اتفاقية سايتس، التي لا تسمح بتصدير الصقور.
ويشير بن سفيان إلى أن التجار في الإمارات يقبلون على اقتناء الصقور المهاجرة عبر ليبيا، ويستخدمونها في الصيد.
مقطع صوتي بن سفيان
انتعاش السوق السوداء
يضع مكتب الأمم المتحدة للمخدّرات والجريمة، التجارة غير الشرعية في الحياة البرية في المرتبة الرابعة من حيث الحجم؛ بعد تجارة السلاح والمخدّرات والاتّجار في البشر.
ويقدّر برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، حجم التجارة غير الشرعية في الحياة البرية، بين سبعة إلى 23 مليار دولار سنوياً، في حين يقدّرها الإنتربول بـ 20 مليار دولار سنوياً.
تبدو هذه المبالغ الضخمة، التي قدرتها الجهات الدولية في السوق الليبية، منطقية؛ فالصقور من مختلف الأنواع، يتمّ تداولها بمبالغ كبيرة في مزادات رصدناها في فصل الخريف، من عامي 2021 و2022.
ويرسم الإنتربول خريطة لمسارات تهريب الحيوانات البرية، يضع فيها منطقة الشرق الأوسط، نقطة العبور الرئيسة للتجارة غير المشروعة في الحياة البرية، ومصدر الاتّجار في الطيور النادرة.
على جروبات المهتمين بصيد وتجارة الصقور، تابعنا خلال عام 2021 أكثر من 20 مزاداً، أظهر “السعداوي” في هذه المزادات حضوراً قوياً بشرائه 8 صقور، بمقابل بلغ نحو مليونين و750 ألف دينار (525 ألف دولار تقريباً، بسعر الصرف وقتها).
وفي خريف عام 2022، تضاعفت المزادات؛ فرصدنا حينها ما يزيد على 50 مزاداً.
وتجاوز حجم التجارة في الصقور مبلغ 50 مليون دينار (نحو 10 ملايين دولار، بسعر الصرف أثناء موسم الخريف).
وارتفعت أسعار تجارة الصقور خلال موسم 2022؛ حتى وصل سعر بيع أحد الصقور نحو أربعة ملايين وسبعمئة ألف دينار؛ أي ما يعادل 940 ألف دولار، وفق سعر الصرف الرسمي وقتها، وذلك في 25 تشرين الأول/أكتوبر.
بيع هذا الصقر إلى التاجر الليبي حاتم بوقلة القطعاني، الذي أعلن أنه سيهديه إلى الكتيبة 20/20، التي يقودها العميد صدام حفتر، نجل المُشير خليفة حفتر.
تتبعنا هذا الصقر، حتى انتهى به المطاف -بعد ثلاثة أيام من بيعه- في يد محمد السعداوي. وهذا الصقر هو الآخر، أنثى في طور الشباب، من نوع شاهين، مهاجرة من شمال أوروبا.
وبالتالي، يندرج ضمن الفئة التي تحرّم معاهدة “سايتس” صيدها والاتّجار بها، إلا بصدور تصاريح مقيّدة، وفق الباحث في كلية الموارد الطبيعية والبيئة في جامعة فلوريدا، ماتياس برومر.
وربما واجه هذا الصقر المصير نفسه لسابقه؛ إذ يؤكد “السعداوي” أنه استلم الصقر، لينقله عبر أحد المطارات الليبية إلى الإمارات.