تحقيق: كارول كرباج وإيمان القيسي
درج– عندما يتعلق الأمر بالسجلات التجارية داخل لبنان وخارجه، من الصعب إيجاد اسم رئيس مجلس النواب نبيه بري، على النقيض من صهره أيمن جمعة الذي تظهر وثائق بنما أنه أسس 12 شركة أوفشور في جزر العذارى البريطانية. ميسا، إبنة بري الصغرى، مساهِمة في ثلاث من تلك الشركات مستخدمةً جواز سفرها الأسترالي.
لكن الوثائق الجديدة من وثائق بنما تؤكد أن جميع شركات جمعة المسجّلة في الجزر البريطانية، أو أقلها المسجلة عبر موساك فونسيكا (Mossack Fonseca: مكتب المحاماة البنمي ومزود الخدمات للشركات الذي اشتهر بعد تسريبات وثائق بنما)، تمّ تأسيسها بعد زواجه من ميسا بري في آب/أغسطس من عام 2008.
الزواج يبدو أنه كان مفيداً بدوره لنجيب أبو حمزة الذي يملك أغلبية حصص شركة Libancall Plus SAL. فقد انضم أبو حمزة إلى جمعة ليكون مساهِماً في أربع من شركاته في جزر العذارى البريطانية، وذلك بعد زواجه من ميس أصلان في حزيران/يونيو 2012. وميس هي ابنة فلك الأسد التي تكون ابنة عم الرئيس السوري بشار الأسد وخالها هو منذر الأسد المدرج على لائحة العقوبات البريطانية.
ارتبط اسم كل من أيمن جمعة ونجيب أبو حمزة بحيَل خدمات وألعاب الاتصالات عبر خدمتي سمعني ورنات. في أحد العروض التي قدماها يحصل المشترك على شهر مجاني يمكن فيها أن ينتقي الأغنية التي يريد أن يسمعها من يتصل به، وبعد انتهاء عرض الشهر، يُفرض على المشترك رسم دولار أمريكي شهري بشكل أوتوماتيكي ومن دون إشعاره.
في حزيران/يونيو 2015، وبعد تزايد الشكاوى والانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، حذّر وزير الاتصالات السابق بطرس حرب شركة Libancall Plus SAL وأنذرها بضرورة إلغاء اشتراك الخدمة لمن يطلب ذلك مهدداً بإغلاق الشركة في حال عدم إذعانها للأمر.
تظهر التسريبات الجديدة من وثائق بنما أيضاً تعامل موساك فونسيكا بحذر مع شركات أيمن جمعة بعد الدفعة الأولى من وثائق بنما في نيسان/ابريل 2016. في الواقع، كان مكتب المحاماة حذِراً في التعامل مع كافة الشركات التي يوجد فيها مساهمون لبنانيون، خاصة وأن لبنان مصنّف كـ”بلد عالي المخاطر” بحسب مراسلات المكتب الداخلية. لكن الأخير كان أكثر حذراً في ما يخص شركات “الأشخاص المُعرضين سياسياً” في لبنان (اَي Politically (Exposed Persons.
بعد نشر الوثائق، أرسل موساك فونسيكا إنذاراً بالاستقالة إلى 7 شركات من أصل 12 يساهم فيها جمعة، وقد استقال المكتب البنمي من شركتين بالفعل دون إيجاد وكيل بديل عنه. إحدى الشركات التي تركها موساك فونسيكا يشارك جمعة أسهمها مع رولان شاغوري، وهو شقيق جيلبير شاغوري وشريكه الذي كان قد مُنع من دخول الولايات المتحدة بسبب علاقات سياسية ومالية موسعة ومتشابكة في لبنان وخارجه، كذلك أعماله المشبوهة في نيجيريا، بحسب تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز. والملفت أن رولان باع أسهمه كافة في الشركة في الشهر نفسه الذي نُشرت فيه وثائق بنما المسرّبة في نيسان/ابريل 2016.
