موت عشرات الالاف من الاطفال سنويا في مستشفيات الحكومة نتيجة نقص الحضانات

18 سبتمبر 2012

صحيفة الوطن  – «الضنا غالى». حقيقة سجلها المصريون فى أمثالهم الشعبية تعبيرا عن القيمة الغالية للأبناء، وبالرغم من ذلك، فإنهم معرضون لفقدان أكثر من 100 ألف «ضنا» سنويا، بسبب ضعف إمكانيات «الحضّانات» ووحدات رعاية الأطفال المبتسرين، الذين يولدون ناقصى النمو. عايشت «الوطن» مآسى العديد من الأهالى الذين سرعان ما انطفأت فرحتهم بقدوم طفل جديد، حيث يعيش أب وأم بهجة قلقة مترددة، لساعات قليلة، وسط العجز عن انقاذ رضيعهما من براثن الموت، لعدم وجود مكان فى حضّانة بالمستشفيات الحكومية، لينتهى الأمر بسكون جسد الوليد الصغير، بينما يتسرب الأمل من بين أصابع الأبوين، وتتحجر الدمعة فى عيونهما وتسكن الحسرة قلبا لم يكد يشعر بالفرحة.

راحت «الوطن» تستقصى أبعاد المشكلة، لتكتشف أنها لا تقف عند نقص الحضّانات وإنما تشمل أيضاً شروطا مخالفة فى تجهيز أقسام الحضّانات وعجزا فى عدد الممرضات بوحدات الأطفال المبتسرين ولا مبالاة فى التعامل مع مآسى هؤلاء الأطفال وأهاليهم.

يتذكر محمد عيد ثابت جيدا ذلك اليوم الذى فقد فيه «آدم»: شعرت زوجته حينها بآلام الولادة، فهرع بها إلى مستشفى أم المصريين فى الجيزة.. الآلام تزيد وصرخاتها تدوى فى أرجاء المستشفى والأطباء يقولون له لا نستطيع استقبالها لعدم توافر حضّانات. نار القلق بدأت تشتعل فى جسد الأب.. فالجنين يستعد للنزول، والأم لم تعد تقوى على تحمل الألم. أوصاه البعض بالذهاب إلى مستشفى الجلاء بوسط القاهرة.. وهناك تكرر المشهد ذاته، الزوجة تشد على يديه، تنظر فى عينيه وترسل له صرخة استغاثة، فالطفل كاد يطل برأسه على الدنيا ويملؤها صراخا، ولكن ولادته خطرة دون أن توفر له حضّانة. أمسك الأب بهاتفه المحمول واتصل بأصدقائه وأفراد عائلته وطلب منهم مساعدته فى البحث عن مستشفى تتوافر فيه حضّانة تنقذ طفله. وانطلق الجميع فى سباق مع الزمن فى مختلف أرجاء القاهرة: الهرم، الزيتون، مدينة نصر، لكن دون جدوى. فشلوا جميعا فى العثور على حضّانة مجانية. الأسعار فى المستشفيات الخاصة تتراوح بين 400 إلى 1000 جنيه فى الليلة الواحدة، وكيف لأب يعمل مبيض محارة «على باب الله» أن يوفر ذلك المبلغ. انتهى الأمر بالزوجة فى مستشفى الدمرداش حيث وافقوا على استقبالها، بشرط أن يوقع الأب على ورقة يقر فيها بمسئوليته عن إيجاد حضّانة لطفله فور ولادته، وأن المستشفى معفى تماما من تلك المسئولية. وقّع الأب دون تردد، جاء «آدم» إلى الدنيا برئة ضعيفة لا تستطيع أن تمده بالأكسجين، وانتظر الأب أن يأتيه اتصال من قريب أو صديق ليبلغه العثور على مستشفى به حضّانة تستقبل وليده، ومرت اللحظات لاهثة، دقات الساعة تطن فى رأسه، أنفاسه تتلاحق ولونه يشحب مثلما يشحب أمله، مات ألف مرة وهو يتحسب للنبأ المشئوم عن وفاة الرضيع، رحل آدم وأخذ معه فرحة أبويه القصيرة المريرة.

«آدم» ليس الضحية الوحيدة لنقص عدد الحضّانات التابعة للحكومة. فإحصائيات وزارة الصحة حسب تقرير عن حالة المستشفيات نشرته الوزارة بموقعها على الإنترنت لسويعات قليلة تؤكد أن عدد المواليد فى مصر عام 2010 وصل إلى مليونين و382 ألف مولود، 10% منهم (أى 238200 مولود) يحتاجون إلى حضّانات فور ولادتهم كما يقول الدكتور هشام شيحة رئيس القطاع العلاجى بوزارة الصحة سابقا. لكن إجمالى عدد الحضّانات المتوافرة فى المستشفيات الجامعية والطب العلاجى وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والتأمين الصحى والمؤسسة العلاجية يبلغ 3689 حضّانة فقط. وتخدم الحضّانة الواحدة 30 طفلا سنويا، بإجمالى111 ألفا، ما يعنى أن هناك أكثر من 127 ألف طفل ليس لهم مكان فى الحضّانات الحكومية ويتعرضون للموت سنويا بسبب النقص الشديد فى حضّانات الأطفال المبتسرين.

ويقول الدكتور علاء غنام مدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن منظمة الصحة العالمية قسمت الدول إلى 3 شرائح فيما يخص نسبة الأطفال المبتسرين الذين يحتاجون إلى حضّانات.. ففى الدول عالية الدخل لا تزيد النسبة على 1% من إجمالى المواليد، أما الدول شديدة الفقر فتصل النسبة إلى25%، وفى الدول متوسطة الدخل ومنها مصر لا تقل النسبة عن 10%.

دور الجمعيات الأهلية

تجربة «آدم» تكررت مجددا حين اقتربت ساعة ولادة الزوجة للمرة الثانية.. عاش الوالد التجربة المريرة مرة أخرى دون بارقة أمل. ألقى بنفسه على المقعد خارج غرفة الولادة بمستشفى الجلاء.. بدا مستسلما للقضاء والقدر بانتظار الخبر المشئوم. وفجأة انتبه على يد تربت على كتفه وصاحبها يسأله «هل تبحث عن حضّانة؟».

اعتقد «محمد» أنها مجرد أوهام وأن الحزن والألم وقلة الحيلة ذهبت به إلى عالم خيالى، ولكن ما إن رفع عينيه حتى وجد رجلا يقف أمامه منتظرا الإجابة. وفى لهفة نطق الأب المكلوم قائلا «أيوه.. أيوه ». وجاء الرد «أنا واحد من العاملين فى الجمعية الشرعية ونحن نوفر حضّانات مجانية للأطفال الذين لا يجدون أماكن فى المستشفيات العامة وعلمت من إحدى الممرضات أنك ستحتاج إلى واحدة، وسأكون بالأسفل فى انتظار مولودتك». وبالفعل نقلت الطفلة «فاطمة» إلى فرع الجمعية الشرعية فى مدينة نصر، وظلت هناك لـ 25 يوما متتالية عادت إلى أبويها لتحاول أن تداوى جرحا تركه فراق «آدم» فى قلب الأسرة كلها.

والجمعية الشرعية هى إحدى أكبر الجمعيات الخيرية التى تهتم بالدعوة وإقامة مشروعات اجتماعية وطبية لخدمة المجتمع وتوفر 750 حضّانة على مستوى مصر ولا توجد جمعية غيرها تهتم بتوفير حضّانات للأطفال المبتسرين.

الدكتور محمد رشاد المستشار الطبى للجمعية الشرعية أرجع اهتمام الجمعية بأزمة الحضّانات إلى دراسة قاموا بها وأكدت أن «حساب عدد الحضّانات التابعة لمستشفيات وزارة الصحة والجامعية والخاصة أكد وجود عجز يقرب من 3500 حضّانة وفقا لعدد المواليد». وأضاف أنه «فى حال استبعدنا المستشفيات الخاصة فإن العجز سيصل إلى 6 آلاف حضّانة».

ممرضات بلا قلب

ذهبنا إلى مستشفى الجلاء ليس لأنه المستشفى الذى توجه إليه والد «فاطمة» مرتين ولم يعثر على حضّانة تنقذ «آدم» أو تسعف «فاطمة»، ولكن لكونه أكبر المستشفيات المتخصصة فى الولادة الذى يخدم القاهرة والقليوبية وتأتى إليه آلاف الحالات من محافظات أخرى. وأكد مدير وحدة الأطفال المبتسرين به الدكتور عمرو الخشاب أنه يستقبل شهريا ما بين 1200 إلى 2100 حالة ولادة. وتتضمن إحصائية وزارة الصحة عن نسبة وفيات الأطفال المبتسرين فى مستشفى الجلاء خلال عام 2010 بيانات صادمة. فقد بلغت النسبة 31% فى شهر يناير، ووصلت إلى 43% فى شهر مارس وتراجعت إلى 29% فى نوفمبر من ذلك العام.