تظهر الإيميلات أن جمعة بذل مجهوداً، عبر مكتب المحاماة، في سبيل تجديد تسجيل شركاته. وقد أرسل لهذا الغرض المزيد من الوثائق. مع ذلك، تجنّب الإجابة علىأسئلة موساك فونسيكا الجوهرية في ما يتعلق بهوية المالك المستفيد ومصادر التمويل والثروة.
وعلى الرغم من أن إنذار الاستقالة يصبح نافذاً بشكل أوتوماتيكي خلال 90 يوماً، لم ينفذ “موساك فونسيكا” تهديده بالاستقالة كاملاً. لم ينسحب موساك فونسيكا سوى من شركتين اثنتين، وهما Vas Services Limited و Promomedia Loadtsad Global Services. وبذلك إما يكون قد فشل في الوفاء بمتطلبات تقصي الحقائق وفق قوانين جزر العذارى البريطانية وقواعد مكتب المحاماة البنمي، وإما أن الشركات المتبقية لم تشملها التسريبات. وتعتبر تقارير تقصي الحقائق report diligence declaration من أهم الوسائل لمكافحة غسل الأموال وتقوم على بناء قاعدة بيانات أساسية للتحقق من هوية العملاء وفهم هيكلية الملكية، ولكن من دون الحصول على أدلة تثبّت تصريحات العملاء بالضرورة. يشرح المتخصص في قوانين الشركات والمصارف المحامي علي زبيب، والذي لم يطّلع على تفاصيل القضية وتسريبات بنما، أنه من الناحية التقنية ونظراً لشمولية وإتساع المعلومات الشخصية والتي تطلبها المؤسسات المعنية (وخاصة المصرفية والقانونية)، فإن بعض هذه البيانات والمعروفة ب “اعرف عميلك” (KYC – Know Your Customer) والتي تُطلب من العملاء المعروفين بـ”الأشخاص المُعرضين سياسياً” ، يتم إرسالها وحفظها كبيانات بالغة السرية من خلال وسائل تشفير متطورة ومع احتياطات أمنية عالية”.
وقد جدّد موساك فونسيكا تسجيل ثماني شركات لجمعة في جزر العذارى البريطانية في 19 كانون الثاني/يناير وفي 9 أيار/مايو 2017، غالبيتها لا تزال من دون معلومات حول مصدر تمويل ثروة مالكيها (إلا في حال لم يتم تسريب كافة الوثائق). لكن جمعة اختار لاحقاً نقل ثمانية من شركاته من موساك فونسيكا إلى وكيل تسجيل آخر، هو Trident Trust Company (BVI) Limited.
من بين شركات أيمن جمعة الـ12، وجدنا ثلاث شركات فقط بنماذج تصريح تمّت تعبئتها وإن بشكل مقتضب: اثنان منها معبّئة وموقعة من قبل جمعة كمدير، وليس كمساهم أو كمالك مستفيد. يصرح جمعة في النموذجين في 28 شباط/فبراير وفي 22 آذار/مارس 2017 عن 2.5 مليون دولار مدخرات شخصية كمصدر لتمويل كل من الشركتين، و21.3 مليون دولار كمصدر ثروة من الخدمات المقدمة لمشغلي الهواتف المحمولة، فهل كان يقصد بذلك حيَل خدمات وألعاب الاتصالات التي قام بها مع نجيب أبو حمزة؟
لم يجب حتى الآن جمعة على أسئلتنا عبر البريد الالكتروني، ونحن ما زلنا بانتظار أجوبته.
في كل مرة سأل فيها مكتب المحاماة عن هوية المالك المستفيد أو المالك المستفيد والنهائي، تلقى إجابة عبر البريد الإلكتروني مفادها أن المساهمين هم الملاك المستفيدون، ومع ذلك لا يوجد أي تصريح مختوم يؤكد هذا الادعاء ونموذج التصريح ليس موقعاً من قبل مساهم أو مالك نهائي.