جولتنا فى مستشفى الجلاء حملت العديد من المفاجآت قمنا بتصويرها بالفيديو لتوثق تحقيقنا، وقفنا أمام الباب الرئيسى لوحدة الأطفال المبتسرين، الأهالى يجلسون على درجات السلم فى انتظار خبر يأتى من هنا أو هناك عن حضّانة فارغة. الأصوات تتعالى «حرام عليكم.. العيال هتموت». أسرة واحدة كانت تنتظر فى هدوء فقد حالفهم الحظ فى العثور على واحدة عن طريق الجمعية الشرعية. انتظر الأهل على باب الوحدة حتى خرجت إليهم «الممرضة» تحمل الطفل ملفوفا فى ملاءة. صرخ أحد أقاربه فيها «بسرعة.. بسرعة.. الولد تعبان». ابتسمت الممرضة فى وجهه ووقفت تطلب منه «حلاوة المولود» وقد لاحظنا أن أغلب الممرضات يساومن الأهالى للحصول على «الحلاوة» قبل تسليم الأطفال.

دس الرجل يديه فى جيبه وأخرج منها بضعة جنيهات، ولكن يبدو أنه خالف توقعاتها فعادت لتطلب منه المزيد قائلة «ده مقامه برضه.. ده ولد.. ربنا يخلى». لم تكد تكمل المرأة الخمسينية جملتها حتى وجدت الأب يقف أمامها صارخا «الولد تعبان منك لله يا شيخة حد يقف بحتة لحمة حمرا فى الشمس كده؟» ويبدو أن صراخه أفزعها فاضطرت إلى أن تسرع بخطواتها قليلا حتى وصلت إلى عربة الإسعاف التابعة للجمعية الشرعية حيث تسلمته ممرضة الجمعية عند باب السيارة المجهزة بحضّانة مؤقتة إلى حين وصول الطفل إلى حضّانات الجمعية الشرعية.

اتهامات متبادلة وشروط مخالفة

الدكتور الخشاب رئيس وحدة الأطفال المبتسرين بمستشفى الجلاء نفى واقعة نقل الطفل ملفوفا فى ملاءة. وقال عند مواجهته بها «أنا لا أتخيل أنه من الممكن أن يحدث هذا هنا». وأكد أن مسئولية نقل الأطفال تقع على عاتق الجهة التى ينقل إليها الطفل، مشيرا إلى الجمعية الشرعية. لكن الدكتور محمد رشاد المستشار الطبى للجمعية الشرعية يقول إن المستشفى هو المسئول عن نقل الطفل من مكانه إلى سيارة الإسعاف الخاصة بالجمعية الشرعية، حيث تبدأ مسئوليتهم منذ استلام الطفل داخل الحضّانة المجهزة بالإسعاف.

أما أزمة نقص عدد الحضّانات فى المستشفى فقال عنها رئيس الوحدة الدكتور الخشاب «هناك شروط تحكمنا فى عدد الحضّانات منها ألا تقل المسافة بين كل حضّانة والأخرى عن متر أو مترين تجنبا لحدوث عدوى بين الأطفال، وبالطبع فى البلاد المتقدمة يطبقون الشروط العالمية بتوفير 6 أمتار بينهما، ولكن لضعف إمكانياتنا نضطر إلى تجاوز ذلك.. ونحن لدينا 22 حضّانة فى القسم المجانى و9 فى القسم الاقتصادى. والحضّانة ليست مجرد صندوق زجاجى يوضع فيه الطفل لكنها تحتاج إلى إمكانيات كبيرة منها طاقم التمريض، فمن الناحية العلمية يجب توفير ممرضة لكل طفلين على الأكثر، لكن الواقع لدينا أن هناك ممرضة واحدة لكل 8 أطفال.

لم ينكر الدكتور الخشاب تجاوز المستشفى للاشتراطات العلمية فى تعيين الحد الأقصى للأطفال الذين يتم وضعهم على«السيرفو»-(وهو جهاز لتدفئة الأطفال بعد الولادة، يوضع عليه الطفل لمدة لا تزيد على بضع ساعات لحين توافر حضّانة فارغة). لكنه برر ذلك بضعف الإمكانيات المادية للمستشفيات العامة وقال «نحن نعلم أن الحد الأقصى للأطفال الذين يتم وضعهم على «السيرفو» هو طفلان، ولكننا نضطر أحيانا إلى وضع خمسة أطفال فى الوقت ذاته».

يعرف الطبيب المسئول المخاطر الناتجة عن هذا الوضع جيدا، بل ويقول إن «الأطفال فى هذا العمر يسهل نقل العدوى بينهم، ولكن ماذا نفعل ونحن نستقبل فى اليوم الواحد ما بين 40 إلى 70 حالة ولادة، علما بأننا نقول للأطباء إن الحد الأقصى لوجود الطفل على السيرفو هو 24 ساعة فقط، لكن يظل بعضهم لأيام».

أصعب اختيار فى الحياة

الحال فى مدينة الثغر لا يختلف كثيرا عن العاصمة. ففى الإسكندرية يوجد أكبر مستشفى جامعى للولادة. ويخدم مستشفى الشاطبى محافظات كفر الشيخ والبحيرة والإسكندرية ومرسى مطروح، وطبقا لإحصائيات -حصلت الوطن على نسخة منها- يستقبل المستشفى من 45 إلى 79 طفلا يوميا برغم أن به 55 حضّانة يعمل منها 40 واحدة فقط، حسب تأكيدات مدير سابق لوحدة الأطفال المبتسرين بالمستشفى.

سامية على إبراهيم جاءت من البحيرة إلى مستشفى الشاطبى لتتابع حملها بناء على نصيحة طبيبها المعالج بعد أن تأكد من أنها تحمل فى أحشائها ثلاثة توائم تؤكد المؤشرات الأولية أنهم سيحتاجون إلى حضّانات فور ولادتهم. وأثناء سفرها للمستشفى فى واحدة من تلك المتابعات شعرت «سامية» وهى فى الطريق بأعراض الوضع، ساعات طويلة قضتها داخل غرفة الولادة بالمستشفى لتخرج بعدها أماً لثلاثة أطفال كلهم بحاجة إلى حضّانات. لم تكن سامية قد استعادت وعيها بعد حين أبلغ الأطباء هناك الأب بعدم توافر حضّانات لأبنائه وأن حياتهم فى خطر وأن عليه أن يبحث عن حضّانات بها جهاز للتنفس فى أى مستشفى آخر. استمع الأب دون رد وهو يتحسس الجنيهات المعدودات فى جيبه. أسعار الحضّانات فى المستشفيات الخاصة بالإسكندرية تبدأ من 500 جنيه فى الليلة الواحدة فمن أين له إذن بتلك المبالغ لثلاثة أطفال؟ وفجأة جاء أحد الأطباء مهرولا وهو يقول «فيه حضّانة واحدة فضيت». تنبهت الأم على صوت الطبيب، لم تكن تعلم ما جرى بعد، سألت عن أطفالها وطلبت رؤيتهم، صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير.. كسر أحد الأطباء حالة الصمت وقال بصوت خافت «مفيش حضّانة غير لواحد بس.. نحط فيها مين منهم؟»، وقع السؤال عليها وقع الصاعقة. لم تتخيل سامية أن تتعرض هى أو أى أم لمثل هذا الاختيار. غابت عن الوعى من جديد، واستيقظت بعدها لتفاجأ بتقرير طبى ممهور بتوقيع طبيبة فى وحدة الأطفال المبتسرين -حصلت الوطن على نسخة منه- كتبت فيه أنه «تمت ولادة ثلاثة توائم ناقصى النمو ولادة طبيعية فى حالة سيئة ولم يكن هناك بالوحدة غير حضّانة واحدة بها جهاز تنفس صناعى فتم إدخال حالة واحدة فقط باسم سامية على أبوعلى والتوأمان الآخران لم تتوافر لهما أماكن داخل الوحدة أو فى وزارة الصحة وكان مصيرهما الوفاة بعد حوالى 7-10 ساعات من الولادة».

الدكتور مجدى بدر الدين مدير وحدة الأطفال المبتسرين السابق بمستشفى الشاطبى والاستشارى الحالى به أكد لنا أن الإقبال الهائل من المواطنين على المستشفى يعود إلى أنه لا توجد وحدات حديثى ولادة جامعية متخصصة فى محافظات الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ومطروح. وأشار إلى أن هناك وحدات تابعة لوزارة الصحة لكن مستواها العلمى والأداء الطبى يختلف 180 درجة عن الجامعى، وأكد الاستشارى الذى كان قد تقدم بعدة شكاوى بشأن هذا الأمر إلى الجهات المسئولة أن هناك نوعين من الحلول يقدمهما المستشفى فى حالة تكدس الأطفال وكلاهما خطير على صحة الأطفال، أول الحلول أن يتم نقلهم إلى مستشفيات أخرى وهذا يمثل خطورة على الأطفال ناقصى النمو، أما الحل الثانى الذى يتم استخدامه كثيرا فهو وضع الأطفال بجوار بعضهم على المدفأة المؤقتة «سيرفو»، فى غرفة انتظار المبتسرين.