نموذج التصريح الوحيد الموقّع كمالك مستفيد من ضمن الشركات الـ12 المسجلة، يعود لحصص جمعة التي يتشاركها مع شقيقه عماد، والأخير هو المالك المستفيد بقيمة 2 مليون دولار مدخرات كمصدر للتمويل و2 مليون دولار آخرين كمصدر للثروة، مع 6 مليون دولار كأرباح.
ويعود نموذج التصريح لشركة Fortress Strategies وهي شركة إعلانات تعمل بشكل أساسي في العراق، وكان تمّ تسجيلها في جزر العذارى البريطانية عام 2009، وقد حققت أرباحاً ضخمة في الفترة بين عامي 2012 و2013.
وتظهر التقارير المالية لعام 2012 أرباحاً مُحصّلة من السنة المالية الماضية بقيمة 2.4 مليون دولار وأرباحاً حالية بقيمة 5 مليون دولار، ما رفع قيمة حقوق المساهمين في الشركة إلى 7.4 مليون دولار، وقد بلغت قيمة حقوق المساهمين (equity) والتزاماتهم (liability) حوالي $12.4 مليون دولار.
في عام 2013، ارتفعت حقوق المساهمين والتزاماتهم إلى 19.2 مليون دولار بأرباح حالية بلغت 7.5 مليون دولار سنوياً، وبذلك ارتفعت الارباح 5.5 مليون دولار مقارنةً مع 2012. في المقابل، وبينما يغيب التقرير المالي لعام 2014 من التسريبات، يُظهر الأخير التقرير المالي لعام 2015 و2016. وقد انخفضت حقوق المساهمين والتزاماتهم تقريباً 10 مليون دولار إلى 9.6 مليون في 2015، مع أن الأرباح المُحصّلة من السنة المالية الماضية كانت 6.3 مليون والأرباح الحالية الصافية 2.5 مليون دولار.
ولكن اللافت هنا أنه بعد نشر تحقيقات وثائق بنما عام 2016، انخفضت أرباح الشركة إلى 100 ألف دولار فقط، علماً أنه لم تنخفض أبداً في وقت سابق عن 2.5 مليون دولار، بحسب التقارير المالية المتاحة. أما أن تحقق شركة إعلانات (برأسمال 50 ألف دولار) صافي أرباح يزيد عن 10 مليون دولار خلال سنتين، ثم ينخفض الأخير إلى 100 ألف دولار بهذه السرعة، فهذا ما يطرح علامات استفهام عدة خاصة أنه ليس هناك حدثاً أمنياً في تلك الفترة يمكن أن يُفسر الهبوط المفاجئ.
هناك احتمالات عدة لتفسير ذلك، ولكن الأكيد أن لوثائق بنما علاقة مباشرة لأنها وضعت عملاءها تحت المجهر. ولكن الاحتمال الأكثر منطقية بالنسبة إلى أصحاب الإختصاص أن تكون الشركة قد أدلت بتصريحات غير صحيحة سواء من ناحية تعظيم الأرباح أو تقلّيصها، وهذا عادة ما يحصل بهدف التهرب الضريبي، من جهة، ومن جهة أخرى لتبرير المبالغ الهائلة التي تدخل حسابات الشركة والتي لا تمت لطبيعة عملها بصلة.
في المحصلة، لا يمكننا تأكيد أي من الاحتمالات من دون الحصول على وثائق وتسريبات اضافية. لكن الأكيد أن ثروة أيمن جمعة وأعماله التي توسعت في الملاذات الضريبية، تطرح العديد من علامات الاستفهام. كذلك رفضه تقديم تفاصيل كاملة عن مصدر ثروته والمالك المستفيد (أو ارسالها لموساك فونسيكا كوثيقة بالغة السرية)، بعد أن أُجبرت الأخيرة تحت ضغط التسريبات الاولى على الالتزام بمعايير “إعرف عميلك” وتقصي الحقائق، قد يعكس رغبةً بالتستر عن أموال غير مصرح عن مصادرها.
*فريق مركز البيانات والأبحاث في أريج
Leave a Reply