السيرفو حل مؤقت ولكن

ويقول «بدر الدين» إن غرفة انتظار المبتسرين «هو مصطلح علمى ابتكرناه فى مصر لحل الأزمة لكن علميا وعالميا لا توجد غرفة ينتظر فيها الطفل المبتسر فرصة للحياة إلى أن يتم البحث عن حضّانة فارغة لكن له مخاطره. وخطورة هذا الوضع تكمن فى تكدس أكثر من 5 أطفال على المدفأة الواحدة أو «السيرفو» مما يعرضهم مثلا لانتقال العدوى أو سقوط أحدهم من شدة الزحام، ما حدث من قبل، حيث أصيب الطفل حينها بنزيف فى المخ، وتقدمت بشكوى رسمية عن هذه الحادثة ولكن دون جدوى.

أزمة نقص الحضّانات فى الشاطبى يجدها «بدر الدين» غير مبررة إلى حد كبير، فهناك غرفتان تم تجهيزهما بتكلفة ستة ملايين جنيه لوضع 16 حضّانة بما يمكن أن ينهى جزءا كبيرا من الأزمة على حد قوله لكنهما لم تدخلا الخدمة لأن الإدارة الهندسية أرسلت خطابا مفاده أن لوحة الكهرباء الرئيسية بالمستشفى لن تتحمل أحمالا كهربائية زائدة!!

وتقول نهى محمد الطبيبة بقسم المبتسرين التى أعدت تقريرا مفصلا عن حالة توائم سامية «لدينا 26 حضّانة بها جهاز تنفس من إجمالى 50 حضّانة، وقدمت تقريرا مفصلا للاستشارى بما حدث وأسباب وفاة الأطفال، ولكن لا يوجد أى تواصل بين وحدة الحضّانات وقسم النساء والتوليد. لا بد أن يعلموا بعدم وجود أجهزة تنفس صناعى حتى لا يتم استقبال حالات ولادة جديدة، وما يزيد الأمر تعقيدا أن تكلفة الحضّانة المزودة بجهاز التنفس تصل فى بعض المستشفيات الخاصة إلى 1000 جنيه فى اليوم، وهذا ما لا يستطيع الكثيرون تحمله، أما المدفأة التى يتم وضع الأطفال عليها «السيرفو» فمن المفترض ألا يزيد عددهم فيها على 2 كحد أقصى، ولكن قد يصل الأمر فى بعض الحالات إلى أن يتم وضع 12 طفلا بجوار بعضهم دفعة واحدة».

ويؤكد الدكتور جمال بطران أستاذ الأطفال وحديثى الولادة أن نقص الحضّانات فى مصر وعامل الوقت فى نقل الطفل بين المستشفيات يؤدى إلى وفاة آلاف الأطفال ممن لا ذنب لهم سوى سوء الإدارة. وانتقد وضع الأطفال على «السيرفو» لفترة تتعدى 24 ساعة، مشيرا إلى أنه لا يوجد عالميا ولا محليا أى قانون يبيح وجود الطفل على جهاز التدفئة أكثر من يوم واحد لأنه بحاجة إلى حضّانة وبسبب تلك المشكلة احترق طفل تُرك على «السيرفو» فى أحد المستشفيات الحكومية وتوفى لأنه وضع عليه فترة أطول من اللازم.

الدكتور أشرف جلال عميد كلية طب الإسكندرية والمسئول عن مستشفيات الجامعة ومنها «الشاطبى» لا ينفى وجود أزمة حضّانات فى المستشفى، بل يرى أن نقص التمريض يعد من أكبر المشاكل التى تضاعف من الأزمة، ففى الوردية الواحدة التى من المفترض أن يوجد بها 18 فإنهن يتغيبن ولا يأتى منهن سوى 8 على الأكثر، ويقول جلال «تتوافد علينا أعداد كبيرة من حالات الولادة يوميا، ولا نستطيع غلق الباب أمامهم لأنهم يرفضون ذلك وتنشأ خلافات بينهم وبين أمن المستشفى، فهم يرون أننا المنقذ الوحيد لهم، خاصة أن أسعار عمليات الولادة القيصرية فى مستشفيات حكومية أخرى تتراوح بين 350 إلى 900 جنيه، بينما لا يدفعون هنا أكثر من 40 جنيها مصاريف دخول فقط.

وعن تكدس الأطفال على «السيرفو» قال عميد كلية الطب «لم أر هذه الواقعة بنفسى ولكن سبق لى أن رأيت صورا لأكثر من 8 أطفال دفعة واحدة على السيرفو الواحد. وعلى أى حال يجب علينا أن ننظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب ولا ننظر إلى الجزء الفارغ فقط، فأنا أعترف بوجود مشكلة وقصور فى الخدمات لدينا، ولكن هناك أيضاً اجتماعات بين وزارة الصحة والمؤسسات العلاجية والمستشفيات الجامعية والتأمين الصحى لحل أزمة غياب التنسيق بين كل تلك الجهات، ولكن لن تحل الأزمة بين يوم وليلة.

غياب التخطيط وهروب الممرضات

الدكتور حسن البرنس وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب السابق أشار إلى أنه وبعد مراجعة مستندات وزارة الصحة ثبت لهم أنه لا يوجد أى خطة لمواجهة زيادة عدد المواليد بالنسبة لعدد الحضّانات. وقال الطبيب القيادى بحزب الحرية والعدالة إن هناك 5 جهات مسئولة عن تلك الأزمة وهى مستشفيات الجامعة ووزارة الصحة والتأمين الصحى والقوات المسلحة والشرطة، ولا يوجد أى تنسيق بينها، وهو ما يزيد من صعوبة الأزمة.

«البرنس» يؤكد أيضا أن أحد الأسباب الكبرى فى تفاقم أزمة نقص الحضّانات هو نقص عنصر التمريض، فالمتعارف عليه عالميا أن كل طبيب تساعده 3 ممرضات، لكن فى مصر هناك220 ألف طبيب يساعدهم 170 ألف ممرضة فقط أى أقل من نصف العدد المطلوب فعليا. وفى وحدات المبتسرين بدلا من أن تخدم كل ممرضة حضّانة أو 2 على الأكثر، فإن الواقع يقول إن هناك ممرضة لكل 8 وربما لكل 10 فى بعض الأحيان. والسبب فى عدم إقبال الممرضات على العمل فى وحدة المبتسرين هو ضعف العائد المادى لهذا العمل الشاق مقارنة بما تقدمه لهن المستشفيات الخاصة، وبدلا من أن نواجه تلك المشكلة، فوجئنا بقرار من وزير الصحة السابق الدكتور حاتم الجبلى بتحويل مدارس التمريض نظام الثلاث سنوات إلى معاهد فنية للتمريض نظام خمس سنوات ومن هنا أصبح هناك عجز فى سنتين كاملتين لم تتخرج فيهما «حكيمة» واحدة.

من جانبه اعترف الدكتور عادل أبوزيد رئيس القطاع العلاجى بوزارة الصحة بوجود أزمة كبيرة فى الحضّانات التى غالبا ما تهدد الأطفال حديثى الولادة وتعرض حياتهم للخطر، مؤكدا أن الوزارة تحاول الوصول لحل المشكلة وقامت بعمل دراسة كبيرة حاولت فيها حصر عدد الحضّانات فى مصر. وقال إنه «لم تكن هناك أى إحصائيات عن تلك المشكلة من قبل، ولكننا قمنا بعمل دراسة عنها، وانتهينا بعدها بطلب شراء 500 حضّانة جديدة كحل مبدئى فقط. والأمر ما زال محل الدراسة للبحث عن سبل الانتهاء من الصداع المزمن فى قطاع الصحة بسبب الحضّانات والمسئولين عنها ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت».

عدة شهور استغرقها إنجاز هذا التحقيق. ولا تزال صرخات الأمهات تصم الآذان، و«قلة حيلة» الآباء تضاعف آلامهم ولا تزال طوابير طويلة يقف فيها الآباء فى انتظار حضّانة حكومية فارغة أملا فى أن يعودوا إلى منازلهم ومعهم شهادة ميلاد «الضنا الغالى»، بدلا من شهادة وفاة مكتوب فيها أن السبب نقص الحضّانات.

تم إنجاز هذا التحقيق بدعم شبكة أريج إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية تحت إشراف الزميل على زلط.


تعليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *